باب زويلة.. أحد أشهر بوابات القاهرة في القرون الوسطى، والذي لا يزال قائماً وموجوداً في العصر الحديث، أُنشئ عام 485 ه 1092م، ويمتاز بكتلة بنائية ضخمة بارتفاع حوالي 24 متراً وعرض 26 متراً، وكان يُعرف باسم "بوابة المتولي" خلال الفترة العثمانية، بسبب وجود شخص متولي تحصيل ضريبة دخول القاهرة. ويُعتبر باب زويلة واحداً من المعالم الرئيسية للقاهرة الفاطمية القديمة من الناحية الجنوبية، ويُشتهر بأنه البوابة التي عُلقت عليها رؤوس رسل "هولاكو" قائد التتار، كما أُعدم عليه السلطان "طومان باي"، وعُلقت جثته لمدة ثلاثة أيام، عندما فتح القائد سليم الأول مصر وضمّها للدولة العثمانية، بالإضافة إلى أن الباب كان يُستخدم لتعليق رؤوس المجرمين من السكان المحليين على قمم الجدار. ومنذ أن شرع جوهر الصقلي في تأسيس مدينة القاهرة عام 969م لتكون المدينة الملكية لسلالة الفاطميين، فكّر في كيفية حماية البلاد من الأعداء، وقام ببناء جدر وأسوار من الطين اللبن..، ولكن في عام 1092م بنى القائد الفاطمي "بدر الجمالي" جداراً حول القاهرة وأسماه "باب زويلة"، بعد انهيار الأسوار المبنيّة من الطين التي بناها جوهر الصقلي، وكانت تُستخدم مآذن زويلة لاستكشاف قوات العدو التي تهدّد القاهرة بين الحين والآخر. وفي عام 1260م حاول القائد المغولي هولاكو مهاجمة مصر، بعد أن نجح في الاستيلاء على دمشق واستسلام أهلها، وارسل ستة رسل للسلطان "قطز′′ في القاهرة، مطالبين باستسلامه والسماح بدخول التتار إلى البلاد بدون إراقة دماء، وكانت نص الرسالة كما جاء في الأثر التاريخي: "من ملك ملوك الشرق والغرب خان العظيم إلى قطز المملوكي، الكثير فرّوا هرباً من سيوفنا ويجب أن تفكر فيما حدث لبلدان أخرى.. كنت قد سمعت كيف أننا قد غزونا إمبراطورية مترامية الأطراف.. لا يمكنك الهروب من جيوشنا، الخيول لدينا سريعة، والسهام لدينا حادة، سيوفنا مثل الصواعق، قلوب جنودنا حجر كما الجبال، ولا يمنعنا الأسلحة..، أسارع ردكم قبل أن توقد نار الحرب، وإلا سوف تعاني من كوارث أفظع..". وردّ السلطان قطز عن طريق قتل الستة رسل المبعوثين من هولاكو، وتم تعليق رؤوسهم على باب زويلة، وتحالف معه الظاهر بيبرس للدفاع عن الإسلام ضد التهديد المغولي، وكانت القوات مجتمعة تشكّل نحو عشرين ألف مقاتل ومستعدة لمواجهة الجيش المغولي، وعُرفت المعركة بين المماليك والجيوش المغولية باسم معركة "عين جالوت"، والتي أسفرت عن هزيمة التتار، وكان النصر محورياً للمماليك في المنطقة، واستطاعوا توسيع إمبراطوريتهم وأصبحوا قوة مهيّمنة في منطقة الشرق الأوسط، ووضعوا بداية النهاية للوجود المغولي في المنطقة. وبعد هزيمة جيوش السلطان الغوري في موقعة "مرج دابق" على أيدي العثمانيين بسبب خيانة أمراء المماليك، تم قتل السلطان وإخفاء جثته ولم يعثر أحد عليها..، وحاول القائد طومان باي جمع شتات أمراء القاهرة بعد تنصيه سلطاناً على البلاد، ورفض الخروج لملاقاة العثمانيين لضعف الإمكانات الحربية، وبعد إلحاح من جانب أمراء المماليك وافق على مواجهة الغزاة العثمانيين وملاقاة جيوش السلطان سليم الأول خارج أبواب القاهرة، لكنه تفاجأ برفض أمراء المماليك الخروج معه لملاقاة الغزاة، حيث فضّلوا الانتظار والخروج فقط عند اقتحام العدو ديارهم، وبعد بدء المعركة تكاثر العثمانيون على جند طومان باي، ودخل العثمانيون إلى القاهرة وخطب السلطان سليم إلى المصريين على منابر المساجد، وبعد معارك عديدة في شوارع وطرقات القاهرة بين الطرفين، انتصر العثمانيون بسبب التفوّق في العدد والعتاد، ولم يجد طومان باي مكاناً يلجأ إليه وعاش مطارداً خوفاً من الوقوع في أيدي السلطان سليم الأول، لكن أحد الأشخاص وشى بمكانه عند العثمانيين، وأمر السلطان سليم بشنقه وتعليق جثته على باب زويلة لمدة ثلاثة أيام، وبقيت سيرته كبطل قومي ورمز للمقاومة. ويقول د. وائل الشريف، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس: إن المآذن التي ترتفع فوق أبواب القاهرة الفاطمية مثل باب زويلة، كانت بهدف استكشاف الأعداء في المناطق المحيطة بالقاهرة، حيث بُنيت بوابة الجنوب في القرن الحادي عشر، وأُضيفت لها مئذنتان في القرن الخامس عشر ، عندما تم بناء مسجد "المؤيد" على الجانب الغربي من الشارع من قِبَل السلطان المملوكي المؤيد سيف الدين شيخ. ويوضح أن السلطان فرج كان قد سجن المؤيد شيخ، وتعهّد بأنه سيحوّل مكان السجن إلى مركز للعبادة والتعلّم إذا نجا وجاء إلى السلطة، وفي عام 1412 أُسقط السلطان فرج الذي كان مسؤولاً عن سجن المؤيد، حتى أصبح المؤيد سلطان مصر وبدأ عصر المماليك الجراكسة، ونفّذ تعهّده ببناء المسجد الملاصق لباب زويلة. ويشير إلى أن باب زويلة تزيّنه نقوش إسلامية محفورة في الحجارة على الجدران، وعند الصعود إلى المآذن يستمتع الشخص بمشاهدة إطلالة جميلة على القاهرة الإسلامية القديمة وحديقة الأزهر وقلعة محمد علي باشا. ومن جانبه، يرى د. أنس هارون، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، أن باب زويلة يقف شامخاً وشاهداً على معركة الدفاع عن الإسلام ضد التتار التي تُسمّى "عين جالوت"، حيث شارك فيها القائد بيبرس بجيوشه، وكانت معركة مميتة بين المسلمين والصليبيين. ويؤكد أن باب زويلة تأسّس في عهد الدولة الفاطمية لأغراض عسكرية، حيث يوجد جبل المقطم ناحية الشرق، وبالتالي حماية القاهرة من الأعداء وصد هجماتهم بحصون وجدر قوية..، ويقول: يُعدّ باب زويلة أحد الرموز المعمارية للقاهرة القديمة، ويتكوّن الباب من طبقات يوجد بها كتل من الحجر الجيري الضخم التي كانت تُستخدم في البناء، ما يُصعّب على الأعداء اختراقها، لاسيما وأن الفاطميين كان لهم أعداء كثر، وكانوا يخشون منذ صعودهم إلى حكم البلاد من ارتداد المصريين عليهم، أو السقوط على أيدي التتار، بالإضافة إلى مصر في عهد الفاطميين أصبحت داراً للخلافة ولم تعدّ إمارة، وبالتالي حرص الفاطميون على إحاطة القاهرة بسور ضخم لحماية الحكم ويحفظ للفاطميين هيبتهم نحو الأعداء.