يروى محمد كيف عانت أسرته واللاجئون المقيمون في المنطقة بعد خروج مظاهرات للمطالبة بإغلاق السكن، ما عرضهم للكثير من المضايقات والعنصرية. اليوم يسكن محمد في منطقة الشارلتون بورغ غربي برلين، بعد أن دفع 4 آلاف يورو لسمسار عربي الجنسية لقاء تأمين منزل مناسب عبر إحدى شركات السكن، وبالفعل تمكن خلال مدة لم تتجاوز الشهر من الحصول على ما أراد عبر السمسار الذي يملك علاقات داخل عدة شركات إسكان كما يقول، مضيفا «يطالبوننا بالاندماج وتعلم اللغة الألمانية، لكن فشلت في الحصول على سكن لثلاثة أعوام بسبب تجاهل طلبي»، وهو ما يعلق عليه أيهم، الولد البكر للثلاثيني حمصي، والذي يبلغ من العمر عشر سنوات قائلا: «عندما كنت في السكن الجماعي كنت ألعب مع الأطفال العرب لأننا كنا نعرف بعضنا البعض، اليوم ألعب مع أطفال ألمان ونتكلم اللغة الألمانية التي لم أكن أتكلمها إلا في حصص المدرسة». العنصرية زادت من الاحتيال كشفت دراسة «يجب أن نبقى في الخارج» التي أجراها التلفزيون البافاري ومجلة دير شبيغل في شهر جوان من العام الفائت عن عنصرية ضد الأجانب وبالأخص العرب، إذ تم إرسال 20 ألف طلب تأجير بأسماء غير ألمانية وبلغة تحتوي على بعض الأخطاء للدلالة على الأصول غير الألمانية للمتقدمين. وتصدر العرب بحسب نتائج الدراسة نسبة الرفض نتيجة لأصولهم بمعدل 27%، يليهم الأتراك بنسبة 24%، وبينما يعاني الرجال العرب الرفض بنسبة 31% جاءت حصة النساء العربيات من الرفض بنسبة 23%، في حين بلغت نسبة الرجال الأتراك المرفوضين من قبل شركات السكن 33% بينما تتلقى النساء التركيات الرفض بنسبة 16%. وينتشر السماسرة الذين يعرضون خدماتهم على اللاجئين في معسكرات الإيواء (الكامبات) والمقاهي وأماكن تواجد اللاجئين، ويشكل العرب القدامى والأتراك القسم الأكبر منهم، ولا يخلو الحديث اليومي للاجئين عن هؤلاء المحتالين الذين وثق موقع «العربي الجديد» 13 حالة عانت من أحدهم، إذ تقاضى السمسار أموالا متفاوتة من كل حالة، بعد ادعاء قدرته على توفير سكن لهم دون إتمام مهمته المفترضة، والأنكى أنه هدد الضحايا بعواقب رفع دعوى ضده كما يظهر في رسائل «واتساب» حصلت «العربي الجديد» على نسخة منها، بعد أن وعد كلا منهم بتوفير شقة عبر شركة اسمها برنسيس، والتي يكشف السجل الرسمي لشركات السكن في برلين المتوفر على موقع بلدية برلين على الإنترنت عدم وجودها وفقا لما وثقه معد التحقيق. ولم يستجب الضحايا لتهديدات السمسار الذي بدأت محاكمته في العشرين من شهر نوفمبر 2017 بحسب وثيقة تلقتها اللاجئة السورية سميرة شيب تطلب فيها محكمة برلين المدنية منها الحضور كشاهدة ضد المدعى عليه، والذي تتحفظ الجريدة على اسمه إذ يمنع القانون الألماني الكشف عن هوية المتهم دون إصدار الشرطة بلاغا رسميا يحدد هويته. واعترف السمسار بفعلته في أول جلسة قبل استدعاء بقية الشهود أمام القاضية، حتى لا يتحمل نفقات طول فترة المحاكمة في حال إدانته خاصة أن الشهود والوقائع المختلفة ترجح ذلك الاحتمال وفقا لما تقوله شيب. توثيق حالات العنصرية في السادس عشر من شهر جانفي من عام 2018 اختار معد التحقيق عينة عشوائية من الشقق في مناطق مختلفة تشرف على بعضها مراكز الخدمة التابعة لشركة «دويتشه فونين»، ثاني أكبر مؤسسات السكن في برلين والتي يتقاسم أسهمها مؤسسات ومساهمون في البورصة، بعد أن وثق شهادات لاجئين في برلين يعانون من عدم قبول طلباتهم لدى الشركة سالفة الذكر والتي قدم معد التحقيق أحد عشر طلباً عبر موقعها الإلكتروني موثقا إياها بأرقام تسجيلها التي تثبت دخول الملف حيز الدراسة في الشركة المؤجرة. وفي اليوم التالي لتقديم الطلبات تلقى معد التحقيق رداً واحداً فقط من أصل أحد عشر طلباً، تضمن الرسالة التالية: «السيد الحمدو، شكراً لاهتمامك بالشقة الواقعة في البناية رقم 9 بالمنطقة 12347، شارع Holtzmindener، برلين، نأسف بأننا لأسباب تتعلق بكثرة الطلبات لن نستطيع أن نقدم لك العرض.» وأرفقت الرسالة بتعليمات عامة للبحث عن شقق أخرى في الموقع الرسمي للشركة. قوبل الطلب بالرفض رغم أن معد التحقيق تقدم بطلب استئجار الشقة في المهلة المحددة بعد ساعات قليلة من عرضها على الإنترنت، وفي الثاني من فبراير الماضي تلقى معد التحقيق رداً متأخراً على أحد تلك الطلبات، تبلغه فيه شركة دويتشه فونين بأن الشقة التي تقدم بطلب استئجارها والواقعة في منطقة 13051 شارع Berlin, Barther Str، قد أُجرت ولم تعد متوفرة على الإنترنت، غير أن هذا الرد يدين الشركة لأن المستأجر قدم طلبه بعد الإعلان عن توفرها عبر الإنترنت وتم تسجيل الطلب إلكترونيا ضمن المهلة المحددة لعرض الشقة، الأمر الذي يؤكد تعمد رفض منح المؤجر للشقة التي لم يكن ليعرف بها لولا أنها ظهرت في نظام التقديم الإلكتروني للشركة عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، والذي تثبت الرسالة الإلكترونية التي حصلت عليها «العربي الجديد» عقب التقديم مباشرة أن الشقة وقت تقديم الطلب عليها كانت متوفرة إذ سجل موقع الشرطة الطلب إلكترونيا تحت البند رقم 102258821 وهو ما يعني تجاهل دراسة الطلب. إعادة المحاولة في الثاني عشر من شهر فبراير الماضي، أعاد معد التحقيق المحاولة وتقدم بعشرة طلبات جديدة في غرب وشرق وشمال غرب وجنوب برلين، وفي اليوم نفسه الذي تم تقديم الطلبات فيه تلقى معد التحقيق رسالتين، الأولى تبلغه فيها شركة دويتشه فونين بأن الشقة التي تقدم بطلب استئجارها والواقعة في منطقة 12683، دائرة Ring 79 شارع Berlin, Buckower قد أجرت ولم تعد متوفرة على الإنترنت، ويفسر صاحب مكتب الوساطة العقارية الألماني من أصل لبناني أحمد جوهر والذي يعمل منذ 10 أعوام في سوق العقارات ببرلين، تكرار ما حدث قائلا لموقع «العربي الجديد»: «بعد الأزمة المالية عام 2008 نشط الاستثمار في سوق العقارات في برلين ومع ازدياد نسبة انتقال الأجانب إلى العاصمة الألمانية بدأت تظهر هذه المشاكل، إذ لم تعد شركات السكن تخشى من بقاء شققها دون زبائن وأصبحت تهمل طلبات الأسماء الأجنبية وبخاصة العربية والتركية عمداً، وبات ذلك معروفاً لدى الجميع، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراءات للحد من العنصرية في السكن إذ إن مكتب مكافحة العنصرية الذي أنشئ مؤخراً لم نر منه اتهاما واحدا حتى اللحظة لأي من الشركات بالتمييز العنصري ولم يصدر عنه أي بيان حول ذلك». تكرر الأمر لدى محاولة استئجار شقة في شارع .Alfred-Randt-Str، في البناء رقم 22 بمنطقة Köpenick في برلين، إذ أبلغت شركة دويتشة فونين معد التحقيق برفض طلبه بسبب كثرة طلبات التأجير ومن أجل إثبات التجاهل العمدي طلب معد التحقيق، من ثلاثة أشخاص هم ميريت، فتاة سويسرية، جوناس، طالب جامعي ألماني، وفريدريك، صحافي ألماني التقدم بطلب استئجار لذات الشقة، وكانت المفاجأة أن تلقت ميريت في اليوم نفسه بتمام الساعة الرابعة والعشرين دقيقة أي بعد ساعتين من رفض طلب معد التحقيق رداً ايجابياً من قبل الشركة تطلب فيه من ميريت زيارة مقرها للحصول على المفاتيح ومشاهدة الشقة، وكذلك كان رد الشركة على جوناس في اليوم التالي بتمام الساعة السابعة صباحاً وفريدريك بتمام الساعة السابعة صباحاً أيضاً؟ وبات واضحاً أن سبب الرفض لم يكن كثرة الطلبات على استئجار الشقة بل هوية المتقدم إلى الشركة للحصول على الشقة. ورغم أن القانون الألماني الاتحادي العام في المواد رقم 3 ، 34 التي أضيفت عام 2006 ينص على ضمان حق المساواة بين الأجناس ويعاقب مرتكبي التمييز العنصري بعقوبة الحبس تقدرها المحكمة مابين ثلاثة أشهر وخمس سنوات، إلا أن تحركات الحكومة الألمانية تأخرت حتى مطلع شهر يناير/كانون الثاني عام 2017، بعد ازدياد الشكوى من نسبة التمييز العنصري في برلين، إذ قررت الحكومة إنشاء مكتب لمكافحة التمييز العنصري في السكن إلا أن المكتب لا يبدو فعالاً إذ تجاهل بريدا رسميا أرسله معد التحقيق في الثامن من مايو/أيار رغم أن الرد الإلكتروني للمكتب أكد أن فترة الاستجابة تصل الى مدة أقصاها يومين ضمن أوقات أيام العمل الأسبوعية.