تعد الصورة الشعرية محاكاة ذاتية لروح الشاعر وما يجول بداخله من خواطر، وأحاسيس وأفكار؛ حيث يقوم بتشكيل ذلك الركام من الأحاسيس والأفكار التي تتحاور وتتفاعل أثناء عملية الإبداع ،وتعتمد الصورة الشعرية على المخزون الفني لدى الشاعر، وما يستوجبه من خبرات يستوحيها من الحياة المعرفية الثقافية عموما، كما أنها تنبع من حاجة إبداعية وجدانية لإضاءة معنى جديد لم تكن تملكه الفكرة، وتكمن وظيفة الصورة في النصوص الأدبية بأنها: «تنقل إلينا الفكرة التي انفعل بها الشاعر، وليست الصورة التي يكونها خيال الشاعر إلا وسيلة من وسائله في استخدام اللغة على نحو يضمن به انتقال مشاعره (انفعالاته وأفكاره) إلينا على نحو مؤثر،والصورة الفنية بأنواعها هي أداة جمالية في إبراز المعاني من خلال تشكيلها في لوحة فنية تعتمد على المجاز في الأغلب، والاتجاه بالألفاظ إلى معانٍ أخرى غير معانيها الحقيقية، وكلما اتجه الشاعر إلى الصورة كلما كانت معانيه أكثر تألقًا وحضورًا وتأثيرًا، وقد تكون الصورة الفنية جزئية أو كلية، وتظهر الصورة الفنية الجزئية في النص في مواضع محددة مثل التشخيص والتجسيم، والتجريد والتوضيح، وتتجلى الصورة الكلية في النص أو في معظمه.، وسيتناول هذا المقال الصورة الفنية الجزئية في ديوان ساعة من ليل للشاعر سامي أبوبدر. ويُقصد بالصورة الفنية الجزئية: أصغر وحدة تعبيرية تمثل لقطة فنية تصويرية خاطفة، وقد تكون جزءًا من تصوير مركب أشمل يشكل منها ومن مثيلاتها صورة مركبة أكثر تعقيدًا وأبعد أثرًا، وتعكس رؤية متكاملة تمليها تجربة الشاعر حيث تتشكل القصيدة من وحدات تصويرية جزئية تتآلف مع بعضها البعض في السياق التعبيري تمثل كل وحدة منها صورة جزئية يصوغها الشاعر بالاستدعاء الوجداني من مختزنات الشعور والفكر والتخيل التي تشكلت في مجموعها معالم تجربته الشعرية. وبتأمل نصوص سامي أبوبدر في ديوانه ساعة من ليل، نجد أنه قد أبدع بما يدلل على قدرته الفذة في التخيل والإدراك الحسي، كم أنه قد أبدع في رسم الصورة وتقريبها للأذهان من خلال دمج المعطيات الحسية بتجربته الخاصة ما ساعد على إنتاج إبداع خاص، وفق رؤيته الخاصة، وهو ما يدور حوله هذا المقال حيث نتناول الصورة الفنية الجزئية في ديوان ساعة من ليل للشاعر سامي أبو بدر ( التشخيص والتجسيم)، فالتشخيص أسهم بدوره تعميق الصورة والتأثير في المعنى والفكرة التي طرحها سامي أبوبدر في ديوان (ساعة من ليل) بمنحه الصورة بعدًا قريبًا إلى الذهن وذلك في قصائد متعددة من شعره من ذلك قصيدته (أنين ) التي جاءت ثمرة لمعاناة قاسية، ومواقف واقعية عاشها وطنه فترة من الزمن فكان الألم والأنين، ولقد استطاع الشاعر نقل هذه المشاعر والأحاسيس إلينا من خلال الصورة الجزئية المعبرة ،وفي النص صور أخرى صنعتها التشبيهات والاستعارات، وقد أسهم التشخيص في قصائد أخرى في رسم لوحات فنية معتمدا في ذلك على الخيال، ودوره في رسم الصورة، حيث ظهرت لدينا قصائد اتصفت بتعميق الدلالة، وتكثيف الحالة الشعورية، ومنها قصيدة (نشيد النهر)، ففيها اعتمد الشاعر في إيجاد صوره على الانزياح، في تركيب الكلمات والتشخيص، أي أنسنة العناصر بإسناد أفعال وصفات إنسانية لها حيث تتناثر الصور تناثرًا . كما اعتمد سامي أبوبدر في كثير من قصائده ظاهرة التجسيم مستعينا بها لإبراز المعنويات المتخيلة إلى حسيات مادية تقترب من الأذهان كما في قصيدة ريح عقيم ،ويتابع الشاعر في قصيدته ترانيم صوره المجسمة في صورة ماديات محسوسة تثير الانفعال، وتستدعي التجاوب مع الصور، وبالتالي يكون التجاوب مع الفكرة التي يريد الشاعر إيصالها ..