المعلوم أن الدولة تعكف منذ أكثر من 10 سنوات على إصلاح المالية و الجباية المحليتين بإشراك كل القطاعات المعنية من خلال لجنة وزارية مشتركة أسندت لها مهام تشخيص النظام الحالي و تقديم خطة عمل تنفذ تدريجيا من أجل إصلاح عميق يصحح الاختلالات و يعالج النقائص المسجلة المتمثلة في عدد كبير من الضرائب و الرسوم المقدر عددها ب27 ضريبة بنسب متباينة غير متجانسة و بمداخيل ضعيفة عموما , و مع ذلك تبقى في صالح البلديات المتوفرة على مناطق صناعية أو تجارية , مع ضعف الإيرادات الجبائية الناجمة عن الأملاك , إلى جانب ضعف الموارد البشرية المحلية . و على ضوء هذا التشخيص اتخذت الدولة عدة إجراءات لتحسين الوضعية المالية للجماعات المحلية ؛ منها ما يهدف إلى رفع حجم الإيرادات الجبائية "مثل تخصيص 50% من الضريبة على الناتج الخام الخاص بالمداخيل الايجارية لصالح البلديات ؛والزيادة في الرسم الخاص المتعلق برخص العقار و لا سيما على مستوى التجمعات الكبرى ؛و توسيع رسم الإقامة على كافة البلديات مع الزيادة في التعريفة بصفة متزنة حسب تصنيف مراكز الإيواء المعنية ؛ و الزيادة في الضريبة المستحقة للدولة، الولاية أو البلدية بعنوان البناء في الأملاك العمومية بناء على ترخيص الطرقات لصالح الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين الخاضع للقانون العام أو الخاص ؛وتخصيص 50% من الضريبة الجزافية الوحيدة لفائدة الجماعات المحلية؛وتخصيص أقساط من الرسوم البيئية المخصصة للدولة لصالح البلديات؛واصلاح نظام التضامن المالي مابين الجماعات المحلية؛ومنح تخصيص سنوي من ميزانية الدولة لصالح الجماعات المحلية للتكفل بأعباء الأثر المالي الناتج عن الزيادة في أجور موظفي الجماعات المحلية؛ومنح تخصيص سنوي من ميزانية الدولة لصالح البلديات للتكفل بنفقات تسيير وحراسة المدارس الابتدائية". و من هذه الإجراءات ما يرمي إلى عقلنة وعصرنة تسيير الجماعات المحلية من خلال :" الترخيص للبلديات للقيام خلال الثلاثي الأول من كل سنة بدفع النفقات ذات الطابع الإجباري بدون كشوفات (المادة 16من قانون المالية لسنة 2009)؛وتحسين تأطير المصالح المالية للجماعات المحلية بفتح 13000 منصب مالي ممول من ميزانية الدولة 2596 منصب مالي ممول من ميزانية البلديات ؛والمعالجة المعلوماتية للمعطيات المادية والمالية للميزانيات المحلية ؛وضبط تكاليف النفقات لبعض الخدمات العمومية المحلية ( رفع النفايات المنزلية- الطرق البلدية)؛والإدخال التدريجي للميزانية الإلكترونية على مستوى الجماعات المحلية ؛و وضع الرقابة القبلية على النفقات الملتزم بها على مستوى البلديات". ثم هناك إجراءات تخص تحسين تسيير الميزانية البلدية بإعداد ميزانية جديدة للبلديات و إصدار "المرسوم التنفيذي رقم 12-315 المؤرخ في 21 أوت 2012، المتضمن شكل ومضمون ميزانية البلدية ". تطبيقا لأحكام قانون المالية لسنة 2011 , و وضع برنامج تكوين وتأهيل لفائدة المكلفين بإعداد و تنفيذ الميزانية الجديدة و دعمهم "بإعداد برنامج إعلام آلي موجه للآمرين بالصرف حول تحضير وإعداد وتنفيذ الميزانية الجديدة للبلديات". * تثمين الموارد المحلية كما يستمر إصلاح الجباية المحلية بتحسين مردوديتها عن طريق تبسيط النظام الضريبي المحلي و إقامة تعاون أفضل ما بين المصالح الضريبية و مصالح الإدارات المحلية. مما يفضي في نهاية المطاف إلى التأسيس لنظام جبائي جديد أعلن عنه وزير الداخلية في مستهل عرضه النتائج الأولية للانتخابات المحلية الأخيرة مشيرا إلى أن المجالس المنتخبة للسنوات المقبلة ستكون أداة لتثمين الموارد العمومية لفائدة المواطنين و خطوة لعصرنة الخدمة العمومية التي سخرتها الدولة لمستخدمي الدولة . و سيكون لها شرف تجسيد الإصلاحات إذ ستعمل في إطار قانون جديد للجماعات الإقليمية يعمق مبادئ اللامركزية في التسيير و يوسع صلاحيات المنتخبين المحليين , و في ظل نظام جبائي جديد مختلف تماما عن سابقه و سيعهد للمجالس المنتخبة تفعيل الدور الاقتصادي المبني على المبادرة المحلية ... و ينتظر أن يجمع القانون المرتقب مختلف الأحكام القانونية المنظمة للضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجماعات المحلية ضمن نص واحد يسمى قانون الجباية المحلية لتسهيل و توضيح قراءة الأحكام المتعلقة بالوعاء الجبائي و آليات التحصيل والإجراءات المتعلقة بالضرائب المحلية.
و لو اقتصر الأمر على التأقلم مع النظام الجبائي المقترح للجماعات الإقليمية لكان الأمر عويصا , و التحدي صعبا بالنسبة للمقبلين على تحمل مسؤوليات المجالس الشعبية المحلية المنتخبة , فكيف الأمر إذا كان المنتظر منهم هو التكفل بجميع مطالب مختلف الوصايات المركزية و الإقليمية و المحلية , فضلا عن المطالب المتشعبة للناخبين التي لا حصر لها و لا حد , في ظرف تميز بأزمة اقتصادية فرضت على الدولة ترشيد نفقاتها إلى أقصى الحدود . فرغم رفع الحكومة للميزانية المخصصة لتمويل المخططات التنموية للبلديات من 35 مليار دج العام الحالي , إلى 100 مليار دج العام المقبل , غير أن ذلك يظل دعما ضئيلا لاحتياجات الجماعات المحلية التي تتدخل في جميع القطاعات دون أن تمنح نصيبا مناسبا من إيرادات الجباية ذات المردود المرتفع كالجباية البترولية و الرسم على القيمة المضافة , الأمر الذي انعكس في شكل عجز مالي مزمن لأكثر من 83 % من البلديات البالغ عددها 1541 بلدية , منها حوالي 300 فقط تصنف في خانة البلديات القادرة على الاعتماد على إمكانياتها الذاتية لتمويل نشاطها. ولا نعتقد أن جل المرشحين لتسيير هذه البلديات على اطلاع بحقيقة الأوضاع التنموية و تعقيداتها بكل بلدية , حتى و إن كانوا من أهل الدار , لأن مطالب المواطنين في عمومها معروفة لدى الجميع , لكنها تحتاج إلى تشخيص دقيق يحدد حجمها و نوعيتها و ترتيبها في سلم الأولويات و الوسائل الواجب تجنيدها لتلبيتها , والمنهج التنموي الواجب اعتماده لمواجهة هذه المطالب, و موازنة كل ذلك بالإمكانيات المالية الموضوعة تحت تصرفهم , أو تلك التي يستطيعون تحصيلها بمبادراتهم الخاصة من خلال تفعيل الموارد المالية غير المستغلة , أو المستغلة دون طاقتها . * الإعتماد على الكفاءات إن غياب هذه المنهجية في العمل و في استغلال الإمكانيات المتاحة , رغم أن قانوني البلدية و الولاية وضعا كل تفاصيلها , أدى إلى البرمجة الارتجالية لمشاريع تنموية كلفت الدولة و الجماعات المحلية استثمارات ضخمة في جميع القطاعات التنموية , دون أن تتوصل إلى تلبية احتياجات المواطنين سواء في مجال السكن أو الهياكل المدرسية و الصحية أو المنشآت المائية و أو شبكات الطرق , و حتى في مجال تنظيف المحيط و ما يترتب عن كل ذلك من تذمر شعبي يهدد استقرار الجبهة الداخلية ... و لذا فمهام أعضاء المجالس البلدية و الولائية الجديدة ينبغي ان تصب في تصحيح الاستثمارات شبه الضائعة و جعلها أكثر مردودية في تلبية احتياجات المواطنين , كما يمكنهم بموازاة ذلك التفكير في اسلوب ناجع لتسيير شؤون الجماعات الإقليمية بشكل يُحَمِّل المواطن نصيبه من المسؤولية في المجهود التنموي بجعله يساهم فيه و لو من خلال الانضباط و تجنب التبذير بكل أشكاله و الالتزام بتسديد ما عليه من مستحقات جبائية تجاه الجماعات المحلية لإعادة التوازن إلى معادلة الأخذ و العطاء في علاقة المواطن بجماعته البلدية. و هكذا نلاحظ أن التحديات التي تنتظر أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية ليست هينة وأن الكثير منهم لا خبرة لهم في معالجتها و إيجاد الحلول المناسبة لها , إلا بالاعتماد على الكفاءات المحلية التي لا مناص من الاستفادة من خبرتها و توجيهاتها بفضل تفعيل ميكانيزمات الديمقراطية التشاركية بشكل يحسن تسيير الجماعات المحلية لفائدة سكانها أولا و سكان البلديات المجاورة ثانيا , لعموم المواطنين .