طغت فكرة المال عن السياسة في العالم، وأصبح حكام أغلب كبريات الدول الغربية عبر العالم من طبقة رجال الأعمال، وانتقل الحديث من قوة الزعامة والشخصيات الثورية القويّة الفاعلة والتي لها أثر على القرارات المتخذة على المستوى الدولي من أمثال فيدال كاسترو، هواري بومدين، جمال عبد الناصر، كنيدي وغيرهم كثيرون ممن غيّروا من اتجاهات سياسات دول بأكملها، انتقل الحديث من هذه الشخصيات الرمز إلى شخصيات تسيطر على العالم برؤوس أموالها ونفوذها العرقي الأرستقراطي. وإذا كان الحديث في زمن ليس ببعيد عن تقارير عالمية تفيد بأن قوّة الدول توزن بقوة الرجال والزعماء الذين يبسطون نفوذهم التاريخي والثوري وحكمتهم في حل أصعب المشاكل والأزمات الدولية، فإن المعايير تغيّرت في زمن يحكم فيه المال والنفوذ السياسي والاقتصادي وقوّة التحالفات الدولية في زمام السياسة والعلاقات الدولية. حيث أفاد تقرير نشر السنة الماضية تحت عنوان" أقوى 23 دولة على وجه الأرض" شمل استطلاع رأي أكثر من 21 ألفا من كبار رجال الأعمال والنخب المُطَّلعة وعموم المواطنين، حيث رأى المشاركون بأنَ الولاياتالمتحدة هي الدولة الأقوى في العالم، بتأثيرها الاقتصادي والسياسي والثقافي والفني "قوة عظمى"، كما أن ميزانيتها العسكرية الضخمة والتي تقدر بنحو 600 مليار دولار واقتصادها الرائد يضعانها في المقدمة لتليها روسيا، بفضل اعتمادها على مواردها الطبيعية وباتت واحدة من أغنى دول العالم، وما زالت نسبة نفقاتها العسكرية من إجمالي الناتج المحلي تفوق نسبة نفقات دول حلف الناتو بفارق ملحوظ، إذ تخصص روسيا 5,4% من إجمالي ناتجها المحلي للنفقات العسكرية. الصين والتي تمتلك بالفعل أكبر جيوش العالم، ويتوقع الخبراء أنها ستكون أكبر قوة اقتصادية بحلول عام 2050، كما تعد المملكة المتحدة ذات تأثير عالمي ضخم على المستويات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية، ألمانيا هي الأخرى تعتبر مركز قوة الاقتصاد الأوروبي، حيث لعبت دورا متزايدا على الصعيد العالمي منذ إعادة توحيدها عام 1990. كما يبلغ إجمالي الناتج المحلي في فرنسا بالنسبة للفرد نحو 42384 دولارا وهو ما يجعلها تمتلك واحداً من أكبر الأنظمة الاقتصادية بأوروبا، كما أنها واحدة من كبرى الدول المصدرة للسلاح في العالم، لتأتي اليابان في مقدمة دول العالم المتطورة تكنولوجياً، كما أنها تعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وذلك بعدما تعافت من التسونامي الذي تعرضت له عام 2011 والذي دمر بنيتها التحتية وصناعتها. لو تمعّنا بشكل دقيق في معطيات التقرير، نجد أن الدول التي يصفها التقرير ب " القويّة " هي دول تدخل في خانة حكّمها من رجال المال والعائلات الأرستقراطية ورجال الاقتصاد استطاعوا بسبب نفوذهم وخبرتهم الاقتصادية التربّع على عرش الحكم وتجسيد سياسات تخدم مصالحها الشخصية قبل كل شيء وتزيد في بسط نفوذها السياسي عن طريق المال، ليصبح بذلك معيار المال هو المعيار الأكبر للوصول للحكم في عالم تناسى فيه الفاعلون شخصيات صنعت في زمن ليس ببعيد تاريخ وغيّرت بقراراتها السياسية القويّة من خارطة العالم الجيوسياسية. يقول "نعوم تشومسكي" أن الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة. مصطلحات سياسية لها معنيان، أحدهما المعجمي المتعارف عليه، والثانية المعنى الذي يخدم إيديولوجية الأقوى. الديموقراطية مثلاً معناها اشتراك الشعب في إدارة شؤونه، لكنها تعني في إيديولوجية الأقوى نظاماً تتخذ فيه صفوة رجال الأعمال القرارات، ويشاهد عامة الناس ذلك بدلاً من أن يشاركوا فيه. «لدينا مؤسسات كبرى تبيع المشاهدين لأصحاب الأعمال، إذن لا عجب أن نجد صورة العالم التي تقدمها وسائل الإعلام انعكاساً ضيقاً ومنحازاً لمصالح البائعين والمشترين وقيمهم». إذن من الذي يخطط السياسة الأميركية وعبر العالم ويديرها في شؤونها كافة؟ إنهم حفنة قليلة جداً من محترفي السياسة وكبار رجال المال والإعلام، تهمهم في الدرجة الأولى مصالحهم، ثم تأتي مصالح الشعب إذن، هذا هو "العم سام" الذي يحكم أمريكا والعالم ويقودهما، إنه الثالوث المقدس من رجال الحكم والمال والإعلام، يعملون بحسب المنهج الأميركي الخاص، وعصب الحياة فيه هو « القوة والمال».