لا يمكن لأي إنسان أن يستغني عن النصيحة في جميع مواقعه ومواقفه، فيحتاج إليها الحاكم في سياسته وإدارة شؤون أمته، ويحتاج إليها رب الأسرة في إدارة أسرته، ويحتاج إليها المعلم والمربي في تعليمه وتربيته، ويحتاج إليها الداعية في تبليغ دعوته. تعريف النصيحة لغة: لها عدة معان، منها تخليص الشيء من شوائبه، فيقال نصح العسل إذا صفاه من شمعه، و أيضا سد الخلل، ونصح الرجل ثوبه إذا خاطه وسد خلله ، أما اصطلاحا: فهو الإرشاد بالطريقة المناسبة إلى تخلي الإنسان عن عيوبه وانحرافه. ضرورة النصيحة: يحتاج الفرد في كل زمان ومكان إلى نصيحة أخيه، وقد دلت أحاديث كثيرة على التزام النصح إسداء وقبولا، منها: ، فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رَضي الله عنه قال: قال رسول صَلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم]. وهناك النصيحة لله تعالى: بالإيمان به وحده لا شريك له، ووصفه بصفات الكمال والجمال والجلال، وتنزيهه عن كل نقص، والاعتراف بنعمه وشكره. وهناك النصيحة لكتابه: بالإيمان بأنه كلام الله وتعظيمه وقراءته وتدبره.، وأيضا النصيحة لرسوله: بتصديقه على الرسالة واحترامه ونصرته حيا وميتا.، و النصيحة لأئمة المسلمين بمساعدتهم على الحق وتذكيرهم بواجباتهم.، و النصيحة لعامة المسلمين: بإسداء النصح لهم. عن جرير بن عبد الله رَضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) [رواه البخاري]. الرسول صَلى الله عليه وسلم الناصح إن الرسول صَلى الله عليه وسلم يبين الأحكام ويعلم ويحكم بمقتضى شرع الله ويقوم بدور الناصح الأمين. 1. النهي عن تدخل الشخص فيما لا يعنيه: فعن أبي هريرة رَضي الله عنه أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [رواه الترمذي]. 2. النهي عن الغضب: عن أبي هريرة رَضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صَلى الله عليه وسلم أوصني، قال: (لا تغضب! لا تغضب! لا تغضب!)[رواه البخاري]. 3. عن ابن عباس رَضي الله عنه قال: قال صَلى الله عليه وسلم: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) [رواه الترمذي]. أسباب رفض النصيحة 1. عدم احترام الناصح لآداب النصيحة فيجرح في القول أو يقدم النصح أمام الناس. 2. الغرور والتكبر، إذ يرى المتكبر نفسه أرفع من أن يُنصح. 3. العزة بالإثم ﴿وَإِذَاقِيلَلَهُاتَّقِاللّهَأَخَذَتْهُالْعِزَّةُ بِالإِثْمِفَحَسْبُهُجَهَنَّمُوَلَبِئْسَالْمِهَادُ(206)﴾ [سورة البقرة]. آثار ترك النصيحة 1. دوام الخطأ والانحراف. 2. استحقاق الإثم والعذاب: فقد أصاب العذاب أقواما في الدنيا قبل الآخرة بسبب رفضهم لنصائح أنبيائهم كما حكى القرآن عن قوم صالح، ﴿فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(79)﴾ [سورةالأعراف]. 3. ضعف مستوى العطاء في جميع المستويات. آداب إسداء النصيحة حتى تكون النصيحة فاعلة ومؤثرة لابد من تحقق شروط منها: ابتغاء وجه الله تعالى من وراء النصيحة. والتحقق من وجود الخطأ والانحراف، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)﴾[سورة الحجرات]. و أيضا إبراز محاسن المنصوح قبل إظهار عيوبه ﴿وَلَاتَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ...(183)﴾ [سورة الشعراء].، و اختيار الظروف والأحوال المناسبة.، إضافة إلى اختيار حسن الألفاظ والابتعاد عن القول الجارح ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)﴾[سورة طه].. والتزام الرفق وتجنب العنف في القول والعمل، قال الرسول صَلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) [رواه مسلم]. وغيرها من الشروط مثل مراعاة السرية في النصيحة حتى لا تكون فضيحة، و مراعاة التناسب بين الناصح والمنصوح سنا ومقاما، ابتغاء الخير للمنصوح و تحمل أذى المنصوح.