عرفت الجزائر المستقلة منذ 1963 , أربعة دساتير و ست تعديلات , و إن كانت الدساتير و تعديلاتها المتعاقبة على مدى 57 عاما الماضية , هي عبارة عن صيغ معدلة عن الدستور الأصلي الصادر في سنة 1963 كأول دستور للجزائر المستقلة وضع بعد عام واحد من استرجاع السيادة الوطني , وكرس نظام الحكم الرئاسي وحكم الحزب الواحد وهو حزب جبهة التحرير الوطني و كان ذلك في عهد الرئيس الراحل أحمد بن بلة 1963 1965, و شغلت السلطة التنفيذية المتعلقة برئاسة الجمهورية و مهامها و شروط و مدة تقلدها حيزا امتد على مدى 21 مادة من هذه الوثيقة الأساسية لنظام الحكم في البلاد.. و في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين صدر الدستور الثاني سنة 1976 , المنبثق عن الميثاق الوطني باعتباره مصدرا سياسيا إيديولوجيا للدولة الجزائرية و يكرس النهج الاشتراكي كنظام اقتصادي للبلاد و استعمل تسمية الوظيفة للسلطات السياسية و التنفيذية و التشريعية , و رفع مدة العهدة الرئاسية إلى ست سنوات , سرعان ما أعادتها الدساتير الموالية إلى مدتها الأصلية المتمثلة في خمس سنوات , و رغم التوسع الكبير الذي عرفته مهام رئيس الجمهورية بموجب هذا الدستور غير أنها صيغت في 22 مادة فقط . ثم جاء دستور 1989 في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد الذي أسس للانفتاح السياسي والإعلامي وحرية التجارة والصناعة في الجزائر بعد أحداث أكتوبر 1988 التي أنهت حكم الحزب الواحد و احتفظ رئيس الجمهورية بنفس المهام والصلاحيات المخولة له في سابق الدساتير عبر 25 مادة . أما الدستور الصادر في عهد االرئيس اليامين زروال في 1996 فقد تم بموجبه استحداث مجلس الأمة و منع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي و جهوي ، وعدم تجديد العهدة الرئاسية أكثر من مرة وخص السلطة التنفيذية ب28 مادة استعرضت المهام المخولة عادة لرئيس الجمهورية . أما سلسلة التعديلات الدستورية فبدأت في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد ,و كان التعديل الأول عن طريق المجلس الشعبي الوطني في جويلية 1979، و شمل 14 مادة تختص برئيس الجمهورية وصلاحياته و تلاه التعديل الثاني بنفس الآلية (البرلمان ) في 12 جانفيي 1980و احتوى على مادتين تم بمقتضاهما استحداث مجلس للمحاسبة المالية يختص برقابة التسيير المالي لمصالح الدولة والهيئات الحكومية . أما التعديل الثالث في عهد نفس الرئيس فكان عن طريق الاستفتاء الشعبي في 3 نوفمبر 1988، وخص استحداث منصب رئيس الحكومة وصلاحياته.. ثم جاء التعديل الرابع في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و جرى عن طريق البرلمان في 2001 يرسم الأمازيغية كلغة وطنية .أعقبه تعديل خامس سنة 2008 بنفس الآلية –البرلمان- و تم خلاله فتح العهدات الرئاسية و استبدل منصب رئيس الحكومة بمنصب الوزير الأول لإتاحة المجال لرئيس الجمهورية لتفويض بعض صلاحياته للوزير الأول. وفي 2011 باشر رئيس الجمهورية سلسلة من الإصلاحات السياسية , أفضت إلى مشاورات سياسية مفتوحة للشركاء السياسيين و موسعة على الشخصيات و يبقى التوازن بين مختلف السلطات هدف كل الإصلاحات الوطنية والكفاءات، وكذلك الجمعيات الوطنية والنقابات والمهنيين, حول مشروع لتعديل الدستور السادس من نوعه ,و الأوسع من حيث حجم التعديلات و توزعها على معظم أبواب الدستور من الديباجة إلى الأحكام الانتقالية , وهي تعديلات اقترحها الشركاء بنسبة 80 في المائة منها, وهو ما انبثق عنه التعديل الدستوري الأخير في مارس 2016 الذي حصن الوحدة و الهوية الوطنية , ,و وضع في خدمتهما نظاما ديمقراطيا جمهوريا بكامل أركانه ومؤسساته, واقترح العديد من الإجراءات لتعزيزه , ومنها ضمان التداول على السلطة من خلال تحديد العهدات الرئاسية في عهدتين , وجعل هذا التحديد غير قابل للتعديل مستقبلا , وإضافة 3 مواد تعزز الحريات الديمقراطية , كحرية التعبير و الاجتماع و حرية التظاهر السلمي للمواطنين و ضمان حرية الصحافة بمختلف وسائلها مع دسترة منع حبس الصحفي بسبب جنح صحفية , فضلا عن حرية الوصول إلى المعطيات و المعلومات و حرية تداولها ضمن الضوابط المعمول بها عالميا , علما أن بعض هذه الإجراءات قد وردت في قوانين , وقوانين عضوية , غير أن دسترتها يمنحها بعدا أعمق من حيث الفعالية و التنفيذ . كما ضمن هذا التعديل الدستور حقوق المعارضة بدون أي تمييز بين الأحزاب السياسية المعتمدة , ومنها الحق في التعبير و الاجتماع , و الحق في الاستفادة من وقت عبر وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تواجدها عبر الوطن , و الحق في مساعدة الدولة بحسب نسبة تمثيلها في البرلمان , و كذا الحق في مناقشة غرفتي البرلمان جدول أعمال مقترح من طرف المعارضة , كما أسس التعديل الدستوري حقا للمعارضة لإخطار المجلس الدستوري حول القوانين المصادق عليها من طرف البرلمان. البرلمان الذي عانى من تراجع مصداقيته , حرص التعديل الدستوري , على تقوية سلطته , و دوره في الرقابة على الحكومة , حيث أصبحت الأغلبية البرلمانية تستشار من طرف رئيس الجمهورية في تعيين الوزير الأول . كما تم تقليص حالات التشريع بأوامر رئاسية , و حصرها في فترة العطل البرلمانية و في الحالات الاستعجالية . و أضحى للبرلمان في ظل التعديل الجديد كامل الحرية في مناقشة خطة عمل الحكومة بكل استقلالية, وفرض التعديل إجبارية تقديم بيان السياسة العامة للبرلمان من طرف الوزير الأول سنويا . بالإضافة إلى لجان تقصي الحقائق فإن البرلمان سيكون بوسعه وضع لجان إعلامية , كما إن الموافقة المسبقة للبرلمان تصبح إجبارية قبل تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقات الاقتصادية كالمتعلقة بالدخول إلى مناطق التبادل الحر، وكذلك التجمعات الاقتصادية كيانات الاندماج الاقتصادي يتسلم البرلمان سنويا تقرير مجلس المحاسبة . و لأن مصداقية المجالس المنتخبة رهينة مصداقية الانتخابات , فقد تمت دسترة العديد من الإجراءات لدعم الترسانة القانونية الخاصة بتسيير الانتخابات , ومن ذالك «إلزام الدستور السلطات العمومية بتنظيم الانتخابات في كنف الشفافية والنزاهة ,إلزام الدستور السلطات العمومية بوضع القائمة الانتخابية في متناول المترشحين , ووضع هيئة عليا لمراقبة الانتخابات. هذه الهيئة الدائمة تكون مرؤوسة من قبل شخصية مستقلة وتتكون من قضاة وكفاءات مستقلة تختار من قبل المجتمع المدني، وتكون لها مهمة السهر على شفافية الانتخابات منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان للنتائج المؤقتة لذلك, من واجب المجلس الدستوري دراسة محتوى الطعون التي يتسلمها حول النتائج المؤقتة للإنتخابات التشريعية والرئاسية من حيث المضمون». وهكذا فقد حاول التعديل الأخير للدستور, سد معظم الثغرات التي أحدثتها التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الإعلامية داخل الوطن وخارجه , في الوثائق الدستورية السابقة. وكما تولت الدساتير تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية و ما طرأ عليها من تعديلات بحسب تطورات الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد , فإن المنظومة القانونية هي الأخرى سايرت هذه التطورات , بقوانين تنظيمية وعضوية لتوفير الظروف المواتية لإجراء الاستحقاقات الرئاسية بما يضمن لجميع الناخبين ممارسة حقهم الدستوري كاملا و اختيار مرشحهم الذي يرونه أهلا لقيادة البلاد بكل حرية, و من ذلك إنشاء هيئة عليا لمراقبة الانتخابات التي ستشرف لأول مرة يوم 18 افريل المقبل على سادس انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر المستقلة , و هكذا تتكامل الأحكام الدستورية و القوانين العضوية في تنظيم و تأطير الحياة السياسية التي تبقى في حاجة إلى تنظيمات حزبية أقوى و أوسع انتشارا لتنشيطها بما ينفع البلاد والعباد .