وجه رئيس الجمهورية, عبد العزيز بوتفليقة, رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر الموافق ل 19 مارس, فيما يلي نصها الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, نحتفي اليوم بعيد النصر, عيد أطلق عليه شعبنا تسمية هو حقيق بها إذ كان يوم 19 مارس 1962 يوم انتصارنا, حسا ومعنى, على الاستعمار حين أذعن واعترف بحقنا الشرعي في الاستقلال و السيادة. لقد كان هذا الانتصار تتويجا لمقاومة مريرة, مقاومة دامت أزيد من قرن بين طغيان المحتل المدجج بقدرات عسكرية عالمية, و شعب أعزل ولكن متسلح بإرادة فولاذية, و بإيمانه بالنصر. لقد أخفق المستعمر, رغم وحشيته, في إبادة شعبنا من فوق أرضه في القرن التاسع عشر, كما أخفق, و لله الحمد, في طمس هويتنا وتغييبها في بلادنا رغم كل ما جنده و جلبه من أجناس مختلفة للاستيطان في الجزائر, و ما سلطه من قمع و تجويع و تجهيل على أبناء الجزائر. أجل, لقد فشلت الوحشية الاستعمارية في كسر تصميمنا على انتزاع الحرية و إن كلف ذلك شعبنا الأبي مجازر مثل مجزرة يوم النصر العالمي على النازية, يوم 08 مايو 1945 التي خلفت عشرات, إن لم نقل, مئات الآلاف من الشهداء و الضحايا من رجال ونساء وأطفال. خلافا لما حلم به المستعمر, أصبحت مجازر 1945 وقودا قويا للهيب الذي اشتعل يوم أول نوفمبر 1954 في خضم ثورة زعزعت ضمائر العالم, وكلفت الشعب الجزائري تضحيات جساما, ثم توجت بالنصر والحرية و الاستقلال. ففي هذه الذكرى, أترحم بخشوع و إجلال على أرواح شهدائنا الأمجاد, كما أتوجه بتحية أخوية حارة إلى من بقي على قيد الحياة من رفقائي المجاهدين والمجاهدات داعيا بالجنة و المغفرة لمن رحلوا إلى جوار ربهم منذ الاستقلال إلى اليوم. أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, إن المناسبات التذكارية مثل التي تجمعنا اليوم هي فرص للتمعن في المسيرة التي قطعناها و التطلع نحو المستقبل الذي يليق بالجزائر. على ذكر المسيرة هذه, أكتفي بالاعتزاز بكل ما أنجزته الجزائر المستقلة, بفضل عزم شعبها الأبي, من بناء و تشييد و ما أبدته من قدرة على التغلب على المحن والمآسي و ترجيح الجنوح إلى التآخي والوئام والمصالحة من أجل الجزائر. إن بلادنا مقبلة على تغيير نظام حكمها و تجديد منهجها السياسي و الاقتصادي والاجتماعي على يد الندوة الوطنية الجامعة التي ستعقد في القريب العاجل بمشاركة جميع أطياف الشعب الجزائري. إن مهمة هذه الندوة مهمة حساسة لأنها هي التي ستتخذ القرارات الحاسمة الكفيلة بإحداث القفزة النوعية التي يطالب بها شعبنا و خاصة أجيالنا الشابة, القفزة التي ستتجسد من خلال تعديل دستوري شامل وعميق سيبت فيه الشعب عن طريق الاستفتاء, تعديلا يكون منطلقا لمسار انتخابي جديد مبتداه الانتخاب الرئاسي الذي سيأتي البلاد برئيسها الجديد. أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, سيخول للندوة الوطنية الجامعة أن تتداول, بكل حرية, حول المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد, مستقبل مثقل بالتحديات في هذا المجال, مستقبل في حاجة حقا إلى إجماع وطني حول الأهداف والحلول لبلوغ تنمية اقتصادية قوية و تنافسية, تنمية تضمن الاستمرار في نمطنا الاجتماعي المبني على العدالة والتضامن. إن هذا النهج سيسهم, لا محالة, في تحرر الجزائر من التبعية للمحروقات, و من تذبذب السوق العالمية لهذه الثروة. كما أن تعزيز بلادنا اقتصاديا و اجتماعيا سيجعلها تقوى أكثر فأكثر على الحفاظ على سلامة ترابها وأمنها في محيط مباشر ملتهب, و في عالم مثقل بمخاطر الأزمات المتعددة الأشكال. صحيح أن للجزائر جيشا وطنيا شعبيا سليل جيش التحرير الوطني, جيشا يتميز بالإحترافية العالية, وبروح التضحيات المثالية, إلا أن أمن البلاد واستقرارها في حاجة كذلك إلى شعب يرقى إلى مستوى تطلعاته الإقتصادية و الاجتماعية والثقافية, ويحرص على استجماع ما يسند به و يعزز ما يبذله جيشنا حاليا في سبيل حماية الجزائر من المخاطر الخارجية, لكي يتمتع هو بالعيش في كنف الاستقرار والسكينة. ذلكم هو المستقبل الذي يكون, بعون الله, أفضل عرفان تقدمه بلادنا لشهدائها الأمجاد ولمجاهديها الأشاوس. تلكم هي كذلك الغاية التي عاهدتكم أن أكرس لها آخر ما أختم به مساري الرئاسي, إلى جانبكم و في خدمتكم, لكي تشهد الجزائر عما قريب نقلة سلسة في تنظيمها, وتسليم زمام قيادتها إلى جيل جديد لكي تستمر مسيرتنا الوطنية نحو المزيد من التقدم و الرقي في ظل السيادة والحرية. عاشت الجزائر, المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. والسلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته».