إن المتأمل في فلسفة الصيام وغايته، يجد أن عملية الصيام لا تعدو كونها عملية تربوية، تتم فيها تربية النفس وتهذيبها، والارتقاء بها عن الولوغ والإغراق في إشباع الغرائز والرغبات، فيصبح الإنسان قادرًا على تجنُّب أي أمر يتبيَّن له ضرره أو أذاه، لذلك كان صيام رمضان أفضل وسيلة للتخلص من العادات السيئة المتعلقة بالتغذية، أو غير المتعلقة بالتغذية - مثل: الإدمان على شرب الشاي والقهوة، والمشروبات الغازية، والتدخين، والتناول المتكرر والمستمر للأطعمة طول اليوم، كما يحدث عند بعض الناس، ولعل هذا الجانب من أهم العوامل التي تساعد المرضى المصابين بالسمنة على التخفيف من حِدة هذه المشكلة؛ حيث يشكو كثيرٌ من المصابين بهذا الداء عدمَ المقدرة على مقاومة الطعام، وضَعف التحمل وضبط النفس عند وجوده، فيكون الصيام بذلك دافعًا لهم على مقاومة النفس ودَفْع هواها تجاه شهوة الطعام. التأثيرات النفسية للصيام: يترتب على الصيام العديد من التأثيرات النفسية؛ منها: ♦ الثبات النفسي: يُنمي الصوم الثبات النفسي للإنسان، ويُدربه على الصبر؛ لأن الصبر على الشدائد قوة معنوية من أقوى الأسلحة التي تتسلح بها الأمم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رمضان شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة ♦ تدريب وتأهيل الإنسان على الإشباع: يساعد الصيام على تدريب وتأهيل الإنسان على الإشباع، فالصيام هو امتناع عن إشباع بعض رغبات النفس، وبعض حاجات الجسم في وقت معين، وفي هذا تدريب للنفس على ما يذكره علماء النفس (تأهيل الإشباع)، فالصيام بذلك يعد دورة تدريبية فعالة وحيوية، تتكرر كل سنة، يستخلص منها الإنسان كل فوائد الصبر، بما يدفعه نحو المزيد من نُضج وتكامل الشخصية. ♦ تهذيب للنفس: يساعد الصيام على تهذيب للنفس وصَقْلها، وتربيتها على الإخلاص في كل شيء، وإحياء الضمير والحفاظ على يَقظتِه. ♦ عامل مهدئ فعَّال للإنسان: يعمل الصيام عاملاً مهدئًا فعالاً للإنسان، وهو بمجمل تأثيراته ينفع في الوقاية من علاج حالات التوتر النفسي والجسدي، وحالات الأرَق واضطرابات النوم المختلفة، وحالات التعب والإرهاق، وحالات القلق والاكتئاب. ♦ الاسترخاء: يعوِّد الصيام الجسمَ على الاسترخاء، وتقوية الإرادة، وزيادة الاستقرار النفسي والعاطفي. ♦ تدريب إيجابي ومتوازن للفرد: يُعد الصيام تدريبًا إيجابيًّا ومتوازنًا ومقنعًا للفرد والمؤمن؛ إذ إن للصائم حاجات ورغبات، وهي الحاجات والرغبات الدينية، كون المسلم يطمح في إرضاء ربه في أداء واجب الصوم الذي فرضه عليه، ويتضمن هذا الواجب الامتناع عن الطعام والشراب من ناحية، وضبط النفس عن إيذاء الآخرين من مختلف الجوانب المادية والمعنوية من ناحية أخرى، والحاجات والرغبات الاجتماعية.
♦ التحكم في السلوك وتقوية الإرادة والعزيمة: يساعد الصيام على التحكم في السلوك، وتقوية الإرادة والعزيمة، فالصيام يعد تدريبًا على قوة الإرادة والصبر، فالامتناع عن الطعام والشراب في فترة معينة تساعد الفرد على الصبر وقوة الإرادة فيما بعد، فالصوم إذًا هو درس مؤثر في الأفراد لتعلُّم الصبر وقوة الإرادة على التحمل. ♦ الشعور بالمسؤولية: يساعد الصيام على الشعور بالمسؤولية ومعرفة قيمة الآخرين. ♦ تقوية الحس الداخلي وتنمية الضمير: يساعد الصيام على تقوية الحس الداخلي وتنمية الضمير. ♦ ضبط الشهوات ومجاهدة النفس: يساعد الصيام على ضبط الشهوات ومجاهدة النفس في كافة الاتجاهات، فالصيام مدرسة لتعليم الصبر والنظام في الحياة، والتعود على استرخاء البدن، وتقوية الإرادة، وزيادة الاستقرار النفسي والعاطفي. ♦ الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية الكاملة: يساعد الصيام على الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية الكاملة؛ وذلك لأنه تقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، وأداء فريضة من فرائض الإسلام؛ مما يشعره بأن الله قد رضِي عنه، وأنه سيقبل دعائه إن شاء الله تعالى. ♦ مواجهة الحالات النفسية المؤلمة: يساعد الصيام على تنمية القدرة على مواجهة الحالات النفسية المؤلمة. وفي ضوء ما سبق، يمكن القول بأن الصوم هو مدرسة إيمانية عملية، تُزكِّي النفس وتمدها بطاقة نفسية كبيرة، تقوِّي صلة الصائم بربه، وتُصفي رُوحه بشكل يجعله طيِّعًا للخير، مبتعدًا عن الشر؛ ذلك أن الإنسان عندما ينوي الصوم، يعرف أنه يُقبل على الله بهذه الطاعة التي هي سر خفي بينه وبين مولاه، فيظل نهاره خاشعًا موصول القلب بالله سبحانه وتعالى، ويُقبل بنفس واعية على تلمُّس أسباب الخير المفضية إلى رضاه وثوابه الجزيل سبحانه.