احتفل الجزائريون، أمس، بالذكرى الثانية للحراك الشعبي «المبارك» الذي صنع الإستثناء منذ غرّة الجمعة 22 فبراير 2019، وتعزّز حصيلة الحراك تلاحم الشعب والجيش في مسار نضالي متميّز أبهر العالم عبر عشرات الأسابيع من التظاهر الحضاري تحت حماية الجيش الوطني الشعبي. حفل ال 24 شهرًا من عمر الحراك، بترسيخ عرى الأخوة بين الشعب والجيش، على نحو مكّن من تحقيق انتصار باهر حققه الجزائريون ضدّ مخططات التقسيم الممنهج التي اتخذت من منصات التواصل الاجتماعي ملاذًا لها، ووجدت سندًا في عواصم أجنبية تحركت بشكل علني من مبنى البرلمان الأوروبي، غير أنها اصطدمت بهبة شعبية ورسمية منقطعة النظير تمكنت من إفشالها. وسمح الحراك وتلاحم الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية، بإعادة البلاد إلى سكتها الصحيحة، وإنقاذ الدولة الوطنية من خلال حزمة مخرجات إيجابية عبّدت الطريق لإنتاج دستور جديد استجاب لمطالب الحراك، وأثمر تعميق مسار إصلاح العدالة، فضلاً عن انفتاح أكبر على شريحتي الشباب والنساء، وتوطيد دعامات حقوق الإنسان في مكاسب للشعب وللجزائر بما يعزّز الحريات والنضال السلمي في البلاد. بعدما وقّع على مرسوم يجعل من 22 فبراير «يومًا وطنيًا» تحت تسمية «اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية»، حرص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على التأكيد مرارًا أنّ الحراك الشعبي «ظاهرة صحية»، وجدّد التحذير من «محاولات اختراقه من الداخل والخارج». وشدّد الرئيس تبون في إحدى تصريحاته: «الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي»، مشيرًا إلى أنّ «الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيًا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحلّ مشاكلها». وكان الجيش الوطني الشعبي سندًا قويًا وسدًّا منيعًا ضد كل الاختراقات، بالتزامن مع مطالبة المتظاهرين السلميين بتكريس الإرادة الشعبية وإرساء أسس الديمقراطية ودولة القانون ومحاربة الفساد في مسيرات راقية صنفتها بعض وسائل الإعلام العالمية على أنها «الأضخم» في العالم على مدار العقدين الماضيين. وكانت إحدى أعظم مخرجات الحراك الشعبي هي ذلك الشعار الذي حدد خطوط الدفاع الداخلية والخارجية لكل من تسوّل له نفسه التلاعب بمصير الدولة والمجتمع لما هتف الجزائريون بصوت واحد وبقلب ولسان رجل واحد (الجيش، الشعب خاوة – خاوة ). وعن هذا المنتج، يقول العقيد المتقاعد محمد العربي شريف: «إنّ الحراك وحّد بين كل الجزائريين»، منوّهًا إلى أنّ: «مؤسسة الجيش الوطني الشعبي تعهدت بمرافقة الحراك وهو ما كان»، وأشاد بالتزام مؤسسة الجيش الوطني الشعبي ألا تراق قطرة دم واحدة بالرغم من كل محاولات الاختراق. ويتابع: «نجح الحراك السلمي دون إراقة دماء ودون أي تجاوزات وذلك بفضل المؤسسة العسكرية التي استطاعت أن تعطي للشعب فرصة من اجل إحداث تغيير سلمي بعيدا عن أي فوضى أو أي تدخل أجنبي». ولا يزال الجزائريون يصنعون الاستثناء بحراك متفاعل مع التطورات السياسية للبلاد وحتى الإقليمية والدولية، بدليل الشعارات العفوية التي ندّدت بصفقة القرن وساندت القضية الفلسطينية، كما تميّز الحراك بتكييف مطالبه التي ظلّ يصدح بها عبر أسبوعيا على امتداد 53 جمعة دون أي وسيط أو منطلق تفاوضي، للتعبير بكل حرية ومسؤولية عن رأيه، مع رفض محاولات التزعم والتوجيه. إعادة الاعتبار تمكّن الحراك في أقل من عام من تغيير نظام الحكم بطريقة سلمية من خلال إصراره على تطبيق المواد 7، 8 و102 من الدستور بمرافقة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي وعلى رأسها الفريق الراحل أحمد قايد صالح. وتجسّد هذا المطلب من خلال النجاح في تنظيم أول انتخابات رئاسية تحت إشراف سلطة وطنية مستقلة للانتخابات. مسفرا عن انتخاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد منذ خطاب التنصيب «استعداده التام» لإجراء «حوار جاد» مع ممثلي الحراك الشعبي الذي لطالما وصفه ب «المبارك». تجسيد رهان تعديل الدستور لدى أدائه اليمين رئيساً للبلاد في 19 ديسمبر 2019، تعهّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتعديل دستور 1996، ومَدّ يده إلى «الحراك المبارك» لبلورة خامس دستور على درب الانتقال إلى الجزائر الجديدة، وشكّل الاستفتاء على تعديل الدستور في الفاتح نوفمبر 2020، تجسيدًا لكبرى الأولويات التي سطّرها الرئيس تبون، غداة انتخابه بهدف إرساء أسس «الجزائر الجديدة»، في إطار تجسيد التزاماته أمام الجزائريين وتحقيق أحد المطالب التي عبّروا عنها خلال الحراك الشعبي السلمي في 22 فيفري 2019. وفي كبرى ورشات الإصلاح السياسي الشامل، تضمّن الدستور المزكّى شعبيًا في الفاتح نوفمبر 2020، عدّة دعامات توزّعت على ستة محاور أساسية، أبرزها إقرار مبدأ التصريح (عوض الترخيص) لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر، وكذلك إنشاء الجمعيات وعدم حلها إلا بقرار قضائي، فضلاً عن إسقاط الأحكام التي تعيق بطبيعتها حرية إنشاء الأحزاب السياسية. واستجابة لمناشدات الحراكيين، نصّ الدستور المعدّل على عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين، وتحديد الفترة البرلمانية بعهدتين فقط، مع إمكانية تعيين رئيس الجمهورية نائبا له، مع تعزيز مركز الوزير الأول، ناهيك عن إلغاء حق الرئيس في التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية. وجرت دسترة سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية، وكذلك دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وفضلاً عن دسترة الحراك الشعبي ل 22 فيفري 2019، جرى حظر خطاب الكراهية والتمييز، وإدراج اللغة «الأمازيغية» ضمن الأحكام الصمّاء التي لا تخضع للتعديل الدستوري. وأضحى جليا أنّ «تقنين» الحراك الشعبي خطوة هامة سيتّم استكمالها وفق تأكيد الرئيس تبون الذي أشار في إحدى تصريحاته إلى أنّ: «هناك مطالب للحراك تحققت، وهناك ما يتحقق آنيًا وهناك آفاق سياسية أخرى»، مشدّدًا على أنّ «تجسيد كل المطالب سيتصّل بتعديل جذري لأسس الديمقراطية في الجزائر من خلال بناء ديمقراطية حقة ومحاربة الإقصاء بكل أوجهه ومحاربة الفساد وأخلقة المجتمع». أتى الإعلان عن بدء مسار مراجعة قانون الانتخابات ليكرّس استمرارية نهج التغيير السياسي المعلن عنه من طرف الرئيس تبون، والقائم على «أخلقة الحياة السياسية»، عبر منع المحاصصة في توزيع المقاعد وشراء الذمم والفصل بين المال والسياسة، كشروط لا بد منها لضمان ممارسة انتخابية معبّرة حقًا ودون منازع عن الإرادة الشعبية.وجرى تكليف لجنة خبراء وطنية مؤخرًا بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي لنظام الانتخابات، تطبيقا لتوجيهات الرئيس تبون الذي شدّد على جاهزية الوثيقة في أقرب وقت، ويقع على كاهل اللجنة المذكورة، صياغة مسودة قانون جديد لسير الانتخابات، يحدّد مقاييس انتخابية «شفافة» من شأنها إحداث قطيعة نهائية مع ممارسات سابقة. وجدّد الرئيس تبون التزامه بتحمّل الدولة للراغبين من الشباب مصاريف حملتهم الانتخابية، كي لا يقعوا فرائس للمال الفاسد أو المشبوه، كما أوضح بأنّ المقاييس الجديدة «يجب أن تراعي في حدود الممكن، الجمع بين الكفاءة والتجربة في المترشحين، خاصة في المدن الكبرى»، مع عدم حرمان أي مواطن يتمتع بحقوقه السياسية والمدنية من الترشح لأسباب سياسية، وهذا «ضمانًا لتوفير فرص متكافئة للجميع في الترشح، والرقي الاجتماعي والسياسي». تفعيل إصلاح العدالة شهد قطاع العدالة في العامين الأخيرين جهودًا لتفعيل إصلاح القطاع، عبر تكييف القوانين مع متطلبات المرحلة الجديدة، وعرف القانون المدني وقانون الإجراءات المدنية والإدارية مراجعة لتكييفهما، مع تعزيز العدالة بصلاحيات أوسع، على درب إصلاح شامل على قطاع العدالة بهدف تعزيز استقلالية السلطة القضائية، باعتبارها أهم ركيزة من ركائز دولة الحق والعدل والقانون، في ظلّ ممارسة ديمقراطية يشعر فيها المواطن فعلا بأنّ له رأيا يُؤخذ به، وأنه شريك في صنع القرار السياسي، ومعنيّ بمصير بلاده، مقيم للتوازن بين الحقوق والواجبات.