في وقت شحّ الموارد المالية للدّولة بسبب تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية أضحى تحصيل مستحقات المؤسسات العمومية و الخدماتية المتراكمة لدى الزبائن و المشتركين منذ سنين أولوية الأولويات .و قد ظهرت جليّا هذه الأيام إرادة سياسية قويّة للحكومة من أجل استرجاع المال العام الذي يبقى في قبضة المتهربين من دفع الفواتير و اشتراكات التأمين الاجتماعي و غيرها و الدليل على ذلك هو أن الوزراء على رأس القطاعات الاقتصادية يشنّون حملات للتوعية و التحسيس و جولات ماراتونية عبر تراب الوطن لإجبار مختلف المؤسسات و الإدارات على تحصيل الديون المخلفات المالية المتراكمة عند زبائنهم و كان وزير الموارد المائية عبد الوهاب نوري من الأوائل الذين أثاروا قضية المستحقات التي بلغت مستويات خيالية أثقلت خزينة الجزائرية للمياه بعد أن بلغت مستحقاتها لدى المشتركين عبر الوطن حوالي 4 آلاف مليار سنتيم و أصبح هذا المشكل العويص لا يهدد الاستقرار المالي للجزائرية للمياه بل لكافة المؤسسات العمومية و الخدماتية التي تراكمت أموالها لدى زبائنها منذ عدّة سنوات ،و قد عرض هذا الملف على الوزارة الأولى من أجل فتحه و تسويته فتمت مراسلة كل المؤسسات المعنية لاتخاد الاجراءات القانونية لتحصيل المال العام الذي يعدّ بآلاف الملايير. أوبيجي 75 مليار مخلفات إيجار فليست المؤسسات العمومية الأخرى أفضل حالا من الجزائرية للمياه فشركة سونلغاز التي تحتكر سوق الكهرباء و الغاز ببلادنا تعجز عن استرجاع أموالها بالرّغم من إجراءات التشديد على الزبائن لإجبارهم على تسديد الديون كقطع التموين بالطاقة أو اللّجوء إلى العدالة أما شركة اتّصالات الجزائر فديونها تجاوزت 150 مليار دج وطنيا حسب آخر حصيلة الأمر الذي جعل وزيرة القطاع تثير ملف المستحقات و تشدّد هي الأخرى على المسؤولين بتحصيل أقصى قدر ممكن منها و قد حاولنا الاتّصال مرارا بالمؤسسة على مستوى ولاية وهران لمعرفة حجم مستحقاتها و الإجراءات المتخذة مع المشتركين في عملية التحصيل لكن تعذّر الأمر
و بذات الولاية يعاني المسؤولون على رأس ديوان الترقية و التسيير العقاري الأمرين منذ سنوات طويلة لاسترجاع أموال كراء الشقق و المحلات .فرغم أن المبالغ التي حدّدتها الدولة لقاطني المساكن الاجتماعية زهيدة إلاّ أن الكثير من المستأجرين يرفضون تسديد ما عليهم و ذلك بمختلف الأحياء السكنية و منهم من لم يدفع الإيجار منذ استلامه المفاتيح . و حصب آخر حصيلة لديوان الترقية و التسيير العقاري بولاية وهران فإن مؤخرات الإيجار بلغت 75 مليار سنتيم و قد حوّلت مصلحة المنازعات أزيد من 1200 ملف على العدالة . صعوبات في تحصيل أموال بلدية وهران و حتى البلديات لم تسلم من هذه الظاهرة و أحسن مثال على ذلك بلدية وهران التي لم يقدر منتخبوها على تحصيل مستحقات إيجار المحلات و الأسواق و الحظائر و المباني و المقرات التي يستفيد منها غرباء و تجار و متعاملون اقتصاديون دون أن يدفعوا دينارا واحدا ممّا أثّر على التوازنات المالية لأكبر بلدية بالوطن.و حسب بعض التقديرات فقد بلغت خسائر هذه البلدية 100 مليار سنتيم خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب الاستغلال غير المرخص ل 172 حظيرة للمركبات و عزوف ناقلي السّلع و البضائع عن دفع المستحقات الجبائية ،و كذلك اللافتات الإشهارية المثبتة بالشوارع تستغل في كثير من الأحيان بدون مقابل حيث تخسر بلدية وهران قرابة 100 مليون سنتيم يوميا أما صناديق التأمين الاجتماعي "كناس" و "كازنوس" فتواجه مشكل عزوف أرباب العمل عن تأمين عمالهم حيث كشفت وزارة العمل و الضمان الاجتماعي أن حوالي 15 بالمائة من العمال بمختلف القطاعات ليسوا مصرّحين لدى التأمين الإجتماعي و تبلغ قيمة الاشتراكات التي يمكن تحصيلها سنويا من هذه الفئة 200 مليار سنتيم و في آخر خرجة لوزير الفلاحة و التمية الريفية و الصيد البحري سيد أحمد فروخي بوهران أعلن أن 97 بالمائة من الفلاحين و المربين غير مؤمنين أي ما يعادل 2.5 مليون فلاح ،و قد تأسّف الوزير للنسبة الضئيلة للفلاحين المؤمنين الذين لا يتجاوز عددهم وطنيا 36 ألف مهني أي ما يعادل 3 بالمائة فقط من مجموع العاملين في قطاع عزوف عن تأمين العمال و الممتلكات و هذا الوضع ينطبق أيضا على قطاع التجارة حيث أن 80 بالمائة من تجار الخضر و الفواكه بولاية وهران مثلا يمارسون نشاطهم بدون تغطية اجتماعية و لا يدفعون الضرائب و لا مستحقات استغلال الفضاءات زد على ذلك العاملين بقطاع النقل الحضري و شبه الحضري حيث نجد عدد ضئيل من المستخدمين مصرّح بهم . و الأمر سيان بالنسبة لقطاع البناء حيث يعمل الآلاف من البنائين و العمال اليوميين بدون تغطية اجتماعية و كثيرون منهم يصابون بجروح خطيرة أو يفقدون حياتهم داخل الورشات التي تنعدم فيها شروط الوقاية و الأمن و تشير بعض الأرقام بولاية وهران مثلا أن عدد الحملين لبطاقة الفلاح يفوق 10 آلاف في حين أن عدد المؤمنين بقطاعي الفلاحة و الصيد البحري لا يمثل سوى أقل من 10 بالمائة أي ما يعادل 950 مؤمن و بقطاع التجارة بلغ عدد التجار المؤمنين بذات الولاية حوالي 8 آلاف بما فيهم أرباب المؤسسات و تجار التجزئة و الجملة بكل الأسواق في حين تحصي المصالح المعنية و منها المركز الوطني للسجل التجاري أزيد 22 ألف تاجر مسجل في الولاية .
العدالة آخر إجراء تلجأ إليه المؤسسات كما تواجه شركات التأمين العمومية صعوبة كبيرة في إقناع المواطنين و المتعاملين الاقتصاديين و ملاك العقارات على تأمين ممتلكاتهم ضد الكوارث الطبيعية cat- nat بالرغم من أن القانون الجزائري يلزم الجميع بتأمين العقارات. وحسب اخر التقديرات فأن نسبة التامين ضد الكوارث الطبيعية لا تتجاوز 5 بالمائة خلال السنوات الأخيرة. و قد هذا النوع من التأمين إلزاميا منذ سنة 2003 عقب زلزال بومرداس الذي كبّد الآلاف من السكان خسائر فادحة و هو يخص أربع أنواع من الأخطار الطبيعية و هي الزلازل و الفيضانات و انجراف التربة و العواصف و يتعرض المخالف لهذا القانون إلى عقوبات و غرامات مالية
و حسب الخبراء فإن من أهم أسباب عزوف المواطن الجزائري عن تسديد ما عليه من ديون لصالح الدّولة هو انتشار الأفكار الرجعية الهدامة و غير المسؤولة في المجتمع فكثيرون ينطلقون من مبدأ "رزق البايلك" أي أن المال مال عام و للجميع حق فيه و من حق أي مواطن جزائري أن يستغل ثروات بلاده مجانا و دون أن يدفع دينارا واحدا للمؤسسات التي تقدم الخدمات ،و ما يحدث بالترامواي مثال مصغّر لما يحدث بكل القطاعات الأخرى فنجد بأن نسبة كبيرة من الركاب يرفضون شراء تذكرة أو أن يصادقوا عليها لأن المال مال عام و منهم من يعتقد بان التهرب عن دفع مستحقات كراء أو كهرباء أو ماء أو خدمة هاتف أو نقل بسالة و"شطارة" و من الأسباب الأخرى هو غياب ثقافة التأمين لدى أغلب المواطنين أو تقاعس المصالح المتخصصة في المنازعات عن تحصيل المستحقات فنادرا مثلا ما يلجأ ديوان الترقية و التسيير العقاري إلى استعمال القوة و إخراج العائلات المتهربة من دفع مبالغ الكراء من مساكنها كما تؤجّل سونلغاز أيضا إجراءات قطع الكهرباء عن المشتركين المدانين إلاّ بعد عدّة إعذارات .و اللّجوء إلى العدالة يكون آخر إجراء تعتمد عليه المؤسسة بعد استنفاد كل الطرق و اقتراح حلول تناسب المشتركين كدفع الديون على أقساط