تعتبر الحظيرة الوطنية لجبل عيسى (جنوب ولاية النعامة) إحدى الفضاءات المحمية بمنطقة جبال الأطلس الصحراوي التي تتميز بتنوعها البيولوجي وأهميتها العلمية والسياحية التي تستوجب إتخاذ المزيد من التدابير للحافظ على مؤهلاتها الطبيعية وأنظمتها البيئية في إطار التنمية المستدامة. وتمثل هذه الحظيرة الواقعة على بعد 14 كلم شرق بلدية تيوات والتي صنفت كمحمية طبيعية قطبا طبيعيا ذوقيمة سياحية واقتصادية بمساحة إجمالية تقارب 29 ألف هكتار. ويتوفر جبل عيسى على مساحة غابية تتنوع بين أشجارالفستق الاطلسي والخروب والبلوط والصفصاف وكذا العرعاروالسدر والصنوبر الحلبي وغيرها وسط مرتفعات جبلية تصل أعلى قممها إلى 2.236 مترا , كما أبرز سحنون محمد تقني بمصلحة التنمية النباتية والحيوانية بمحافظة الغابات للولاية. وتصب جهود محافظة الغابات بالإضافة إلى المبادرات التي أطلقتها جمعيات إيكولوجية بالولاية إلى جانب البحوث العلمية الجامعية في سبيل تعزيز وتدعيم حماية مجال التنوع البيولوجي لهذه الحظيرة. وتشرف دراسة ميدانية تعدها محافظة الغابات لإحصاء أصناف النباتات الطبية والأعشاب والأحياء البرية التي تعيش عبر هذه الحظيرة على الإنتهاء . وسيتم إصدار المعطيات العلمية والإحصائية الخاصة بالتنوع البيولوجي لجبل عيسى في دليل مدعم بالصورالفوتوغرافية والبيانات (كتيب صغير) بعد إستكمال عملية مسح ومعاينة مختلف أرجاء هذا الفضاء السهبي الشاسع الذي يتميز بمسالكه الجبلية الوعرة . وأحصت ذات المحافظة حتى الآن زهاء 50 نوعا من الطيور من بينها بعض الأصناف النادرة المهددة بالإنقراض التي تعيش عبر هذه الحظيرة كالعقاب الملكي وصقر الهضاب والحجل والبلشوان الأرجواني والعوسق والبومة القرناء والبوم الصحراوي واليمام والأبلق الصحراوي والحسون التفاحي والزمير الوردي والروان العسلي وغيرها. وتضم هذه المنطقة الجبلية فسيفساء من الأنماط الحيوانية التي تم إحصاؤها خلال السنوات الأخيرة كالضب والحرباء وفأرالرمال والثعلب الأحمروالسنجاب البربري والورل الصحراوي (نوع من الزواحف ) والقنافذ والأرانب البرية والوعل وإبن آوى وغيرها من الكائنات الحية . ويعد هذا الفضاء الطبيعي متحفا اثريا مفتوحا ذوقيمة تراثية يضم بقايا غابات متحجرة بفعل العوامل المناخية وعدد هام من محطات للنقوش الصخرية للإنسان الحجري القديم كما تعد المنطقة مصدرا للسكان المحليين للتزود بالعديد من النباتات التي تستعمل لدواعى العلاج كإكليل الجبل والشيح والزعتر والفيجل والحبق وغيرها. وتتعرض هذه المحمية التي تتميز بخصوصيات متنوعة (غابية وسهبية وصحراوية) وبحساسيتها وهشاشة تربتها فضلا عن تأثيرات قساوة المناخ وزحف التصحر إلى بعض الظواهر السلبية التي تؤدي إلى تراجع الغطاء النباتي وهوما يستدعي تكثيف العمل التحسيسي حول أهمية تكاثف الجهود لتثمين الثروة البيئية. وسجلت ذات المحافظة جملة من التأثيرات السلبية على الوضع البيئي عبر هذه الفضاءات من بينها نحو30 مخالفة خلال السداسي الأول من السنة الجارية أغلبها تتعلق بالرعي الجائر فضلا عن القلع المكثف لبعض النباتات الطبية والقنص غير الشرعي والحطب بمحيط هذه الحظيرة. ومن أجل الحد من هذه الأخطار يستوجب ضرورة “البحث عن أفضل وسيلة لتحقيق تسيير رشيد لهذه الحظيرة الوطنية وتخصيص ميزانية مستقلة للإستفادة من هذا الفضاء على الأصعدة البيئية والعلمية والتربوية والإجتماعية والثقافية والإيكولوجية”، وفقا لما صرح به من جهته المفتش الرئيسي بمحافظة الغابات ميلود غربي. وأفاد المتحدث في هذا الصدد بأن “عدة قطاعات معنية بالتقليل من هذه الأخطارالتي تهدد البيئة بجبل عيسى الذي يتعرض إلى تغير بعض الأنظمة البيئية عبره كتراجع وإندثار بعض الأحياء النباتية والحيوانية نظرا لتزايد الضغوطات البشرية وعوامل الجفاف الذي إستمر لعدة سنوات وحدوث سيول جرفت بعض بنابيع المياه واصناف من النباتات والأشجار”. .. بحوث ودراسات جامعية تستهدف التسيير المستدام للحظيرة وقد أبرمت محافظة الغابات لولاية النعامة مؤخرا إتفاقية مع كلية علوم الطبيعة والحياة وعلوم الأرض والكون لجامعة “أبوبكر بلقايد” بتلمسان للتعاون في مجال حماية التراث البيئي وإستغلال الإمكانيات الطبيعية لحظيرة جبل عيسى لتطوير البحوث في علوم البيئة والمحيط والموارد الغابية وتحديد توجهات التسيير وحماية هذه المجالات المحمية وتنميتها المستدامة. وتشكل هذه الحظيرة في الوقت الحالي محل العديد من البحوث والدراسات والمبادرات العلمية التي يجسدها باحثون مختصون من عدة معاهد جامعية مثل جامعة “هواري بومدين” لباب الزوار (الجزائر العاصمة) وكلية علوم الطبيعة والحياة بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة” للبحث في سبل حماية بعض الاصناف البيئية من الانقراض. وأطلقت محافظة الغابات عدة مبادرات من أجل إنعاش الغطاء النباتي وتجديده عبر المساحات الشاسعة لجبل عيسى كحماية مساحات هامة من نبات الحلفاء بالمناطق السهبية التابعة للحظيرة والتي أعطت نتائج جيدة لإعادة نموذلك النبات الذي يعد مصدرا أوليا هاما في تثبيت التربة وصناعة الورق والحرف التقليدية. وعبر هذه المواقع الجبلية أنجزت ذات المحافظة أشغال لترميم آبار وينابيع ائية وتصحيح 12 ألف متر مكعب من المجاري المائية بالمنحدرات الجبلية لتفادي إنجراف التربة وتهيئة مسالك غابية وجبلية ووضع نقاط للملاحظة لمتابعة تغيرات الوسط الطبيعي وتثمين الموارد النباتية والحيوانية للحظيرة. ويقوم أعوان الغابات بالولاية بحملات غرس لشجيرات الفستق الأطلسي التي تتأقلم مع المناطق شبه القاحلة للحظيرة لتضاف إلى نوع الفستق البري وهي شجرة البطوم وهي من الأنواع النادرة التي تشتهر بها منطقة جبل عيسى بهدف حماية هذه المنطقة الجبلية من العوامل الطبيعية التي قد تهددها ومنها انجراف وانزلاق التربة. وتستقطب هذه المنطقة في السنوات الاخيرة أعدادا كبيرة من الأشخاص للاستراحة في الهواء الطلق والإستكشاف وممارسة رياضة تسلق المرتفعات ما يشكل خطرا آخر يحدق بهذه المنطقة المحمية ويستدعي تكثيف دوريات أعوان الغابات للمحافظة أولا على النظام البيئي الحيوي الجغرافي الذي تعيش فيه الكائنات المتنوعة على مستوى هذه المنطقة الجبلية . … اهتمام الجمعيات البيئية بالحفاظ على الإرث الطبيعي لجبل عيسى ويعتبر بن سالم محمد علي رئيس جمعية أصدقاء الأطلس الصحراوي لعين الصفراء التي تهتم بالأنشطة البيئية بأن ” جبل عيسى يشكل وسطا طبيعا ثريا من حيث كم ونوع الكائنات الحية التي تعيش فيه غير أنه لم يلقى الإهتمام اللازم من طرف المختصين لتعميم الإستفادة منه وإيجاد الطرق العلمية للمحافظة على التنوع الإيكولوجي المهدد بالإندثارعبره”. وتولي العديد من الجمعيات البيئية بالولاية في الآونة الأخيرة إهتماما بالمواقع الطبيعية لجبل عيسى ومنها جمعيات ” إيغزر” و” تيطاوين” اللتان تنشطان ببلدية تيوت والجمعية العلمية للشباب “إستكشاف الطبيعة ” والجمعية الولائية لحماية وترقية البيئة التي تواصل عملها الميداني لحماية هذا الإرث الطبيعي وخصوصا المنطقة الغابية للجبل من حيث غطاؤها النباتي. وقام نشاطون جمعويون ايضا بتهيئة ممرات ووضع لافتات توعوية داخل الحظيرة المذكورة لإشعار الوافدين إليها بضرورة إحترام خصوصياتها “الهشة” والتحذير من نشوب الحرائق فضلا عن القيام بمبادرات تطوعية لتنظيف غابة الحظيرة التي تتعرض للتلوث جراء بقايا النفايات التي يخلفها الزوار والإنتهاكات التي قد تتعرض لها الثروة الطبيعية للجبل. ويرى رئيس جمعية “تجماعت أغرم أقديم” لبلدية تيوت بوطراد أحمد أن تدهور التنوع البيولوجي عبر بعض الأماكن بجبل عيسى هونتيجة النشاط البشري ويهدد بشكل كبير الثروة النباتية , مضيفا أنه “أصبح ضروريا القيام بعمل مستعجل وحاسم من أجل المحافظة على الأنواع والأنظمة البيئية في ما يتعلق بالتسيير والاستعمال المستدام للموارد البيولوجية للحظيرة”. وتبقى مشكلة الفيضانات على مستوى الحظيرة الوطنية لجبل عيسى أهم انشغال حسب دراسة أعدتها محافظة الغابات بالولاية مما يتطلب أشغال مستعجلة للحد من قوة السيول المتدفقة وتصحيح مجاري الأودية. ويتطلع مسؤولوقطاع الغابات بالولاية إلى تحيين دراسات جرد التنوع البيولوجي للحظيرة وتوفير أعوان إضافيين للحد من الرعي الفوضوي الذي يهدد التوازن الطبيعي للحظيرة.