هل يبتلع ترامب القارة العجوز؟    حملة تحسيسية بالبليدة تستهدف السائقين    زمن الإيمان وعهد البناء    منظمة التعاون الإسلامي تعقد يوم الجمعة اجتماعا وزاريا استثنائيا لبحث التطورات في فلسطين    تكنولوجيا: اختتام المؤتمر العالمي للهاتف المحمول    المغرب: محاكمة الطفلة ملاك تفجر موجة استنكار واسعة    بيئة: اعتماد الفرز الانتقائي والاقتصاد الدائري في تسيير النفايات    الإنتاج الصيدلاني الوطني يغطي 76 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    الأغواط : جثمان السيدة الشريفة لالة الحرة التجاني يوارى الثرى بمقبرة العائلة بعين سيدي محمد البودالي بعين ماضي    بطولة العالم للملاكمة 2025 للسيدات: البطلة الأولمبية الجزائرية إيمان خليف تشرع في تربص تحضيري بأكاديمية أسباير بالدوحة    تصفيات مونديال 2026: الحكم الجزائري قاموح يدير مباراة بورندي-السيشل    لجنة تنظيم البورصة: منح الاعتماد لأول شركة تمويل تساهمي في الجزائر    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار: نحو إنشاء أقطاب صناعية بالعديد من ولايات الوطن    "نوازل الصوم الخاصة بالمرأة بين الطب والفقه" محور ندوة فقهية بالجزائر العاصمة    "المرأة بين طريقي الارتقاء.. رمضان والعلم" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    رمضان 2025: وضع بيوت ومخيمات الشباب تحت تصرف فعاليات المجتمع المدني    الأمم المتحدة : الإطار القانوني والمؤسساتي الجزائري يضمن بشكل كامل الحقوق والحريات    أمطار رعدية مرتقبة على العديد من ولايات الوطن مساء اليوم الخميس    المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة في تربص جديد بمركز فوكة بتيبازة    عرض الوثائقي " آثار تخترق الزمن " حول جرائم التعذيب الفرنسي في المعتقلات خلال الثورة التحررية    افتتاح معرض جماعي للخط العربي بالعاصمة    قد تفلت منا صناعة التاريخ..؟!    بنك الجزائر ينشر تعليمتين تتعلقان باعتماد البنوك الرقمية    وزارة التربية تصدر بيانا يخص مشاركة الموظفين    حل الدولتين يعد الطريق الوحيد لتحقيق السلام في فلسطين    استحداث مدارس عليا للأساتذة في مختلف المدن الجامعية    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    قناة "فرانس 2″تبث توليفة إعلامية تخدم أجندة سياسية محددة    قناة "فرانس 2" تستعين بالخونة لمهاجمة الجزائر    ترامب يلقي أول خطاب أمام الكونغرس    تكفُّل بالمرضى وضمان للمناوبات    منظمة حقوقية تدعو إلى تشكيل آلية أممية    حين يلتقي الفن بروحانية الشهر الفضيل    استقرار في أسعار الخضر والفواكه    محرز: جاهزون لمباراة بوتسوانا وهذه رسالتي للجزائريين    شهر الجود    مشكلة جديدة لبلايلي مع الترجي والإدارة تتدخل    قمتان في وهران وقسنطينة ومهمة صعبة لبلوزداد بالبيّض    "قسيمتك".. منصة لاقتناء قسيمة السيارات عن بُعد    إنهاء مهام المدير العام ل"بريد الجزائر"    تحييد 4 إرهابيين واسترجاع أسلحة وذخيرة    32 سؤالا ل7 وزراء بالمجلس الشعبي الوطني    سفارة اليابان تتبرّع لجمعية أولياء الأطفال المعاقين    التعاون مع الصومال وموزمبيق في مجال الاتصالات    معرض الجزائر للسكك الحديدية في جوان القادم    الرابطة الثانية – هواة /الجولة 22/ : نجم بن عكنون ومستقبل الرويسات في مهمة صعبة خارج الديار    كرة اليد/القسم الممتاز/سيدات/ تسوية الرزنامة : فوز نادي فتيات بومرداس على نادي باش جراح    الأغواط: حرم الخليفة العام للطريقة التجانية بعين ماضي في ذمة الله    توزيع مزيد من السكنات في جويلية    اجتماع تنسيقي لتطويرآليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    فرحتان للصائم    حنان ميزول أخبار اليوم : تستهويني المرأة المُكافِحة التي ترفع التحدي وتواجه الصعوبات    وحدة المضادات الحيوية ستشرع في الإنتاج جوان المقبل    لجنة خاصة للتكفّل الأمثل بالحجّاج في المطارات    صلاة التراويح تحمي من الأمراض    "آثار تخترق الزمن" يفتتح موسم رمضان    "بنات المحروسة" و"اللي فات مات" على منصة "شاهد"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس حلبة الرئيس والأحزاب والمجتمع المدني
نشر في الحياة العربية يوم 15 - 08 - 2020

عبد الرحمن شلقم** وزير خارجية ليبيا ومندوبها الأسبق لدى الأمم المتحدة
أيامٌ قليلةٌ وتعلو صافرةُ الانطلاق السياسي الحاسم في تونس. وضع الجميع أوراقهم على قارعة العامة. الأحزاب المتناثرة داخل قاعة نواب الشعب وتضمُّ 20 كياناً سياسياً، لا يجمعها إلا القليل من الأفكار والبرامج، وما بينها من الخلاف أكثر بكثير من حروف الاتفاق. كلف الرئيس قيس سعيّد السيد هشام المشيشي تشكيل الحكومة.
وحسب نصوص الدستور، فإنَّ أمام المكلف 30 يوماً لتشكيل الحكومة، وإن لم ينجح فلا بدَّ من حل البرلمان والتوجه إلى صناديق الانتخابات. العد التنازلي لفسحة تشكيل الحكومة، هو العصا المرفوعة في وجه الجميع، وكل الأطراف تحسب ما لها من الأرصدة السياسية والشعبية وتعبئ قدراتها للقادم.
هشام المشيشي رئيس الحكومة أعلن موقفه الذي رسم خطوط المعركة القادمة حين قال إنه سيشكل حكومة كفاءات بعيداً عن الأحزاب السياسية، ولن يشركها في حكومته القادمة، لكنَّ الأحزاب كان لمعظمها موقف متقارب ورفعت السؤال، ما الداعي لتشكيل الأحزاب وإجراء انتخابات عامة إذا لم يكن لها دور في الحكم من خلال الوزارات؟ حزب النهضة الذي له 54 عضواً في مجلس نواب الشعب أعلن معارضته لذلك، وتمسَّك بأنَّ تشكل الحكومة بالتشاور والاتفاق مع البرلمان، مستنداً إلى نصوص الدستور، وحاجة الحكومة إلى حزام سياسي يضمن لها الثقة ويؤمّن لها ما تحتاج إليه من التشريعات. الأحزاب الأخرى تباينت مواقفها خاصة حزب قلب تونس الذي يتزعمه نبيل القروي، وهو في الترتيب الثاني من حيث عدد الأعضاء في مجلس نواب الشعب بعد حزب النهضة وعددهم 27 نائباً، أعلن استعداده للتعاون مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. التصريح التفجير هو ما أطلقه النائب عبد اللطيف العلوي من كتلة الكرامة ولها في مجلس نواب الشعب 20 عضواً، حيث عبر عن رفضه قرار رئيس الحكومة المكلف تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وأضاف: ما جدوى أن يقوم المشيشي بدعوة الأحزاب وممثلي الكتل البرلمانية ويوهمهم بأنه يتشاور معهم بجدية، في حين لديه تركيبة الحكومة الجديدة جاهزة في الدرج، وليس هو أصلاً من جهزها وإنما الأطراف النافذة في ديوان رئاسة الجمهورية، وعلى رأسهما نادية عكاشة مستشارة رئيس الجمهورية؟ وتساءل العلوي: ما معنى حكومة تكنوقراط، وهل فعلاً يوجد شيء اسمه كفاءات مستقلة؟! الحزب الحر الدستوري الذي تتزعمه عبير موسي لم يتردد في تأكيد موقفه الداعم للسيد هشام المشيشي، وله في ذلك هدفان، أولهما إبعاد غريمه الأول حزب النهضة عن الحكومة القادمة، والآخر إمكانية التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة تقلّص وجود حزب النهضة داخل البرلمان وتوسع من حجم وجود الحزب الدستوري تفاؤلاً بمزاج الشارع التونسي، الذي لا يخفي تذمره من أداء التيار الإسلامي في مجلس نواب الشعب، ومستقوياً بحالة الاحتقان العام التي يشهدها الشارع التونسي بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد والغضب المتواصل في منطقة الجنوب. وموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي شنَّ أمينه العام نور الدين الطبوبي هجوماً كاسحاً على حزب النهضة وحمّله مسؤولية ما وصلت إليه البلاد، ووجَّه تهماً كثيرة لحركة الإخوان المسلمين. هذا المكون النقابي لعب ويلعب دوراً حاسماً في تونس منذ الاستقلال وواجه الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ويضمُّ أكثر من مليون عضو. كل هذه المؤشرات تساهم في رسم سعة وضيق حلبة المواجهة القادمة.
هناك مكونات سياسية ونقابية خاصة منظمات المجتمع المدني التي لها تأثير واسع داخل المجتمع ستلعب دوراً أساسياً في رسم المستقبل التونسي.
أمور تتداخل فيها الآمال والمرارة. إما أن تقبل الأحزاب بخطة رئيس الجمهورية وتمنح الثقة راضية أو مكرهة للحكومة المقترحة، أو تذهب إلى مغامرة الانتخابات المبكرة في ساحة شعبية محتقنة لا أحد يستطيع التنبؤ بتوجهاتها الانتخابية. الجميع يدرك حجم التحديات التي تواجه البلاد، حيث تتجاوز المديونية العامة 80 في المائة من الناتج القومي والبطالة تصل إلى 19 في المائة، وتراجع نسبة النمو إلى درجة كبيرة، والاحتجاجات التي يقودها طالبو العمل في الجنوب وأدت إلى توقف إنتاج الفوسفات بشكل كلي، وخسارة البلاد أكثر من 50 في المائة من إنتاج الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه شركة الكهرباء، فهل تستطيع حكومة هشام المشيشي أن تواجه كل هذه الإكراهات من دون حزام سياسي وتشريعي توفره لها الأحزاب السياسية التي لن يكون لها موقف مؤيد لحكومته؟ وهل سيتحرك رئيس الجمهورية نحو تعديل الدستور كي يعيد الدولة إلى نظام رئاسي، يساعد البلاد على تجاوز حالة التشظي والانقسام السياسي الذي أربك المشهد العام في البلاد، أو على الأقل تعديل القانون الانتخابي بما يضمن وجود أحزاب أقل وأقوى داخل البرلمان.
الصراع الذي لم يتوقف داخل مجلس نواب الشعب كان له ارتدادات كبيرة على مأسسة التكوين التأسيسي للدولة الجديدة، فالمحكمة الدستورية وهي جسم أساسي في الحياة الديمقراطية، لم يتم الاتفاق داخل مجلس نواب الشعب على إكمال تسمية أعضائها، فكل طرف يصرُّ على الدفع بعضو موالٍ له؛ مما عطل إنجاز هذا الاستحقاق المهم. كل ذلك صبَّ في إناء مصلحة رئيس الجمهورية، حيث تحرر من قوة دستورية قانونية قادرة على حسم الكثير من الاختلافات والخلافات في تفسير مواد الدستور وسياقات تفعيلها.
تونس ليست في مفترق طرق، بل هي فوق حلبة ضيقة وساخنة جداً بداخلها أطراف متفاوتة القوة، تضرب تحت الحزام وفوقه، والرئيس لا يلعب دور الحكم إنما يتحرك كلاعب. إما أن يخرج طرف له قوة القرار الحقيقية، وإما أن يعاد خلط كل الأوراق وتبدأ المطارحات وفق سياق لا أحد يستطيع اليوم قراءة مساراته. الأمل الكبير في عقل تونس الذي تأسس منذ قرون وأنجب مكونات مجتمع مدني له صلابة نوعية نجحت في انتشال البلاد من شبح العنف والفوضى وفازت بجائزة نوبل للسلام، وهي اتحاد العمال التونسي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين بتونس.
أعتقد، وأكرر أعتقد، أن هذه الكيانات المدنية الوطنية الواعية قادرة أن تكون الرافعة الحقيقية لتونس. الحكومة القادمة إن لم تنل ثقة مجلس نواب الشعب، فلا مناص من التحرك لانتخابات قادمة ستلد المجهول، وإن نالت الثقة – المحدودة – فلن تتمتع بالقدرة التي تمكنها من تحقيق التحولات القاسية والواسعة التي تنشدها البلاد. تبقى مكونات المجتمع المدني هي قوة التدخل الوطني العاقل التي تصنع الفارق مثل ما كانت دائماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.