يشهد الخريف المقبل، وعلى وجه الخصوص شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، عدداً من المناسبات التي ستجذب المجتمع الدولي إلى متابعة الأخبار والتطورات عن قرب، إحداهما للمتعة، وتتعلق بكأس العالم لكرة القدم في الدوحة، عاصمة قطر، والآخر حفاظاً على المستقبل والوجود، وهو مؤتمر الأممالمتحدة حول التغير المناخي لعام 2022، والمنعقد في مصر بمدينة شرم الشيخ، وهو مؤتمر للدول التي وقعت على الاتفاق الإطاري حول التغير المناخي، والذي دخل حيز التنفيذ عام 1994. وأتناول اليوم القضية الوجودية لأهميتها، تاركاً المتعة لوقت آخر مع التسليم بأنني سأنشغل بالحدثين في نوفمبر المقبل. مؤتمر شرم الشيخ حول التغير المناخي سيبني على ما أُنجز أو ما تم التطلع إليه في المؤتمر السابق، وبخاصة ما جاء في وثيقة غلاسكو المناخية، التي وضعت الأجندة الدولية حول هذا الموضوع خلال العقد المقبل، على الرغم من أنها ليست وثيقة ملزمة قانونياً، فشملت اتفاقاً بأن يصدر عن المؤتمر المقبل – أي في شرم الشيخ – التزامات إضافية لخفض معدلات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى التغير المناخي، لعدم تجاوز ارتفاع الحرارة عن 1.5 درجة مئوية سنوياً تجنباً لكارثة مناخية. واتفق ولأول مرة على وضع خطة لتخفيض استخدام الفحم، وهو مصدر 40 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهي خطوة إيجابية، لكن ليست على مستوى التحدي نظراً لتمسك الصين والهند بصيغة تدعو إلى تخفيض استخدام الفحم من دون أن تدعو إلى القضاء عليه كلياً، بالإضافة لذلك، فقد أعلن باحثو أحد مراكز دراسات الطقس والمناخ في بريطانيا "The Met Office" أنه أصبح من المرجح بنسبة 50 في المئة ارتفاع الحرارة لأكثر من 1.5 درجة مئوية على مدار السنوات الخمس المقبلة، والتي ستُسجل خلالها أعلى معدل لارتفاع درجات الحرارة، وهذا التحدي يتطلب إعادة نظر سريعة من دول العالم لاحتواء الأزمة. وتضمنت الوثيقة كذلك تعهداً بزيادة جوهرية للدعم المتاح للدول النامية لمساعدتها على التعامل مع تداعيات التغير المناخي والتحول إلى الطاقة النظيفة، وهذا على الرغم من أن الدول الغنية أخفقت في التزامها السابق بتوفير 100 مليار دولار أميركي كل عام اعتباراً من 2020. كما كان هناك اتفاق بين الحاضرين على التخفيض التدريجي لدعم سعر الفحم والبترول والغاز الطبيعي، بُغية الحد من استخداماتها، إلا أن هذا الاتفاق لم يتضمن تواريخ محددة، ومن الاتفاقيات الهامة الأخرى خلال مؤتمر غلاسكو اتفاق الصين والولايات المتحدة على مزيد من التعاون بينهما في هذا المجال خلال العقد المقبل، وهما من أكثر الدول المؤثرة على المناخ. والتزم قادة أكثر من مئة دولة بوقف إزالة الغابات اعتباراً من 2030، وهي خطوة مهمة لاستيعاب الأشجار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وطُرح تصور لتخفيض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30 في المئة اعتباراً من 2030، وهي انبعاثات إنسانية تؤثر على درجات الحرارة، وما زالت الصين وروسيا والهند غير ملتزمة بهذا الهدف، على الرغم من أنها من أكثر الدول التي تصدر منها هذه الانبعاثات، وأكدت المؤسسات المالية المسيطرة على 130 تريليون دولار دعم التكنولوجيات النظيفة من الطاقة المتجددة والابتعاد عن الصناعات المعتمدة على الحرق المباشر من الوقود الحفري. وكان مؤتمر غلاسكو خطوة هامة ومفيدة، لكن أعتقد أنه لم يرتفع إلى حجم التحدي والمسؤولية، من حيث الأهداف المحددة، أو في شكل التعهدات التي ما زالت الغالبية العظمى منها غير ملزمة. لهذه الأسباب، ولغيرها، ينظر العالم إلى مؤتمر COP-27 في شرم الشيخ بتطلع وقلق، مرجحاً أن العالم أيقن أخيراً أننا على أبواب كارثة مناخية وجودية إذا لم يتصدَّ المجتمع الدولي لإفراطه الاستهلاكي المؤثر على البيئة، لأن الكل سيتأثر بتداعيات التغير المناخي، والكل من حقه أن ينمو ويتطلع لحياة حرة كريمة، وأرى شخصياً أننا أمام تحدٍّ تكنولوجي واقتصادي لضرورة الاستمرار في ابتكار تكنولوجيات أكثر كفاءةً وأقل ضرراً للبيئة وبأسعار متناولة للجميع، كما أننا أمام امتحان أخلاقي باعتبار أن الدول الغنية هي المصدر الأول للمشكلة، والدول النامية هي الأكثر تضرراً منها، فضلاً عن أنها لم تصل بعد إلى معدلات تنموية مقبولة متسقة مع تطلعات شعوبها، ومن ثم يجب ألا تكون الإجراءات لصالح من كان المصدر للمشكلة وعلى حساب الأقل ثراءً. ومصدر قلقي هو أن المناخ السياسي والاقتصادي غير مُواتٍ وأكثر صعوبة عما مضى، فما زلنا في ظل التداعيات الاقتصادية والسياسية لجائحة كورونا، ودخلنا أخيراً في معضلة أخرى، وهي إعادة إحياء أجواء الحرب الباردة والاستقطاب الشديد مع أحداث كورونا، بما تحمله من استقطاب سياسي وآثار اقتصادية، قد تجعل الدول الكبرى تتردد في التعاون في ما بينها، وتتلكأ في توفير الدعم المالي المطلوب للدول النامية لمساعدتها على التحول نحو الطاقة النظيفة من أجل تحقيق أهدافها التنموية. ومؤتمر COP-27 مثله مثل ما سبقه سيكون محفلاً دولياً جامعاً يسعى إلى التوفيق بين مصالح الكل، وهي الوسيلة الوحيدة لتحقيق تقدم ملموس، إلا أن انعقاد هذا المؤتمر في دولة عربية أفريقية، وبمدينة شرم الشيخ في شبه جزيرة سيناء، والتي تقع في القارة الآسيوية، سيجعل الدولة النامية بشكل خاص تنظر إلى مدى الاستجابة لاحتياجاتها، وتتطلع منه إلى الكثير، ولعله فعلاً ينتهي إلى حلول جوهرية عالمية ويستجيب لتطلعات الجنوب. ولم يكن غريباً أن يعلن ريتشارد مونانغ منسق التغير المناخي في أفريقيا ببرنامج الأممالمتحدة للبيئة أن مؤتمر شرم الشيخ قمة مناخية أفريقية، محذراً من أن زيادة درجتين فقط في حرارة العالم تعني خسارة 5 في المئة من إنتاجية أفريقيا عام 2030، ومطالباً بضرورة زيادة الدعم المالي للدول النامية للتعامل مع تداعيات هذه المشكلة، موضحاً أنه حتى إذا تمت تغطية العجز في الالتزامات العالمية السابقة في هذا الخصوص، والذي يصل إلى 20 مليار دولار سنوياً، فلن تعد المبالغ المقررة تغطي الاحتياجات الفعلية المتزايدة، وتأكيداً أن الشعوب النامية تتحمل مغبة وأطماع سياسات الدول المتقدمة، أوضح أن 17 في المئة من سكان العالم يعيشون في القارة الأفريقية، في حين أن القارة السمراء لا يصدر عنها سوى 4 في المئة من الانبعاثات الدولية، لذا يجب دعم قدرات القارة مالياً وتكنولوجياً على التحول إلى التكنولوجيات النظيفة وهي تتطلع إلى مزيد من التنمية مستقبلاً. وفي سياق متابعة تداعيات التغير المناخي، استقبلت أخيراً بالقاهرة الدكتورة فيرا سونجوي وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة، والدكتور محمود محيي الدين مبعوث الأممالمتحدة والمكلف حشد المجتمع المدني حول التصدي للتغير المناخي، وطرحا رؤية لتطلعات أفريقيا والجنوب من COP-27، تتفق على ما تقدم، ويمكن الاستخلاص من أحاديثهما أن هناك عملاً جاداً ومتواصلاً منذ المؤتمر الماضي، بما في ذلك حول عدد من المشروعات المحددة ذات المصلحة العامة والأفريقية بشكل خاص، وإن كانا قد ألحّا على أهمية مراجعة المؤسسات الدولية سبل تسعير الجهد الأفريقي المبذول للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتوفير الدعم الكافي لتحقيق التنمية في القارة على ركيزة الطاقة المتجددة النظيفة. لعله خير على الرغم من كل الصعوبات، وأعتقد أن استغلال الدول الأفريقية سريعاً للأشهر المقبلة لتنسيق المواقف وطرح مبادرات مشتركة ومحددة، من شأنه أن يدعم الفرص لإنجاح المؤتمر، أو على الأقل لتحقيقه صيغاً أكثر عدالةً لأفريقيا ودول الجنوب. اندبندنت عربية