تندرج الأزمة اللبنانية في آخر سلم اهتمامات المجتمع الدولي واللاعبين الكبار. الأمر واضح في الفوضى المتحكمة بالاستحقاق الرئاسي الذي بدأت تحضيرات فراغه. وفي انتظار الفراغ الرئاسي، يترقب لبنان الرد الإسرائيلي الرسمي على المقترحات التي نقلها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بشأن ترسيم الحدود، لعل الجواب يؤثر في بورصة الحلول، تشير المعلومات إسرائيل ليست مستعجلة، ذلك أن تفاصيل أخرى تدخل على الخط. وليس صدفة أن يتزامن الجواب الإسرائيلي المنتظر بشأن ترسيم الحدود مع الجواب الأميركي المنتظر بشأن إنجاز المفاوضات النووية مع إيران، ما يشي بأن ثمة صلة وارتباط ما بين الاستحقاقين. وفي غمرة الانتظار تتأرجح الاحتمالات بين وصول المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني إلى بر الأمان، أو فيما يتعلق بمصير الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل، حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ويؤكد أن نجاحها يمكن أن يشكّل الممر الإلزامي للعبور بالاستحقاق الرئاسي وبين إشارات قرب الوصول إلى حلّ. وفي الوقت الضائع، يلعب كل طرف من الأطراف لعبته، سواء كان لبنانيا أو إقليميا أو دوليا، حيث الفجوة تزداد عمقا واسودادا وغموضا لجهة إدارة العملية السياسية ومواكبة الاستحقاقات الدستورية، والاقتصادية، والمالية، والاجتماعية. وكأن الفراغ مطلب وحاجة. هذا ما تدل عليه عملية شد الحبال الكامنة في تعقيدات تشكيل حكومة تتولى إدارة البلد بعد المغادرة المفترضة للرئيس الحالي ميشال عون قصر الرئاسة في 31 أكتوبر المقبل. ولئن سأل سائل عن سبب المناورات التي تستبدل الأصيل وهو اجراء انتخاب لرئيس الجمهورية قبل نهاية ولاية عون وفق النصوص الدستورية، بالتناتش على حصص في تشكيلة حكومية بديلة تتولى السلطة خلال الفراغ المرتقب، لن يجد جوابا بالتأكيد، مع توجس بالإطاحة بلبنان كوطن او دولة أو طريقة عيش او انتظام دستوري. لكن السائل سيذهل من الجهود الجبارة التي يبذلها المعطلون لإيصال البلاد إلى الحائط المسدود، وذلك بالعمل على استحالة التوافق بين اركان المنظومة على صيغة حكومية تمرر المرحلة المقبلة بانتظار نضوج التسويات الإقليمية والدولية التي ستنعكس على رسم مواصفات الرئيس العتيد عبر موازين قوى تفرضها هذه التسويات. لذا يتحكم الاستعصاء المانع للقبول بأي طرح تسووي لتشكيل حكومة، إذا لم يضمن لصهر الرئيس ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل السيطرة عليها، وتحديدا بعد تلاشي فرصة وراثة كرسي الرئاسة في المرحلة الراهنة. وكالعادة، يستند باسيل في استعصائه هذا على دعم مستدام من "حزب الله" له، كما حصل ويحصل منذ تحالف تياره السياسي مع الذراع الإيراني. وفي حين بدأ الترويج لاحتمال بقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته لرفضه تسليم البلد الى حكومة تصريف أعمال في ظل الفراغ الرئاسي، وبحجة حماية "حقوق المسيحيين"، يبقى أن مثل هذا الطرح سيشكل عاملا إضافيا مدمرا للوضع المعيشي المتآكل حتى التساقط. وبالرغم من ذلك، لا يتحفنا الممسكون بمفاصل الدولة إلا بالخواء الممتلئ نظريات وانتقادات بلا جدوى، وكأن شيئاً لم يحدث. كأن لا ثورة قامت وأُجهضت، ولا انتخابات حملت تغييريين إلى مجلس النواب، ولا أزمة تتعلق بخسارة اللبنانيين أموالهم ومدخراتهم وقيمة ليرتهم، ولا أزمة خبز وبنزين ومازوت وماء وكهرباء وطبابة وتعليم. وما هو واضح، أن الدخول في زمن الاستحقاق كابوس مرعب ومخيف إلى درجة تصبح احتمالات الفراغ مقرونة بمزيد من الانهيار الاقتصادي. والأهم أن الناخبين الكبار على المستويين الإقليمي والدولي، لم يقرروا حتى الساعة ماذا سيفعلون، أو إذا ما كانوا سيتدخلون لتفعيل العوامل الخارجية لتلتقي مع العوامل الداخلية في إطار التعاطي مع هذا الاستحقاق الذي يشكل، ربما، مدخلا إلى لجم التدهور الذي سيطيح بكل مقومات البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومتابع حركة هؤلاء، سواء كانوا سفراء معتمدين أو موفدين يطلون من حين إلى آخر، على الأزمة اللبنانية وتفاصيلها وتفرعاتها وتطوراتها، يستنتج أنهم يكتفون باستطلاع الأجواء فقط لا غير، وليس في جعبتهم أي تعليمات تتعلق بمواقف حازمة أو قرارات فعالة تفرمل الفوضى المرتقبة. ولأن المستثمرين في الفراغ يجيدون الابتزاز ليضمنوا استمرار تحكمهم بالبلد الآيل إلى الزوال، لذا نراهم يقابلون السفراء والموفدين ويستعمون إليهم ويسمعوهم ما يعتقدون أنه يخدم أهدافهم، ولسان حالهم يقول: دعهم يستطلعون.. فالصفقات لم تنضج بعد.. ونحن لسنا مستعجلين.. سناء الجاك