محمد رابح تعد مسألة تعديل الدستور من المسائل الجدلية بين السلطة والمعارضة، فبينما ترى المعارضة أن تشخيصها للأزمة يجعل أوليات أخرى تسبق المسألة، تراهن أحزاب الموالاة على مشروع تعديل الدستور لحل بعض الإشكاليات العالقة في الحكم. مرّت أربعة أشهر على آخر حديث لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، حول قضية الدستور، حيث قال في رسالته للمشاركين في مؤتمر حول التطورات في مجال القانون الدستوري في إفريقيا، إن "الجزائر تستعد لتعديل دستورها، وتحضر لذلك بجدية وكلها دراية بنضج الأفكار التي أفرزتها المشاورات الواسعة التي نظمت لهذا الغرض"، دون أن يُعلن بشكل رسمي عن وصول الوثيقة إلى المعنيين بالأمر، سواء غرفتي البرلمان أوالمجلس الدستوري. وإذا استندنا إلى حديث الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، الذي قال أن التعديل الدستوري سيكون قبل نهاية الشهر القادم، واستحضرنا معه تأكيده بأنه سيمرر عبر البرلمان وليس الاستفتاء، يجعل معلومة وصول الوثيقة إلى المجلس الدستوري للتأكيد على عدم مساس التعديلات بجوهر الدستور حتى يتاح تمريره كأمر، ذات مصداقية كبيرة بحكم المدة القصيرة المتبقية لإرساله لغرفتي البرلمان من أجل مناقشته ومن ثمة المصادقة عليه. وكان سعداني نفسه عاد لبعثرة الأوراق من جديد خلال إجابته قبل أسبوع حول الدستور، قائلا: "علمه عند ربه، وعند بوتفليقة". ولا يشاء المكلف بالإعلام في حزب جبهة التحرير الوطني، السعيد بوحجة، تأكيد المسألة، ويعتبر "إن تحفظ المجلس الدستوري عن الخوض في الأمر مبرر حتى تتم الأمور في هدوء، وسنعلم كطبقة سياسية بالموضوع حين يصبح الأمر قابلا للتداول". وبشأن الطريقة التي يفضلها حزبه في تمرير مشروع تعديل الدستور رد بوحجة في اتصال مع الحوار أمس، " إن رئيس الجمهورية هو صاحب القرار، ولكن التعديلات التي سترد لن تمس بجوهر الدستور". وعلى خلاف ذلك يرى القانوني، عمار خبابة، بأن السلطة سبقت ومست بالمبادئ العامة للدستور، حيث تم فتح العهدات الرئاسية وتحديد صلاحيات الوزير الأول، ولم يشكل ذلك عائقا برأيه حول تمريره من خلال مصادقة نواب البرلمان. وقال خبابة القيادي في جبهة العدالة والتنمية وأحد أطراف تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي المعارضة "إن ما حدث سنة 2008 كان إخلالا بمبدأ توازي الأشكال والإجراءات"، ويفصل في الأمر بقوله " تحديد العهدات كان عبر استفتاء شعبي سنة 1996، وفتحها كان لابد أن يمر عبر استفتاء شعبي". وبشأن موقف المعارضة من تعديل الدستور، عدّد خبابة آليات الإنتقال الديمقراطي الواردة في أرضية مزافران، وهي حكومة إنتقال ديمقراطي وهيئة مستقلة ودائمة للإشراف على الإنتخابات ودستور جديد يعد بشكل توافقي ويمر عبر استفتاء شعبي، وأضاف خبابة بأن "مطلب هيئة التشاور والمتابعة بإجراء انتخابات رئاسية مسبقة حسم المسألة أكثر، وجعل تعديل الدستور في الظروف الحالية مرفوض بشكل مطلق". وتضمنت المسودة التي أنجزتها لجنة الخبراء وكانت محور نقاش بين المكلف بالمشاورات، أحمد أيحيى، وممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية القريبة من توجهات السلطة في ظل غياب كبير للمعارضة، تحديد الفترة الرئاسية في ولايتين، وتوسيع صلاحيات الوزير الأول، وإجراءات لمكافحة الفساد. ويدافع القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، السعيد بوحجة، على التعديلات الواردة، حيث يرى ضرورة لمعالجة بعض الغموض السائد في الوثيقة المعتمدة حاليا خصوصا تحديد العلاقات بين مؤسسات الحكم، مضيفا أن ذلك ليس مساسا بجوهر الدستور، وهو ما يجعل قضية الإستفتاء غير ضرورية برأيه. وبخصوص مقاطعة المعارضة للمشاورات ورفضها لمشروع الدستور، يقول بوحجة "أردنا أن يكون هناك توافقا من أجل الاستماع للأقلية، لكن الأغلبية هي التي تحكم وتقرر في كل دول العالم وليس الجزائر فقط".