الحلقة 15 أبو العباس برحايل ..وانتظمنا واقفين كبارا وصغارا في حلقة كبيرة، ونشر الرجل الضابط، مراقب التعليم؛ العلم الوطني بلونيه الأخضر والأبيض يتوسطهما النجم والهلال الأحمران؛ ولم نكن رأينا العلم قبل ذلك المساء، وطلب من الجميع أن يستعدوا وأن ينزعوا عمائمهم وطرابيشهم وكنت أضع طربوشا أحمر تونسيا على رأسي ليس له شرابية، وأمرنا أن نضع أيدينا على أصداغنا تحية للعلم بما في ذلك والد أول من التحق بالثورة في دوارنا الشيخ سعد .. والده الذي بلغ من الكبر عتيا فوقف المسكين في صف الدائرة منحنيا وقد نزع عمامته فبدا برأس أصلع تحوطه بعض الشعرات المشتعلة شيبا .. وشرع الضابط بعد ذلك يلقننا أناشيد وطنية مثل " علمي علمي … يا علم اشرقي واخفقي.. ومن جبالنا طلع صوت الأحرار، وكانت تلك الأناشيد قد وصلت إلى جامعنا قبل وصوله هو من خلال بعض القدادشة الذين كانوا يدرسون في جهات أخرى ومر عليهم المراقب قبلنا، ثم استلم منه العلم أحد كبار القدادشة وشرعنا نتدرب في حركات عسكرية فرحنا لها غاية الفرح، وقد صففنا وشرعنا في السير العسكري بخطوات ينبغي أن تكون منتظمة على إيقاع: أحد اثنين..أحد اثنين.. ثلاث.. أربع.. أحد اثنين.. وإن لم نفلح في تنظيم الخطو.. وكل كان يخبط خطوه خبط عشواء في ارتباك شديد.. ومنذ تلك الأمسية الفارقة تغير التنظيم في الجامع، وصار الإنشاد والسير بالعلم فيما نسميه تدريبا هو ديدننا كل مساء؛ وقد نسينا تماما عادة التكرار الجماعي لسور القرآن عقب صلاة العصر؛ وكنا سعداء بذلك أيما سعادة.. وفيما بعد؛ وحين صرت أنا الأطول في القدادشة بالجامع وأكون على رأس الصف حاملا للعلم وهو شرف عظيم كنا نتسابق عليه كان يؤرقني الاتجاه حين يقول المدرب؛ يمين در؛ أو شمال در..إذ لم أربط العلاقة بذراعي وربطتها بالجهات؛ ونحن واقفون في اتجاه معين؛ فكنت أفلح في الدوران إذا كنا مستقبلين الجنوب وأرتبك في بقية الجهات.. لكن ما ألهب حقدي أن أحدهم بمجرد أن يتراخى المدرب الذي هو الطالب أو يغيب من هو أكبر مني سنا، ويجد الصف نفسه وحيدا، يسارع شانئى المصطف خلفي للنتوء من الصف لينصب نفسه علينا المدرب القائد، ويردد بدوره العبارات القيادية الآمرة من مثل صياحه: خطوااااه .. تنظيم .. اعتداااال؛ قف .. للأمام سر.. للخلف در.. أحد أثنين.. أحد اثنين.. ثلاث .. أربع.. حيث يتعين علينا عندما يقول أربع.. أن نركل الأرض بقوة أشد بأقدامنا اليمنى.