بقلم: أحمد محمود خونا حقائق من الفقه الأكبر (8) تحدثنا في عمود سابق عن مدلول مصطلح (الخلافة الإسلامية) وفي عمود بعده عن (الوحدة الإسلامية) وقلنا إنها تمثل المقصد الأسمى للخلافة وللتشريع الإسلامي على حدٍ سواء. والآن سنعرج بكلام عن حقيقة كلية أخرى نزعُم أنها الموصلة إلى ثمرة تلك (الوحدة الجامعة) والمحقّقة لتعاون المسلمين وحضورهم في المشهد الحضاري ألا وهي (كلية الشورى). و(الشورى) من أجمل كلمات العربية وأعذبها، وهي عنوان كبير للوعي ودليل واضح على الفهم الحضاري، بل هي دليل الإيمان والاستجابة لله مصداقا لقوله تعالى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). أما (الاستبداد) فهو عنوان البداوة والارتجال، وأمارة الخطأ والاحتكار، والعرب في لغتها تسمي الذي لا يشاور ويستبد (بالسُكاكة) وهو صغير الأذن كناية منهم عن عدم قدرة صاحبها عن سماع رأي غيره. وأشار القرآن الكريم إلى استحالة تحقيق (جامعة المسلمين) دون مشاركتهم في القرار وبسط التشاور بينهم، فقال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ومن العجيب أن تكون هذه الآية نازلة بعد انكسار جيش المسلمين في (غزوة أحد) التي وسّع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن إدارتها التشاور، حتى ترك رأيه الراجح إلى رأي الأغلبية المرجوح، فنزلت هذه الآية لتأكّد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرتكب خطأ حين شاور أصحابه، وأن الشورى خير كلها، وكأني بالقرآن الكريم يلفت انتباهنا أن إقرار مبدأ التشاور وممارسته في هذه المعركة خير من نتيجته المرجوة والمتمثلة في الانتصار فيها. وصوابية هذا المعنى تؤكده الخبرة التاريخية الراهنة للأنموذج الحضاري الغربي الذي استطاع بفضل تكريس (الممارسة الديمقراطية ) تحقيق التنمية وتهذيب نزاعاته الداخلية التي تحولت من حالة (الخصومة العنيفة) إلى حالة (التنافسية السياسية). وفي هذا الصدد لا يفتني أن أترحم على الشيخ محفوظ نحناح الذي حاول في الجزائر أن يرفع الخلاف بين (الإسلاميين) المطالبين بالشورى و(الديمقراطيين) المطالبين بالديمقراطية، فنحت لهم مصطلحا جديدا طريفا أسماه (الشورقراطية) فأخذ من الشورى مبدئيتها ومن الديمقراطية آليتها.