حين يقتل الأسقف الأكبر (ضغاطر) أعظم شخصية في الدولة الرومانية، وقد كان أعلى من هرقل عند النّاس في حكمه عندما دعا جميع الرومان إلى الإيمان بالله وإلى الإيمان برسوله الكريم، محمد صلّى الله عليه وسلّم وأعلن الشهادة أمام الجميع بعدما أخبره هرقل بفحوى الرسالة التي وصلته من النبي صلّى الله عليه وسلّم (أسلم تسلم، حيث قام الناس وقفزوا عليه قفزة واحدة فضربوه حتى قتلوه، تدرك جيدا أن موقف الغرب العدائي من القيّم التي جاءت بها الديانات السماوية بلغ حدّا من الحقد يهون فيه فناء شعوب بأكملها. العرب هم قلب الإسلام ودماغه، وبزوالهم لن تقوم للإسلام قائمة، وما بقي من تعاليمه ستستمر مشوّهة إلى الحدّ الذي يبهج أعداءه، فهم بالأساس لا يرغبون في ضمّ العرب إلى ديانتهم، كما لا يريدونهم أن يتمسكوا بدينهم ويشكلوا به قوّة تصدّهم عن تنفيذ مخططاتهم الملوّثة. الإسلام يعني الخير المطلق للبشرية جمعاء، ولأن الإسلام جاء لكبح جماح النفس عن نزواتها التي لا تنتهي، ولأن نزوات الإنسان وأهوائه تقوده دائما إلى العدوانية والاستيلاء على حريّة الآخر، فإن ما يسمى بالحضارة الغربية الحديثة أطلقت العنان لهذا المارد أن يتحكم في مصير العباد بما يشبع نهم هذه النفس المارقة، وهو ما يتعارض مع قيّم الإسلام ومع الفطرة الإنسانية المتأصّلة في المجتمعات العربية على وجه الخصوص، والتي بإمكانها الانتشار بسرعة في كل العالم بما يسمح للإنسانية أن تعيش في سعادة تامّة، الأمر الذي دفع دعاة الحرية كما يزعمون أن تكون معركتهم الأولى على وجه الأرض هي القضاء على هذه القيّم التي تفسد عليهم سكرتهم، فكانت الوجهة هي المنطقة العربية، ولهذا الصراع تاريخ قديم منذ فجر الإسلام الأول على يد النبي محمد(ص). علماء وكهنة الغرب يتذكرون جيّدا مضمون الرسالة، وهي من رئيس دولة صغيرة جديدة، وهي دولة المدينةالمنورة، وجيشها على أكبر تقدير ثلاثة آلاف جندي، وعمرها لا يتجاوز الثلاث سنوات وأسلحتها بسيطة، وعَلاقاتها في العالم محدودة جدًّا، ومع ذلك يُرسِل زعيمها رسالة إلى هرقل قيصر الروم، الزعيم الأعظم للدولة الأولى في العالم الإمبراطورية الرومانية التي تسيطر على نصف أوربا الشرقي، إضافةً إلى تركيا والشام بكامله، ومصر والشمال الإفريقي، وجيوشها تقدر بالملايين بلا مبالغة، والأسلحة متطورة جدًّا، وتاريخها في الأرض أكثر من ألف سنة، لابد أن ندرك كل هذا ونحن نقرأ كتاب الرسول إلى قيصر الروم: "بِسم الله الرحمن الرحيم.من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولّيت فإنّ عليك لإثم الأريسيين"، ويدركون جيّدا أن معارك السّيف مع المسلمين أثبتت فشلها وخسارتها على مرّ الأزمان، فقيّم التضحية والفداء وبذل المال في سبيل الله هي أسمى ما ترنو إليه النفس العربية المسلمة، ما جعلهم على قناعة مؤكدة أن هزيمة الوعي العربي في نشر الجهل والرذيلة ودكّ أسافين الخلاف المذهبي بين طبقات المجتمع والعمل على تغذيتها إلى حروب بينهم تسفك فيها الدماء وتزهق فيها الأرواح وتنهك فيها الأعراض ما يسمح بفرض خياراتهم وتقوية السفاء منهم وحملهم إلى مراكز القرار وتمرير الأجندات الجاهزة في مواصلة عمليات الخراب، ومنه إلى استسلام هذه المجتمعات وتسليمها بالأمر الواقع واكتفائها بالعيش وفق منظومات قيمية جديدة. الإباحية السلاح الأكثر فتكا يقول الدكتور حسن السرّاب، في كتابه "الإباحية الجنسية سلاح دمار شامل"، "إن معركة الإباحية الجنسية بدأت في الجنّة مع أبوينا آدم وحواء عليهما السلام حين سعى إبليس إلى نزع لباسهما عنهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم والقبيل مستمر في نزع اللباس وإظهار العورات وتحريض الناس على الطواف في البيوت والشوارع والبر والبحر وهم عراة، بل تحريضهم على إتيان المنكر علانية وافتخارا". ويضيف السرّاب "لا تظنوا أن هذه الحرب الشاملة غير فتاكة، بل هي أشد فتكا من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، لأنها تفتك بالناس وهم ينظرون وهم يرقصون وهم يشتهون". "ولنتساءل قليلاً: كيف صار لمن كان يُعاير بالشذوذ حقوق، بل صار ذلك الشذوذ حقاً محروساً لكل من شاء، وكيف صار الاعتراف بالهولوكوست وحقوق اليهود فرضاً مقدساً يُحاكم كل من يقترب منه ولو بالنقد الموضوعي المجرد؟؟، كيف صار الإلحاد والاستهزاء بالرّب والرسل والأديان حرية شخصية ليس لأحد الاعتراض عليها؟؟، كيف برزت تلك القِيَم حتى طفت فوق كل الأعراف والمفاهيم الراسخة على مدار القرون؟؟، إنها القوّة، ولا شيء سوى القوّة، ليست الحجة، ولا الإقناع، ولا البحث العلمي، ولا الموافقة الفطرية". الغرب لم يرم المنشفة يوما في معركته مع الإسلام والعرب على الخصوص، ومع الإنفجار التكنولوجي وظف هذا الأخير كسلاح فتّاك في تدمير القيم العربية التي لم يفلح في القضاء عليها بالقوة المسلحة وحدها. كثير من الدراسات الغربية تفيد بخطورة الصور والأفلام الاباحية عبر الإنترنت وتأثيرها على الأسرة والمجتمع وامتدادها إلى بروز ظواهر العنف والقتل والاغتصاب والجريمة المنظمة، هذه الدراسات تستغل حاليا في تدمير النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية ولو كان الناس لا يتأثرون بما يشاهدون لما أنفقت هذه الشركات تلك المبالغ السنوية الطائلة في هذا الصدد. من المخزي أن تعلن وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة الدعارة والإباحية الخلقية تجارة رائجة جدا يبلغ رأس مالها ثمانية مليار دولارا، ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظمة. تفيد إحصائيات عامة أنه:يبلغ إجمالي عدد الزوار الشهري للمواقع الإباحية على الشبكة أكثر من 72 مليون زائر،وأكثر الدول تصفحا للمواقع الإباحية حسب الترتيب (الولاياتالمتحدة، إيران، الإمارات، مصر، البحرين، الكويت، الهند، قطر، السعودية، الصين. ذكرت صحيفة "ترين" الفنّية الاسكتلندية، أن أثرياء العرب أصبحوا يشكلون منافسا قويّا لرجال أعمال إسرائيليين لا يمتلكون أكثر من 30 قناة إباحية.وفي أي حال من الأحوال، يبدو أن الضحيّة الأولى من هذه المنافسة هو الشباب العربي، إذ أنه حتى القنوات المملوكة لرجال أعمال إسرائيليين موجهة في أغلبها إلى العالم العربي. وبحسب الصحيفة، فإن رجال الأعمال العرب حققوا أرباحا تفوق المليار يورو في السنوات ال7 الأخيرة، عبر تقديم مواد جنسية للبالغين فقط، وتوفير خدمة الاتصال الهاتفي والتواصل مع فتيات لهم، ويتربع رجال الأعمال المصريين على عرش الصدارة بين نظرائهم العرب، إذ يمتلك أكثر من 15 مصريا ما يزيد عن 56 قناة إباحية، وذلك علاوة على وجود أسماء لرجال أعمال من لبنانوقطر والمغرب وتونس والجزائر بالإضافة إلى مصر، بين أكبر المساهمين في باقات "سيغما" و"ألفا" و"دلتا" و"مالت فيجن". وتفيد الشركات الأوربية الناشطة في مجال الأقمار الاصطناعية في الشرق الأوسط بتزايد الطلبات للحصول على بطاقات مشفرة سواء الشهرية أوالسنوية منها، ممايجعل هذا المجال جذابا لأصحاب رؤوس الأموال الراغبين بالاستثمار. ولأن الموضوع طويل عريض لا يمكن الإيفاء بحقه في مقال واحد، نستخلص أن معركة الغرب مع الإسلام مستمرة، وما تشهده المنطقة العربية لا ينحصر في صراع المذاهب والطوائف وتجارة السلاح وسرقة النفط فقط، بل يمتد لأبعد من تقسيم الدول كما يروّج له، يمتد إلى تحطيم العزيمة العربية وفقدان عذرية الاعتزاز بالمقومات الفكرية والدينية والدخول في مرحلة اليأس والقنوط وكره الأوطان والاستسلام لكل العناوين الفاجرة حفاظا على حياته ومستقبله. وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث المغربي عزيز باكوش، أن رأس المال العربي آخذ بالتزايد في حقل صناعة "الأفلام الخليعة"، وفقا لدراسات أجراها الباحث، كما أفاد موقع "البشاير". ويواكب رجال الأعمال العرب المحسوبين على قيم الحداثة ما تطرحه التكنولوجيا الحديثة من إمكانات تسمح لهم بالمزيد من الانتشار، إذ يرسلون لقطات فيديو جنسية بواسطة الهواتف النقالة إلى المتعطشين للحصول عليها، يروجون من خلالها لمواقع في الشبكة العنكبوتية تطرح مواد باسم قنواتهم الفضائية، هذا التيّار مدعم جدا من دوائر صناعة القرار الغربي ومعركته هي لتغيير القيم والمجتمع وفقاً لرؤيته ومفاهيمه التي تقوم أساسا على إخراج الدين من الحياة، وجعله شأناً فردياً على شاكلة السويد وسويسرا والنرويج كما يحلمون، وإعادة النظر في ثوابت وقطعيات دينية كنظام الإرث في الإسلام على سبيل المثال، والتعامل مع النصوص القرآنية والسنة النبوية على أنها نصوص تاريخية، وإعطاء الأولوية للقيم الكونية والمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومادامت أيادي التدمير متوفرة من الداخل فستستمر معركة هدم القيم وتستمر معها معاناة الإنسان العربي حتى يتحقق للقوم ما يرغبون، وتتماهي كل القيّم في قالب واحد ويتحقق ما يسمى بعولمة القيم أو العالم بلا رجال، كما يذكر الكاتب الساخر عزت السعدني، في كتابه " عالم بلا رجال" كتاب ساخر يبحث عن النخوة في "كومة قش" أوأن تتوفر ظروف أخرى ينفرط فيها عقد هؤلاء القوم وتتبخر فيه أحلامهم وينطلق بعدها حماة القيم النبيلة يرسمون عالما من الفضيلة طالما حلمت به الإنسانية جمعاء. قال تعالى "ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كلّ شيء قدير". الآية 109 من سورة البقرة. بقلم الأستاذ: حسين مغازي