كثيرا ما تنظر شعوب العالم الثالث إلى شعوب الدول المتقدمة على أنها شعوب تتميز بمعدل ذكاء عال مقارنة بمجتمعاتنا، وهذه النظرة لا نجدها فقط عند عامة الناس بل عند كثير من المتعلمين والمثقفين. بينما الحقيقة الغائبة والتي يكتشفها أفراد مجتمعاتنا المتخلفة عندما يعاشرون أفراد المجتمعات المتقدمة أن لا شيء يميز هؤلاء من ناحية معدل الذكاء الفطري، وعلى الرغم من ذلك نجد هذه المجتمعات تسير بشكل ينم عن ذكاء تفتقده مجتمعاتنا. لمحاولة فهم هذه الظاهرة شبَّه صديق رياضياتي الذكاء بالشعاع في الهندسة، أي أن الذكاء هو شعاع على رأس كل فرد من المجتمع. وكما هو معلوم، فإن للشعاع اتجاها وطولا وليس مجرد رقم فقط. لهذا فإنه في مجتمع ما يجب أن نميز بين الذكاء الفردي والذكاء الجماعي. فإذا كان الذكاء الفردي واضح المعالم، فإن الذكاء الجماعي لا يعكس بالضرورة معدل ذكاء الأفراد بل اتجاهاتهم النسبية أيضا. فالذكاء الجماعي هو محصلة ذكاء جميع الأفراد، وبما أن الذكاء عبارة عن شعاع وليس عددا "موجبا" فإننا قد نجد وبكل سهولة مجتمعا يتميز أفراده بمعدل ذكاء طبيعي أو عالٍ، ولكن بسبب توجه الأشعة الفردية في اتجاهات مختلفة تكون محصلة الذكاء الجماعي لهذا المجتمع شبه معدومة. وعليه ومن الناحية الجماعية لا يختلف هذا المجتمع المكون من أفراد أذكياء عن مجتمع مكون من أفراد أغبياء أو متخلفين ذهنيا. جدير بالإشارة هنا إلى أن انعدام الذكاء الجماعي قد يكون ناتجا عن ظاهرتين، فقد ينعدم الذكاء الجماعي لمجتمع ما بسبب حالة الفوضى التي يعيشها المجتمع نتيجة لغياب أي محدد لاتجاه ذكاء الأفراد، مشروع مجتمعي مثلا أو مرجعيات، وبهذا يكون ذكاؤهم مشتتا ومتجها في اتجاهات متعاكسة. أما الحالة الثانية فهي الانقسام المجتمعي، فقد نجد دولة يكون فيها المجتمع منقسما إلى مجموعات اجتماعية متناحرة، ذكاء كل مجموعة عال، ولكنه موجها في اتجاه مخالف للمجموعات الأخرى، وبهذا نصل إلى نفس النتيجة، وهي دولة فاشلة، وقد نصل إلى حالة من الاحتراب الأهلي أو التقسيم، فلبنان مثلا نموذج واضح لدولة مقسمة إلى مجتمعات تتميز بذكاء عال، ولكن تعمل في اتجاهات مختلفة، مما أوصلها إلى الفشل العام. أما إذا عدنا إلى الحالة الجزائرية فإننا للأسف نلاحظ أننا تقريبا نعاني من الفوضى، وكذلك الانقسام المجتمعي، مما يجعل حالتنا أكثر تعقيدا. معضلة أغلب أو كل الدول المتخلفة هي انعدام الذكاء الجماعي، بينما ميزة المجتمعات المتقدمة أنها وصلت إلى قدرة تجميع ذكاء أفرادها وتوجيه أغلبه في اتجاه واحد تقريبا. عملية توجيه ذكاء الأفراد وتنظيمه أو تشتيته داخل المجتمعات المتطورة أو المنتكسة -ما بعد الحضارة- هو نتاج صراعات داخلية طويلة. وعملية ضبط إيقاع الذكاء الاجتماعي لأفراد مجتمع ما وتوجيهه في اتجاه شبه موحد من أشد المسائل تعقيدا في علم الاجتماع السياسي، ولكن الشاهد أن الآلية التي تستطيع توجيه الذكاء الجماعي تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن حقبة إلى أخرى، وأي خطأ في إدارة هذا الذكاء قد يتسبب في تفجير المجتمع.