بقلم : الدكتور يوسف بلمهدي بعد أن رسخ رمضان فيك الرحمة في أوله وعاد بك الله إلى الفطرة ووفر لك كامل أجواء العمل والصلاح وصرت تنظر إلى الكون برؤية جديدة، هاهي العشرة الثانية من رمضان تفتح أمامك ميلادا جديداً بدون ذنوب، فأنت الآن مع الله كما ولدت صفحة جديدة، فبعد عشرة الرحمة التي تخرجت فيها بشهادة من الرحمان الرحيم تقودك إلى العمل أكثر وبتركيز أكبر لتحصل على اعتماد المغفرة، ولكن عن أي مغفرة تحصل في عشرة أيام نتحدث ؟؟ أي نعم هل يغفر الله كل الذنوب والخطايا التي يرتكبها الإنسان في رمضان. أعتقد أن الأمر ليس كذلك إلا فيما يتعلق بالذنوب المتعلقة بالخالق سبحانه على اعتبار أن الذي يصوم رمضان كما قال عليه الصلاة والسلام: يُغفر له ما تقدم من ذنبه، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) متفق عليه ولكن لئلا نقع في الوهم والحقيقة المرّة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لئلا نقع في الوهم، كما يقول الشيخ محمد راتب النابلسي: الذنوب التي تغفر في رمضان، وتغفر في الحج، وتغفر عقب التوبة النصوح ما كان بينك وبين الله، حصراً، لكن ما كان بينك وبين الخلق هذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك قال تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ ( سورة الأحقاف الآية: 31 ) مِن للتبعيض، يعني ما كان بين العبد وربه يغفر في رمضان، وما كان بين العبد وأخيه الإنسان لا يغفر ولو كنت شهيداً. (( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)) [ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو]. فحقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة والفرق كبير، فلئلا يطمع الإنسان الذي عليه دين قديم، أو عليه ذمة، أو عليه واجب تجاه أحد أقاربه يأتي رمضان، والله يغفر الذنوب جميعاً، الذنوب التي بينك وبين الله حصراً تغفر في رمضان، وما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (( ذنب لا يغفر وهو الشرك بالله وذنب لا يترك وهو ما كان بينك وبين العباد وذنب يغفر ما كان بينك وبين الله )) [ أخرجه الطبراني عن سلمان ] إذاً: (( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))، [ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ]، فيما كان بينك وبين الله. (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) فيما بينك وبين الله، (( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) فيما ما كان بينك وبين الله، لكن ما بينك وبين العباد هو ذنب لا يترك، فالاعتقاد ان المغفرة في رمضان كاملة وهمٌ مريح لا أساس له من الصحة الشرعية: وقد جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تُطل، فقال عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله ثم استقم، قال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك قال: إذاً فاستعد للبلاء وهذا كلام دقيق إن لم تستقم فاستعد للبلاء. (( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر )) [ أخرجه ابن العساكر عن البراء ] وجاء أعرابي آخر، قال: يا رسول الله عظني، ولا تُطل، تلا عليه قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾ قال هذا الأعرابي: لقد كُفيت، يكفيني ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل، معنى فقه ؛ أصبح فقيهاً. وهنا لابد من التفريق بين العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية:على اعتبار الارتباط الحاصل بينهما و هو مايميز الإسلام عن غيره من الشرائع الأخرى نقصد الإيمان بكل الكتاب وليس ببعضه. فلا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية: فالعبرة أن تكون مقبولاً عند الله عز وجل، لذلك نحن في عبادة شعائرية، الصوم، والصلاة عبادة شعائرية، والحج عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه: (( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ] من المفلس؟ الذي يصلي ولا يستقيم. (( ويؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورا، قيل: يا رسول الله جَلِّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ] إذاً: (( الصلاة عماد الدين )) [ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ] بشرط أن تستقيم. ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾( سورة فصلت الآية: 30 )﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ( سورة النساء الآية: 57 )، نريد مسلما مثل هذا الراعي !!! ابن سيدنا عمر امتحن راعياً، قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟، هذا الراعي على ضعف ثقافته وضع يده على جوهر الدين. فصيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر. ولمن تقدم هذه الزكاة. تقدم إلى الفقراء في ربط بديع بين العبادات. يتبع…