باتنة: افتتاح المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الناطق بالأمازيغية في طبعته ال13    قسنطينة: دخول عدة هياكل صحية عمومية جديدة ستعزز منظومة القطاع بالولاية    رئيس الجمهورية يعين واليين جديدين لولايتي وهران وسيدي بلعباس    الوكالة الوطنية لدعم و تنمية المقاولاتية تطلق برنامجا وطنيا للنهوض بقطاع المؤسسات المصغرة    مالية: 2025 ستكون سنة تعزيز مسار الرقمنة بامتياز    قوجيل: التضامن الثابت والفعلي مع الشعب الفلسطيني هو رهان العالم اليوم ومبدأ وطني للجزائر    سهرة الفنون القتالية المختلطة: عشاق الاختصاص على موعد مع 10 منازلات احترافية الجمعة بقاعة حرشة حسان    افتتاح السنة القضائية الجديدة بولايات جنوب البلاد    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية    المشروع سيكون جاهزا في 2025..خلية يقظة لحماية الأطفال من مخاطر الفضاء الافتراضي    مفوضية الاتحاد الأوروبي: جميع الدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ أمر الاعتقال الصادر بحق مسؤولين صهيونيين    ملبنات خاصة ستشرع في انتاج أكياس حليب البقر المدعم في 2025    حوادث الطرقات: وفاة 41 شخصا وإصابة 193 آخرين خلال أسبوع    السيد بلمهدي يشرف على انطلاق الدورة الثانية لتأهيل محكمي المسابقات القرآنية    أشغال عمومية: صيانة الطرقات ستحظى بأولوية الوزارة الوصية خلال المرحلة القادمة    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائر تتوج بثلاث ذهبيات جديدة في الجيدو وأخرى في الكرة الطائرة    العدوان الصهيوني: 2500 طفل في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي    مولوجي تستقبل رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني    تدشين "دار الصنعة" بالجزائر العاصمة, فضاء ثقافي جديد مخصص للفنون والصناعات التقليدية    لبنان: إصابتان في قصف للكيان الصهيوني جنوب البلاد في ثاني أيام الهدنة    شركات مصرية ترغب في المشاركة    الحسني: فلسطين قضيتنا الأولى    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    الحكومة تدرس آليات تنفيذ توجيهات الرئيس    سوناطراك تشارك في صالون كوت ديفوار    البرتغال تستضيف الندوة ال48 ل أوكوكو    عطّاف يدعو إلى مبادرات فعلية وجريئة    الرئيس يُجدّد دعم الجزائر لشعب فلسطين    معسكر تحيي ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر    ركاش يروّج لوجهة الجزائر    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    ميناءا عنابة وجيجل بمواصفات عالمية قريبا    الإطار المعيشي اللائق للمواطن التزام يتجسّد    الارتقاء بالتعاون العسكري بما يتوافق والتقارب السياسي المتميّز    198 مترشح في مسابقة أداء صلاة التراويح بالمهجر    أوامر لإعادة الاعتبار لميناء الجزائر    انتقادات قوية لمدرب الترجي بسبب إصابة بلايلي    عطال يتعرض لإصابة جديدة ويرهن مستقبله مع "الخضر"    مدرب فينورد ونجوم هولندا ينبهرون بحاج موسى    فحص انتقائي ل60900 تلميذ    بللو يدعو المبدعين لتحقيق نهضة ثقافية    "فوبيا" دعوة للتشبث برحيق الحياة وشمس الأمل    الجلفة عاصمة للثقافة والتراث النايلي    حرفية تلج عالم الإبداع عن طريق ابنتها المعاقة    إرث متوغِّل في عمق الصحراء    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشوراقراطية: وسط بين غلاة الشورى وأدعياء الديمقراطية


بقلم : فاروق أبو سراج الذهب طيفور
مدير مركز المنظور الحضاري للدراسات الافرو-آسيوية والسياسات البديلة
أوجه التشابه والاختلاف الشورى والديمقراطية
الحلقة 06
يقول الدكتور فهمي هويدي"يظلم الإسلام مرتين مرة عندما يقارن بالديمقراطية، ومرة عندما يقال أنه ضد الديمقراطية، إذ المقارنة بين الاثنين خاطئة، وادعاء التنافي خطيئة. المقارنة متعذرة من الناحية المنهجية، بين الإسلام الذي هو دين ورسالة تتضمن مبادئ تنظم عبادات الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم، وبين الديمقراطية التي هي نظام للحكم وآلية للمشاركة وعنوان محمل بالعديد من القيم الإيجابية…باعتبار أن للإسلام مشروعه الحضاري الخاص، بينما الديمقراطية جزء من مشروع حضاري مغاير وهذا الاختلاف لا ينبغي أن يحمل بمعنى التضاد والخصومة، حيث يظل مجال الاتفاق قائما في بعض القيم الأساسية والمثل العليا لكنه ينبغي أن يفهم في إطار التنوع والتمايز " بل يذهب فهمي هويدي إلى أبعد من ذلك ليقول "لا يحسبن أحد أنه يمكن أن تقوم لنا قائمة بغير الإسلام، أو أن يستقيم لنا حال بغير الديمقراطية، إذ بغير الإسلام تزهق روح الأمة، وبغير الديمقراطية التي نرى فيها مقابلا للشورى السياسية يحبط عملها" ثم يحدد ماهية الديمقراطية التي يريد التفاعل معها "الديمقراطية التي نقبلها ونعتبرها مقابلا للشورى، أو ترجمة معاصرة لها، هي تلك التي لا تحل حراما ولا تحرم حلالا" إنه عندما تعقد المقارنة بين الإسلام والديمقراطية فإن رهان الديمقراطية خاسر- بلا شك- فهذا أمر غير منطقي ولا مجال للمقارنة بين دين من عند الله يشمل كل مناحي الحياة وبين مبدأ يشكل جزءا من البناء الفكري لحضارة معينة وهو ما يؤكد عليه السيد قطب بقوله "بعض من يتحدثون عن النظام الإسلامي يجتهدون في أن يعقدوا الصلات والمشابهة بينه وبين أنواع النظم التي عرفتها البشرية قديما وحديثا، قبل الإسلام وبعده. ويعتقد بعضهم أنه يجد للإسلام سندا قويا حين يعقد الصلة بينه وبين نظام آخر من النظم العالمية القديمة أو الحديثة. إن هذه المحاولة إن هي إلا إحساس داخلي بالهزيمة أمام النظم البشرية التي صاغها البشر لأنفسهم في معزل عن الله….إن القاعدة التي يقوم عليها النظام الإسلامي تختلف عن القواعد التي تقوم عليها الأنظمة البشرية جميعا".

وأظن أن الحساسية المفرطة التي كانت تسيطر على العقل المسلم خلال مراحل حرجة من مراحل الأمة " جعل الموضوع يتجه نحو ما أسميه بالقياس الشامل، قياس الكل ضد الكل، الكل الغربي الديمقراطية- والكل الإسلامي الشريعة-".

وإن كان الشيخ محمد الغزالي قد حاول الفصل بين الجزء والكل، إلا أنه فصل حذر لا يخلو من نبرة شك حين يقول "والديمقراطية الحديثة تخضع الحاكم لرأي الكثرة، وتمنح السلطة التشريعية من التدخل في شؤون السلطة التنفيذية المحضة، فإن كان الذين يريدون إطلاق سلطة الحاكم عن دائرة الشورى يعنون ذلك فلا حرج عليهم، وإلا فكلامهم لغو لا يعتد به" وبنفس النهج والنفس يستر في تصريف موقفه " والأمة الإسلامية مصدر السلطات التي تنشأ بين ظهرانيها. وأعني أنها وحدها صاحبة الحق في اختيار الرجال الذين يولون أمرهم وفي محاسبتهم على ما يقومون به من أعمال، وفي ذمهم أو الثناء عليهم، وفي معاقبتهم إن أساؤوا وفي عزلهم ، وكلمة "مصدر السلطة" من مصطلحات العصر الحاضر، ونحن لا نهتم بالاسم وإنما نهتم بالحقيقة والمدلول، كما أننا نرفض التلاعب بالألفاظ … وهذا هو ما نقصده بكلمة "الأمة مصدر السلطة" ولا يجرؤ أحد على إنكار ما نقرره هنا، وما نقرره هو ما تزعمه، أن صدقا وإن كذبا، شتى الأنظمة الإنسانية الحديثة.." .

ما يمكن أن نخلص إليه هو أن الديمقراطية لا يجب أن توضع في مقابل الإسلام بل الأصح أن توضع مقابل مقابلة تكامل لا مقابلة مقارنة- جزئية منه بغض النظر عن أحكام القيمة (صح/خطأ، سليم /غير سليم )- ألا وهي جزئية نظام الحكم أو تدبير الشأن السياسي للدولة، على اعتبار أن هذا الأمر ليس من أركان الدين الإسلامي ولا من أساسياته، وأنه خاضع للاجتهاد بانتمائه إلى المرتبة الثالثة من مراتب التشريع (الإجماع).

* أوجه الاختلاف بين الشورى والديمقراطية:

إذا اعتبرنا الديمقراطية مذهباً اجتماعياً قائماً بذاته فليس لنا أن نقول إنها من الإسلام، أو أن الإسلام يقبلها ويستسيغها ويتضمنها، إذ هما مذهبان مختلفان في أصولهما وجذورهما، أو فلسفتهما، ونتائج تطبيقها ولكننا إذا نظرنا إليها على أنها اتجاه يحارب الفردية،والاستبداد والاستئثار، والتمييز، ويسعى في سبيل جمهرة الشعب ويشركه في الحكم، وفي مراقبة الحكام، وسؤالهم عن أعمالهم ومحاسبتهم عليها، فالإسلام ذو نزعة ديمقراطية بهذا المعنى بلا جدال، أو أن للإسلام ديمقراطيته الخاصة به أي نظامه يمنع استبداد الحكام واستئثارهم، ويمكّن الشعب من مراقبتهم ومحاسبتهم.

إن ثمة أوجهاً للاتفاق كثيرة ما بين الإسلام والديمقراطية، لكن أوجه الاختلاف أكبر، وعليه سنحصر الخلاف في أهم النقاط المركزية , علماً أن البعض أوصلها إلى أكثر من خمس وعشرين نقطة وجعل منها حاجزاَ للفصل مابين الشورى والديمقراطية لاعتبار أنه مهما يكن من التقاء في بعض الإجراءات , فإن هذا الفارق الضخم يصعب تجاهله.
أ – أن الديمقراطية غالباَ ما كانت تمارس في أنظمة سياسية لادينية , لاسيما في الغرب , لأن الاعتقاد كان سائداَ أن الحكم الديني ينتج طبقة كهنوتية ويجعل الحاكم مقدساَ , وبالتالي حصر العلاقة ويصادر الرأي المخالف , ويتم إصدار أحكام الكفر والزندقة ضد المعارضين , كما حدث في أزمة الكنيسة والعلم في أوروبا.

في حين أن الشورى تنبع عن مجتمع يؤمن بأن الإسلام لا يحكم بعيداَ عن معاني الإيمان المرتبطة بالحياة بكافة أشكالها وصورها ويجعل الدين منهاجاَ للحياة , ولا يحصر العبادة في طائفة أو فرقة وإن كانت حاكمة أو عالمة.
ب – إذا تم حصر أهداف الديمقراطية في القضايا المادية البحتة , أوعزلها بالسياسة والحكم , فهذا تجميد لمعناها وقدرتها على الانسجام مع تطور المجتمعات , في حين أن الشورى تسعى الى بحث كل المسائل والقضايا ذات صلة المادية أو الروحية , فالشورى تبدأ من النطاق الأسري الصغير إلى دائرة القبيلة والعشيرة والمجتمع والدولة , وبالتالي تتحقق المشاركة الشعبية فضلاَ عن مشاركة النخب السياسية في إدارة الدولة والحكم.

ج – أن مفهوم الأمة لايتحدد في الإسلام بجنس أو عرق أو أرض , بل بمفهوم الأمة الأوسع وبالتالي روح العقيدة الإسلامية ومفهوم الوحدة بين المسلمين هي الأصل , في ظل وجود مفارقات سياسية , في حين أن النظام الديمقراطي يحدد ذلك في قطر معين , مع وجود المشاحنات والتنافر بين أبناء القطر الواحد .

س- في النظام الديمقراطي يكون الشعب هو مصدر التشريع وبالتحديد في إيكال أمر التمثيل إلى فئة تمثلهم في البرلمان أو المجلس النيابي , علما ان أرادة الشعب تتمثل غالباَ في الأغلبية أو الأكثرية , كما أن النظام النيابي أو البرلماني الديمقراطي يعوزه نوع من الدقة في مسألة التمثيل النسبي وهو أن ينال كل حزب سياسي نصيباَ من مقاعد الهيئة التشريعية , يتناسب مع ماناله من مجمل الأصوات التي أدلي بها في الانتخابات وهو يتيح أيضاَ فرصاَ لمرشحي أحزاب الأقلية في الانتخابات للحصول على مقاعد فى المجلس , إلى ضبابية البرامج الانتخابية والدعائية , أي أن الذين يمثلون الشعب ليس بالتأكيد هم الشرعية وإن كانوا حاصلين على تفويض بناءَ على إجراءات النظام البرلماني .

في حين أن في نظام الشورى يكون التشريع فيه لله , عز وجل وحده والحاكمية له سبحانه، وحتى في المسائل الاجتهادية أو الخلافية، الأصل أن لاتخرج عن مقررات الشريعة وهذا مايوازيه في النظام الديمقراطي السيادة في الفكر الغربي , بيد أن سلطة الشعب في ظل النظام الإسلامي ليس مطلقة , بل هي مقيدة بمقرارات الشريعة وأحكامها أو بصورة أوضح , أن الديمقراطية تتجاهل المبادئ العليا والشرائع السماوية , بل قد تكون في بعض الأحيان في حال رفض وازدراء لكل المعتقدات السماوية( توفيق الشاوي، فقه الشورى والإستشارة ,دار الوفاء للطباعة والنشر ،ط2،القاهرة ،1992 ص 86.).
ج- أن الشورى مرتبطة بالنظام الإسلامي الذي يجمع مابين الأخلاق والتشريع والعمل السياسي الإسلامي، لا يخرج عن إطار العمل الأخلاقي، لأن الغاية من هذا النظام هو العمل على كسب الدنيا والآخرة معاَ، من خلال تحقيق مصالح الأفراد والدولة بصورة فيها صلاح وعمران لمفهوم الاستخلاف في الأرض .

في حين أن الديمقراطية تخضع غالباَ في الفكر الغربي إلى تحصيل المنافع والقيم النسبية , حسب رأي الأغلبية , لاسيما إذا كانت الأغلبية مطلقة وعليه قد تقع الحيل والمخادعات وسياسات مكيا فيللي،' الغاية تبرر الوسيلة'، مما يوقع الفساد الأخلاقي والإصلاحي بإسم الديمقراطية .

سيما إذا كان الدستور والقيم تنحصر في هذه الأغلبية , فمن الممكن أن تنحصر القيم التي تحكم الإجراءات الديمقراطية , وأن يقرر الناخبون القانون والقيمة , بدون أي مرجعية أخلاقية أو معرفية , كما فعل هتلر بعد حصوله على الأغلبية من خلال العملية الديمقراطية فقام بتصفية الأقليات العرقية والدينية بموافقة الأغلبية الألمانية , وهذا النوع من الديمقراطية هو الممارس في الغرب، إذ بهذا النظام القائم على تحصيل المنفعة واللذة يمكن إجازة الزواج المثلي، أو السحاق أو الإجهاض، وغير ذلك من الأفعال المخالفة للقيم الإنسانية بحجج تحصيل الأغلبية من النواب , إذ يكون بعضهم مرشحاَ من قبل هذه الجمعيات الشاذة أخلاقيا وهذا مايجعلنا نؤكد على أن الأنظمة الغربية تقوم على منظومة قيم تختلف جذريا عن تلك القائمة عند المسلمين وليس المشكلة في النظام السياسي فقط , بل إجراءات تحصيل المصلحة للشعوب وهذا يعود بالأساس إلى فلسفة القيم والخلق(سامي محمد الصلاحات ،الشورى تنمية مؤسسبة ونهوض حضاري ،ص321.).

أن قيمة الشورى كمفهوم شرعي لها من الدلالات والمعاني الإيمانية ما هو أشمل وأوسع استخداماً واستعمالاً من المقيدات والمحددات في العملية الديمقراطية, إذ أن المواطن في الدولة الإسلامية يستشعر مدى المسؤولية الشرعية أمام الله في إنكار المنكر, وفي حمل الغير على ذلك, أي أن المسؤولية الشرعية أقوى من المسؤولية القانونية في النظام الديمقراطي، عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: إن أول مادخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل, فيقول ياهذا اتق الله ودع ماتصنع, فإنه لا يحل لك, ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده, فلما فعلوا ذلك, ضرب الله قلوب بعضهم ببعض, ثم قال ‘ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ‘. ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يدي الظالم, ولتأطرنه على الحق أطرا, ولتقصرنه على الحق قصراً).

بل أجمع الفقهاء على وجوب طاعة الأئمة والولاة في غير معصية, وعلى تحريمها من المعصية.

* أوجه الاتفاق بين الشورى والديمقراطية:
ويمكن حصر أوجه الاتفاق بينهما في :

أ أن المساواة وحرية الفكر والعقيدة والعدالة الاجتماعية في الشورى والديمقراطية لا تنحصر بالنظام السياسي والحكم فقط, بقدر ما تؤكد على البعد الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ،في ظل كيان إنساني متعاون, وفي إطار أجواء صحية وسليمة لممارسة الحريات الفردية والجماعية.
كما أن منظومة التكافل الاجتماعي ،من خلال فرض الزكاة والصدقات وفرض الخراج على الأغنياء إذا احتاجت الدولة للمال من أجل الدفاع عن البلاد وكفاية الفقراء والمحتاجين والمساكين،وفي كل ذلك تتفق منظومة الشورى والديمقراطية .
كما أن قضية العدالة بصورة عامة تدخل في كل شؤون الدين وتفاصيله, يقول ابن عبد السلام: العدالة شرط في معظم الولايات, لتكون وازعة عن الخيانة والتقصير.
وينطبق هذا أيضاً على الحرية الاقتصادية كما روى جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض, فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه وقد أكد الدكتور وهبة الزحيلي: أن الديمقراطية الاجتماعية في الإسلام كانت أبعد مدى بكثير في حياة المسلمين الأوائل منها في الديمقراطيات الحديثة, كما كانت الديمقراطية السياسية في الإسلام أكثر عناية وتحقيقاً لأهداف الديمقراطية منها بأساليب وشكليات تلك الديمقراطية.
فهما يتفقان على تمكن الفرد من المشاركة في القرارات المصيرية التي تهمه, وتهم المجتمع كله, كما أن الفرد يحصل على نصيب عادل من ثروة بلاده.

ب-أن الأمة أو الشعب هي التي تختار ممثليها أو حكامها فالشورى والديمقراطية تدعوان لتوسيع مشاركة الناس في مجال العمل السياسي, أو بصورة أخرى بناء الأمة سياسياً ويعد هذا واجباً وطنياً, وهناك اتفاق على رفض أي نوع من الاستبداد والانفراد بالرأي.

لعل في تنبيهات الصديق (( رضي الله عنه))عند تسلمه الحكم ما يشير إلى أس الديمقراطية والشورى, عندما قال: أيها الناس: إني وُليت عليكم ولست بخيركم, إن أحسنت فأعينوني, وإن أسأت فقوموني, أطيعوني ما أطلعت الله ورسوله, فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم.

هذا المفهوم الأصيل الذي ذكره الصديق يوضح مدى غرابة وبشاعة الاستبداد والمستبدين عن واقع المنهج الرباني, بل كان من أهداف بعث الأنبياء والرسل محاربة الاستبداد في واقع الأقوام والجماعات سواء أكانت على نطاق الأفراد فرعون نمرود قارون .. أو على نطاق الجماعات. قوم نوح, قوم هود, مشركي قريش, هذا الاستبداد لون واحد ولكنه بشكل متعدد.
وعلى توصيف الكواكبي ت 1320ه أن (( المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم, ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي, فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق, والتداعي بمطالبته, فالمستبد لا يمكن أن يكون رجل دولة, ورجل سياسة , فقط رجل لتلبية الملذات التي تعتريه.
ج- عدم جواز مخالفة مصالح الأمة التي تعقد في الشورى أو الديمقراطية, لأن هذه المصالح تصدر عن طريق الموافقة الجماعية وليس عن طريق الأهواء أو الانفراد بالرأي.

د- هناك مقاربة فيما يسمى في الأنظمة الديمقراطية بحكم الأغلبية, أي أكثر من نصف الأصوات التي أدلى بها, وبها يتم انتخاب الهيئات التشريعية بطريقة التمثيل النسبي حيث يعطى التمثيل النسبي الحزب السياسي نسبة مئوية من مقاعد الهيئة التشريعية, تتناسب مع نصبيه من جملة الأصوات التي أدلى بها في الانتخابات, أي أن النظام يوجب أن توافق الأغلبية على القرار البرلماني حتى يعتمد, ويصبح القرار نافذ المفعول.

في حين أن مبدأ الأغلبية أو الأكثرية معمول به , لو تجاوزنا بعض الملاحظات على استعمال مصطلح الأغلبية في نظام الديمقراطية , وإن كان أمر الأقلية معتبراً.

ولقد اعتمد فقهاء السياسة الشريعة هذا المبدأ, وهو العمل بالأكثرية ومصطلح الأكثرية أو الكثرة معمول به في مباحث التعارض والترجيح ومن ذلك قول الآمدي 631ه: إن الكثرة يحصل بها الترجيح , ثم انتقل للعمل به في مسالك الحكم والسياسة , كما يرى ذلك العلماء منهم الغزالي 505ه وابن تميمة 728ه وعلى لسان الماوردى 450ه قوله : ويكون أهل المسجد أحق بالاختيار, وإذا اختلف أهل المسجد في اختيار إمام عمل على قول الأكثرين.
والملاحظة لأقوال الفقهاء واختلافهم أن استعمالهم عبارة ما ذهب إليه الجمهور وهم يعنون به: الأكثرية من الفقهاء سواء تعلق الأمر بالفقه أو السياسة.

والمشكلة التي يلتفت إليها هنا, هو اعتبار الأغلبية فوق القانون, كما كان يحكم الفلاسفة وأن غالبية الشعب هي الحاكمة لا القانون, فهنا لا نستطيع أن نجعل هذا وجه اتفاق لكن وجه اختلاف أساسي مابين الديمقراطية والشورى, بيد أن تعويلاً على أن الأغلبية الواقعة هنا أغلبية اجتهادية في المصالح العامة، لا أغلبية في أحكام التشريع والقانون.

ه- أن عضوية المجلس النيابة تقارب عضوية مجالس الشورى في العديد من الأشكال والصور، فالعضوية تشترط أن يكون العضو قد بلغ سناً معينة, وأن لا يكون أقترف جرماً يخل بالشرف, وأن يكون حسن السيرة والسلوك, في حين أن المجالس الشورية تشترط ما هو أقرب إلى هذا, وأحكم بالشرع , حيث تشترط أن يكون العضو ملتزماً بدين وأخلاق الإسلام, ذوي خبرة وممارسة وحنكة وأن يكون أهلاً للمسؤولية).
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.