بقلم: فايزة لعمامري لاشك أن اللغة ظاهرة اجتماعية، لسان الفكر وصوته، عنصر من عناصر تدوين التاريخ، ووسيلة من وسائل النهضة الثقافية، وبالتالي هي إحدى مقومات الهوية الحضارية لكل أمة، كل هذا أكده تاريخ الأدب العربي الذي ذكر أنه بعد انتقال عاصمة الخلافة العباسية من بغداد إلى القاهرة، وانتهاء الحكم إلى يد المماليك الجاهلين باللغة العربية وعلومها، ارتأى العرب استعمال شيء من ألفاظ أسيادهم من أجل تسهيل عملية التواصل، ومن هنا دخل اللحن على اللغة ولحق بها ما لحق من ضرر، ثم رويدا رويدا صارت اللغة العربية الفصحى وكأنها تخص اللغويين، والأدباء، والفقهاء..وحدهم، وتفشت اللغة العامية كوسيلة تواصل بين عامة الناس، فما هو واقعها اليوم؟ لقد آلت بعض اللغات إلى الإبادة، ولكن لغة الضاد رسخت وجودها، بل وحققت مكاسب ثمينة على الصعيد العالمي، من حيث أنها تمكنت من دخول أروقة هيئة الأممالمتحدة لتصير لغة رسمية للهيئة بقرار صادف يوم 18 ديسمبر الذي اتخذ يوما عالميا لها، ولعل ما جعلها تصمد هي ديانة الإسلام السماوية، في ظل تحدي اللغات الأجنبية الحية التي أثبتت ذاتها، خاصة وأنها لغة التكنولوجيات، التحدي الذي بلغ عقر الدار أين انكسر اللفظ العربي أمام اللفظ الأجنبي للاستعمار، لتتركب لنا جملة لا شرقية ولا غربية، وإن كنا لا ننكر الحضور الجميل للغات الأخرى وضرورة تعلم بعضها، رغم صدق وواقعية ما قاله مصطفى محمود: "اللغة العربية هي أصل اللغات" ، ولكن إذا كانت تلك ضرورة فإن هذه فرض يجب أن نتخذ إليه سبيلا، وليس لمن استطاع إليه سبيلا، وفي ذلك يأخذ الإعلام على عاتقه كثيرا من المسؤولية، ولكنه ابتعد تماما، فقد انجرّ وراء لهجة الشوارع والبيوت العربية، ولا كارثة أعظم من كارثة أن الكاتب أيضا صار ينجرّ وراء تلك اللهجة خاصة في الكتابات الروائية، في الوقت الذي كان يفترض به أن يرقى بالمستوى اللغوي لقارئه، أما في المجال الفني فالواقع مرير بكل مقاييس المرارة، فاللغة العربية الفصيحة لا تكاد تظهر إلا في الأعمال التاريخية والدينية، رغم أن هذه الأخيرة هي الأكثر نجاحا، على غرار: الرسالة، عمر بن الخطاب، عنترة بن شداد، كليوباترة. .ولعل ما يلخص كل ما ورد وما لم يَرِد في هذا النص هو ما قاله نزار قباني ذات يوم: إن اللغة العربية تضايقهم لأنهم لا يستطيعون قراءتها.. تسأل الواحد منهم عن المتنبي، فينظر إليك باشمئزاز كأنك تحدثه عن الزائدة الدودية، يرد عليك بأنه لا يشتري أسطوانات عربية، ولا يحضر أفلاما عربية، إنهم يريدون أن يفتحوا العالم، وهم عاجزون عن فتح كتاب –انتهى قوله. إن اللغة العربية من اللغات السامية والسامية، ومن عرف قدرها فقد عرف قدر نفسه، واستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، لأنه لا أحد يستطيع أن يحقق نهضة ولا حق له أن يتحدث عن ثورة فكرية أو ثقافية وهو لازال يخجل من هويته وأصوله.