بقلم: د. محمد بوضياف تمثل فرنسا القوة المركزية في المنطقة الاورومتوسطية، الراعية للمصالح الرأسمالية العالمية بحسب نظرية تقسيم العمل داخل هذه المنظومة، ولولا ان حق المنافسة الاقتصادية العالمية مفتوح على كل الشركاء، رغم احتفاظها بكثير من التفضيلات لمنعت ايا كان من الاقتراب من حدائقها في الضفة الجنوبية من المتوسط.. لكن للعولمة الاقتصادية ضريبة. وحتى تحافظ فرنسا على الوضع وترعاه، يتعاقب شبابها وشيبها في زيارات مكوكية لا تنقطع، بل زادت منذ ان هزت فرنسا العجوز ازمة مالية أربكتها ذكرتها بأن الجزائر طوق للنجاة، ومرتكز سياسي امني واقتصادي مالي وثقافي اجتماعي يمكن استغلاله لتصريف الازمة اولا والفوز بإفريقيا، التي اصبحت رهانا لكثير من القوى الاجنبية عن المنطقة… لقد التقى ماركون الشاب المرشح لرئاسيات فرنسا بقادة مختلف الورشات التي فتحتها شراكة هولوند "الحميمية" مع الجزائر، فمشكلة الامن الجواري لأوروبا اللاتينية، والذي تبذل الجزائر فيه قصارى جهدها للحفاظ عليه، رغم الابتزاز الصارخ الذي تمارسه فرنسا وعلى أعلى المستويات األممية في اطار لعبة المساومة على الملفات المتنازع عليها في المنطقة، بالإضافة الى مسائل الهجرة غير الشرعية المزمن، واللجوء السياسي الذي بدأ يضايقها بسبب تصاعد العمل الارهابي والتوجس األمني من الاجانب، وهي بلا شك محاور انتخابية تحتاج الى اجوبة واضحة للناخب الفرنسي، فكانت زيارة ماركون للسيد لعمامرة… كما ان التقاء الشاب الفرنسي بالسيد حداد، قائد التحدي الجزائري الافريقي، كانت مناسبة لتقدير مكانة فرنسا في خارطة القطاع الخاص الجزائري، وإمكانية استغلال ذلك لمزيد من التمدد والرسوخ في وعي هذا القطاع الناشئ، والذي يمكن ان يكون جسرا لتعميق التبعية الاقتصادية ورهن الحركية التي تعرفها الجزائر بالمصالح الفرنسية، كما ان زيارة المرشح الفرنسي والتقائه بالوزير بوشوارب هو تكريس لأفضلية فرنسا في الجأندة الصناعية الجزائرية وأولوية شركاتها في الاستثمار في ظل حظور آسيوي وهجوم أمريكي مرتقب… اللقاء مع السيد عيسى وزير الشؤون الدينية، هو اعتراف من السيد ماركون بأن الدين اصبح بعدا بارزا في العلاقات الفرنسية الجزائرية، وأن ما تبتدعه مؤسسة السيد شوفانمون قد يعود بالوبال على امن واستقرار فرنسا ولا بد من الاستشارة، فلا يمكن لفرنسا احتكار التوجيه والتكوين في اطار لعبة تأطير الدين الاسلامي في فرنسا دون الاستعانة بالخبرة الجزائرية، وفتح خطوط الرجعة في حال عجزت امام جالية تعاني بوادر مرحلة يطبعها الفكر العنصري الذي تلوح به ماري لوبان… اما جوهر هذه اللقاءات ولبّها فهو لقاء السيدة بن غبريط راعية المشروع الثقافي الفرنسي، المنهزم في عقر داره، والاطلاع على متانة البناء، وصمام امان مشروع إعادة هيكلة التبعية، اذ كيف يتسنى لمرشح رئاسي تهمه المصالح الاقتصادية واألمنية بالأساس ان يطيل الجلوس لوزيرة التربية والتعليم، وكان حري به ان يجلس لوزير التكوين المهني حتى يعزز التعاون ويسهل نقل التكنولوجيا وخبرة التسيير، لا ان يناقش العوائق التي تعترض تطبيق اجيال التعليم بعد رحيل مخضرمي المنظومة التربوية، واستفراد الوزيرة بجيل جديد من الاساتذة كسرت البطالة كل ارادة فيهم… هذه بعض الاستنتاجات التي قد تكون شكلت محاور زيارة الرئيس المرشح قبل ان يعود الى بلده يحمل اخبارا سارة لشعبه بأن الجزائر كنز ثمين لا يمكننا التفريط فيه، ما دام يستقبلنا بالحضن ويفتح لنا كل الابواب…