ليلى محمد بلخير الإيمان رسالة أولي العزم من الرسل عليهم السلام منهج القرآن الكريم هو طريقة القرآن في عرض العقيدة وترسيخ قيم الإيمان، وبما أن كل سورة في القرآن، وحدة متكاملة تختلف فيها الوسائل، وتجتمع المقاصد والأهداف، فالقصة إحدى وسائلها المتسقة وفق المقصد العام. ولذلك اقتضت الضرورة معرفة أسباب نزول الآيات، لأن منهج القرآن في عرض القصص مرتبط بأحداث ووقائع الرسالة الخاتمة، كما هو مرتبط بوحدة السورة في هيكلها ومقاصدها، لأن كل قصة متصلة بالهدف المحوري للمنهج القرآني العام، والتركيز على توصيل الدرس العملي التطبيقي، من خلال تحرك الأنبياء الكبار أصحاب الشرائع، أولي العزم من الرسل، في مواقف حية شاخصة متصلة بالحقائق الإنسانية العامة والخالدة الصالحة لكل زمان ومكان. إن إلقاء نظرة فاحصة على محور سورة الأنبياء، يؤكد سيرها على نسق السور المكية في العناية بالمحور العقدي في أكبر مجالاته، رسالة الأنبياء وسياق السورة يوضح المقصد بتركيز السنن الكونية الكبرى، التي تقوم على الإيمان بالله وتتأسس على التوحيد كأصل لكل القوانين، وهي تدل بكل الدلائل على الحق عز وجل الذي قامت عليه السماوات والأرض وتؤكد على وحدة المصدر مهما اختلفت أسماء الأنبياء ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ -الأنبياء 25- وفي ذلك استهلال بالخطاب التقريري المباشر للحقيقة الأولى والثابتة، التي توارثها الأنبياء جميعا وحمل لواءها أولو العزم خاصة هي الدعوة إلى الإيمان بالله الواحد رغم اختلاف الزمان والمكان، وتنوع الأسماء، فالاتفاق قائم على وحدة الرسالة. ثم يؤكد هذا المقصد بتوزيع الخطاب، بعرض قصص الأوليين في صورة واقعية، تنبض بجمالية الحركة وفي هذا الاستعراض، تتكشف الأسرار التي سبقت في سياق السورة، تظهر في شكل آخر عملي تطبيقي، وقائع في حياة الأنبياء والدعوات، بعد ما ظهرت في صورة قواعد عامة. تم عرض قصص أولي العزم في سورة الأنبياء على نمط واحد في صورة مختزلة وانفردت قصة إبراهيم عليه السلام باتساع وبسط على مستوى البناء الهيكلي العام حيث ظهرت أكثر تفصيلا وامتدادا. وظاهر النص لا يوحي بالعناية بترتيب القصص زمنيا حيث قدمت قصة موسى عليه السلام على إبراهيم عليه السلام وقصة إبراهيم عليه السلام على نوح عليه السلام، والسر الجمالي والمعجز في هذا الترتيب في حسن تساوقه مع مقدمة السورة دون الإخلال بموقع كل رسالة في حركة التاريخ. ونجد أن مقدمة سورة الأنبياء تتحدث عن الإعراض نتيجة الغفلة، دون اعتبار للتحذير من اقتراب الساعة ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم(4)﴾ – الأنبياء الآيات من 1 إلى 4- وبناء على هذا الاستهلال جاء ترتيب قصص أولي العزم من الرسل باعتبار شدة الإعراض وتنسيق المنظومة القصصية على أساس أكثر الأقوام إعراضا قي حركة التاريخ، والبداية كانت بموسى عليه السلام وذلك لمواجهته لإعراض مركب من شقين، الشق الأول فرعون وبطانته، والشق الثاني، بنو إسرائيل، ثم إبراهيم عليه السلام وقد وصل الإعراض إلى حد إلقائه في النار حيا، ثم نوح عليه السلام وما تتسم به أوليته من مشاق وصعوبات مع طول فترة الدعوة ومحنة التكذيب والإعراض، ثم يختم بعيسى عليه السلام باعتباره فرعا مكملا لرسالة موسى عليه السلام هذا الترتيب في نسقه الجمالي لا يخل بموقع كل رسالة في حركة التاريخ لأن الأهداف والمقاصد لا تتجزأ وفق أسماء الرسل، ولا ترتبط بالحدث، كحركة تاريخية على واقعة جغرافية، وإنما الأهداف مرتبطة بالفكرة الأم ومقترنة بالمقصد الأول هو وحدة الدين أي ووحدة القانون الذي يحكمنا ويحدد مسارنا، ومعنى ذلك نوعية القانون واحدة، ومصدره واحد، وإن اختلفت الظروف والتفاصيل. ومن ذلك نخلص إلى أن المنهج القرآني أولى عناية فائقة بعرض وحدة الرسالة في قصص أولي العزم، في وحدة السورة مجسدة التناسق في البناء مع التناسق السنني، في منظومة قصصية موحدة لأداء المهمة الرسالية كقاسم مشترك لقيادة الإنسانية إلى طريق الله.