* المؤتمر يرسّم تسمية الإخوان المسلمين: وفي هذا المؤتمر، تم اختيار اسم (الإخوان المسلمون)، وتم تعريف الإخوان بأنَّهم حركة إسلامية مقرها السودان، وأكدت كلمة مقرها السودان أنها مستقلة نوعا ما عن حركة الإخوان في مصر. وأدت الاستجابة لتحدي اختيار اسم (الإخوان المسلمون) لردود أفعال مختلفة، كما مهّدت لأول انقسام في تاريخ الحركة الإسلامية، حيث تبرأ الأستاذ المرحوم علي طالب الله، أول أمين عام لحركة الإخوان المسلمين على المستوى الشعبي، من تيار مؤتمر 55 ووصفهم بأنهم لا إخوان ولا مسلمين، لأنهم أولا خرجوا عليه وعلى إمامته، كما خرجوا على المنظمة الأم في مصر، وكذلك انسلخ الأستاذ المرحوم بابكر كرار ومجموعة من مؤيديه، نسبة لإسقاط الاسم التاريخي " التحرير الإسلامي "، وربما نسبة لأن الاسم سيضعهم خصوماً للثورة المصرية التي ليس لهم قضية ضدها في خصومتها للإخوان في مصر، وخطورة توريد ذلك للسودان (ورغم اختيار الاسم فإنه لم يستخدم في الساحة العامة، حيث عملت الحركة تحت عنوان جبهة. الدستور الإسلامى ثم جبهة الميثاق الإسلامى بعد ثورة أكتوبر)، وفي هذا المؤتمر تقلّد التيار المحلي مع غلبة الاتجاه الحركي والمحافظ، واستمر هذا الشكل حتى ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بنظام الفريق (عبود) (1958-1964)، وعادت الأحزاب من العمل السري، ومن بينها (الإخوان المسلمون)، وبعد تشكل التنظيم الجبهوي الفضفاض، الذي اعتبرته الأغلبية هو الشكل المناسب للمرحلة، تقرر تأسيس (جبهة الميثاق الإسلامي)، وانتخاب الشيخ (حسن الترابي) أمينا عاما. وجاء بيان25 /11 /1964 معلنا انتصار التوجه السياسي على الدعوي في نشاط الإخوان، ورأت القيادة الجديدة بزعامة (الترابي) أن العمل الجبهوي هو أفضل صيغة للعمل السياسي، تختفي خلفه جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة الأحزاب الطائفية والطرق الصوفية من جانب، والشيوعيين والقوميين والعلمانيين من جانب آخر. ويري المتابعون في هذا التطور انتصارا للتيار السياسي-الحركي والبراغماتي على حساب التوجه التربوي-الفكري، وهو السائد حتي اليوم. * حسن الترابي أمينا عاما للحركة: إن انضمام د. الترابي إلى العمل الإسلامي المنظم، وقبل أن يبلغ عمره ثمانية عشر عاما، كان له الأثر في أن يتمرس على العمل الدعوي والسياسي، فبالإضافة إلى تمكنه من العلوم الشرعية مبكرا، فقد ساعده ذلك في أن يكون له مستقبلا واضح المعالم ليقود جبهة الميثاق، "وقد كان لوالده أثرا قويا في مستقبل ابنه د. حسن الترابي، والذي حفظ القرآن على يديه يافعا واطلع على علوم القرآن وتفاسيره وجملة من علوم اللغة والتوحيد مما يدرس في المراكز العلمية الدينية في السودان". هذه الخلفية العلمية هي التي جعلته لا يتردد في الانضمام إلى العمل الدعوي المنظم، حيث انضم إلى مجموعة من الطلاب الإسلاميين في مدرسة حنتوب الثانوية، فوق ذلك فقد أخذ الابن عن أبيه عاطفة دينية قوية كانت هي الحافز له للإنضمام لثلة من الطلاب الإسلاميين في مدرسة حنتوب الثانوية في النصف الأول من عقد الأربعينات، ثم ما لبث أن التحق بحركة التحرير الإسلامي التي أنشئت بالجامعة 1949م، حيث أصبح من أهم كوادرها وأصلب عناصرها مما أهّله لولاية أمارتها عام 1954م إبان انعقاد مؤتمر العيد، وهو المؤتمر التأسيسي الفعلي للحركة الإسلامية السودانية، والذي انطلقت من بعده للمجتمع الواسع بهمة عالية وخطة قاصدة وسعي حثيث، ثم اجتمعت عدة أسباب وظروف أدت إلى تكوين جبهة الميثاق الإسلامي، واختيار د. الترابي أمينا عاما لها. وفي هذا السياق، كتب الدكتور حسن الشافعي على مشارف انعقاد المؤتمر السابع للحركة الإسلامية عن إشكالية الحركة الإسلامية في السودان كلاما مهما في مضمار فهم طبيعة تكوين وفكر الحركة الإسلامية السودانية، جاء فيه ما يلي: يبدو أن هذه النشأة المتعددة الروافد لم تشكل زخما للحركة بقدر ما شكّلت عائقا أمام ظهورها في كيان واحد، ولعل هذا ما دفع هذه التيارات إلى حسم موقفها من فكرة التنظيم، وكذلك العلاقة بالإخوان المسلمين. وعلى صعيد ذكر العوامل التي ساهمت في رفع أسهم د. الترابي، فبالإضافة إلى علمه الغزير، نجد أن حنكته السياسية كانت وراء قيادته لجبهة الميثاق الإسلامي، حيث أسهمت ثورة أكتوبر في إظهاره كقائد محنك لعب دورا كبيرا إبان الثورة مما جعله رقما لا يمكن تجاوزه، ورفعت أحداث ثورة أكتوبر 1964م من مكانة الإسلاميين، لأن الأدوار الرئيسية كانت من نصيبهم، كما ارتفعت أسهم الترابي ولمع اسمه ابتداء من الندوات، ثم مؤازرته للطلاب في ظروف الثورة الأولى وإشرافه على نقل الجرحى مرورا بقيادته لهيئة الأساتذة في موكب التشييع والاستقالات الجماعية، انتهاء بصلاته مع السياسيين وتحريكه للخيوط حتى سقوط سلطة العساكر، مما أدى إلى اتساع فرصة السياسة له، لذا فقد أقنع الإخوان وانتخبه المكتب السياسي لجبهة الميثاق كسكرتير عام. هكذا نرى الأسباب التي أدت إلى اختيار د. الترابي أمينا عاما لجبهة الميثاق الإسلامي، أما أسباب اختيار هذا المنصب داخل هيكل الحركة الإسلامية فيعود إلى توسيع وظائف المكتب التنفيذي وتحديد اختصاصاته وإيجاد كيان جماهيري، وبموجب ذلك تواضع المؤتمرون على اختيار صيغة جبهة الميثاق الإسلامي، وفي يوم الخميس 25 نوفمبر 1964وفي جلسة مكتملة لمجلس الشوري نوقش التعديل الدستوري الخاص بتوسيع وظائف المكتب التنفيذي وتحديد اختصاصاته وأقرت وظيفة الأمين العام، وبعد ذلك نوقشت الترشيحات المقدمة وانتخب حسن الترابي فيما يشبه الإجماع، كما أقر المجلس خلق كيان جماهيري، ورسي الأمر على اختيار صيغة جبهة الميثاق الإسلامي. لقد تحدث أكثر من مرجع عن أهلية د. الترابي لقيادة جبهة الميثاق الإسلامي لمؤهلاته الدعوية والسياسية. الترابي الذي ارتفعت أسهمه ولمع اسمه في ظروف الثورة، فكان هو الواجهة القيادية المثلى لتنظيم الإخوان، ومن ثم لم يكن هنالك من الناحية العملية وتجاوزا لمقتضيات الظرف السياسي بإعلان حسن الترابي أمينا عاما للإخوان المسلمين. لقد قاد د. الترابي جبهة الميثاق الإسلامي كأول تنظيم دعوي وسياسي في السودان، يهدف إلى جعل الإسلام نظاما للحياة والتخلص من كل الأنظمة التي تخالف الإسلام وتروج للإلحاد. وقد صدر ميثاق الحركة الإسلامية في بداية عام 1965، وهو بمثابة برنامج جبهة الميثاق الإسلامي، وهو يتكون من أربعة أبواب، حيث يبدأ الباب الأول بسؤال، لماذا تنادي بالإسلام نظاما للحياة، وفيه الإجابة عن نظام الإسلام كبديل لسائر الأنظمة التي تنظم الحياة، وتناول الباب الثاني النظام الدستوري، بينما تناول الباب الثالث المشكلة الاقتصادية وكيفية الخروج منها، وتناول الباب الأخير النظام الاجتماعي، وفق لما تقره الشريعة الإسلامية. ويقسم حسن الترابي المراحل التي مرت بها الحركة الإسلامية في السودان إلى سبعة عهود هي : – عهد التكوين. – عهد الظهور الأول. – عهد الكمون الأول. – عهد الخروج العام. – عهد المجاهدة والنمو. – عهد المصالحة والتطور. – عهد النضج. وهي عهود لخص بها الترابي مسارات الحركة الإسلامية في السودان دون أن يكون مستشرفا أنه سيغادر الحركة التي أسسها وقاد أهم مراحلها وغذاها بفكره واجتهاداته، حيث لايمكن أن تتحدث اليوم عن التجربة السودانية دون المرور إجبارا على طبيعة شخصية الترابي وخلفياته الفكرية والسياسية، سيما أن الحركة لم تقتصر في مشروعها على الجانب التربوي والاجتماعي فحسب، وإنما احتل الجانب السياسي مساحة كبيرة في إطارها الفكري والحركي، حيث تبلورت مطالبها بعد الاستقلال في تبني فكرة الدستور الإسلامي للبلاد، لكن جاء انقلاب عبود عام 1958 ليطيح بهذه الفكرة ولتبرز معه أفكار جديدة تتمثل في كيفية التخلص من هذا النظام.
* أفكار الترابي تصنع الاختلاف داخل الحركة وهنا ظهرت للمرة الأولى فكرة السعي للإطاحة بالنظام عبر القوة، وهي فكرة مخالفة لأفكار الإخوان المسلمين كمنهج، رغم أن الإخوان كان لهم دور مهم في حركة الضباط الأحرار في مصر، وهي الحركة التي أنهت عهد الملكية، هذه الجرأة السودانية أثارت جدلا واسعا بين تيارين أساسيين داخل الحركة، الأول يقوده المرشد العام في حينها الرشيد الطاهر بكر، الذي يؤيد فكرة الانقلاب على عبود بالقوة، والثاني يقوده الترابي الذي عارض ذلك، وكانت النتيجة أن قام الطاهر بمحاولة انقلاب فاشلة ترتب عليها اعتقاله، ونجح الترابي في استصدار قرار بإقصائه من منصب مرشد الحركة. والغريب في الأمر أن الترابي بعد وصوله لمنصب الأمين العام للحركة منتصف الستينيات، بدأ يقتنع بأفكار الرشيد الطاهر، حيث لعب –أي الترابي- دورا كبيرا في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس عبود عام 1964، كما لعب دورا مهما في مواجهة نظام نميري من خلال تشكيل الجبهة الوطنية التي تضم قوى المعارضة عام 1976، والتي أنشأت معسكرات تدريبية لها في ليبيا، وبالفعل وصلت إلى الخرطوم، لكن حالت بعض العقبات الفنية دون نجاحها في السيطرة على الحكم. ولعل أسلوب الترابي هذا أثار حفيظة التيار السلمي في الجماعة الذي يتمسك بثوابت الإخوان في عملية تداول السلطة، وكانت النتيجة خروج مجموعة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد وتشكيلها تنظيما خاصا بالإخوان المسلمين عام1977 (خروج مجموعة الصادق كان بسبب الخلاف حول البيعة للتنظيم الدولي ورفض الحركة للفكرة)، وليصبح هناك تياران أساسيان في البلاد هما الإخوان والحركة الإسلامية، ومنذ ذلك الحين هيمن الترابي على الحركة، وسيطرت عليه فكرة الوصول إلى الحكم، فتم ذلك عبر الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي كان يرأسها الصادق المهدي عام 1989، وهي الفترة التي دشنت لحكم الإنقاذ (ثورة الانقاذ الوطني). (كان الترابى ضد فكرة استخدام الجيش للإنقلاب إلا فى الحالة الوقائية بخلاف آخرين في القيادة، توفرت شروط الحالة الوقائية بعد مذكرة الجيش ضد الحركة الإسلامية). وبالرغم من حدوث نوع من التناغم والتفاهم بين القيادة الدينية المتمثلة في الحركة، والقيادة السياسية، فإن طموحات الترابي السياسية ساهمت في التعجيل بحدوث المواجهة مع البشير، خاصة بعد وفاة الزبير صالح، النائب الأول للبشير، وسعي الترابي لأن يحل محله، (وتقول مصادر قريبة أن تدبير الترابي لم يكن ليحل محل البشير، بل كان عثمان هو مرشحه، كان يريد التقليل من نفوذ الجيش على المشروع الإسلامي، ولكن آخرين خالفوه وعلى رأسهم على عثمان نفسه)، وهو ما قوبل برفض شديد من البشير لمعرفته طموحات الترابي السياسية، وكانت النتيجة خروج الترابي بمجموعته، وتشكيل تنظيم ثالث للحركة خاص به، لتصبح لدينا مجموعة القصر الرئاسي (البشير)، ومجموعة المنشية (الترابي)، فضلا عن الإخوان المسلمين. وفي الفترة الأخيرة إنشق القيادي (غازي صلاح الدين) وكوّن في منتصف نوفمبر2013 حزب (حركة الإصلاح الآن). وفي نفس الوقت، شكل بعض الأكاديميين الخارجين عن الحركة مجموعة (الحركة الوطنية للتغيير)، ومجموعة منبر السلام بقيادة المهندس الطيب مصطفى، وهي عبارة عن نوادي صغيرة. وحسب البروفيسور حسن محمد مكي، فإن الحركة الإسلامية السودانية مرت في أعوامها الستين، بمنعطفات عديدة وامتحانات متتالية، كما مرت بمحطات مختلفة أسهمت في تشكلها وتشكل خطابها السياسي والاجتماعي، ويمكن إجمالها في الآتي: * مجابهة مجمل خطاب الحركة اليسارية حول الهوية والوجهة الثقافية وقضية الانتماء والسلوك، علما بأن الحركة الإسلامية كذلك تعلمت من خصومها في أدب المقاومة والعمل السري وبناء الخلايا وعمل التكتلات والمظاهرات والمنشور وكثير من أوجه البناء التنظيمي. * أدب المحنة والابتلاء خصوصا في حقبة الرئيس الأسبق المشير النميري 1969- 1985، كما أن التكوين العقلي والنفسي كان مهيئا أو حاضنا لفكرة المحنة نتيجة للمتابعة المستمرة لما جرى للإخوان المسلمين في مصر وغيرها. * التعلق بفكرة الإصلاح من خلال القانون "الشريعة، الدستور الإسلامي"، ربما نتيجة لأن معظم رواد الحركة من خريجي كليات الشريعة والقانون (صادق عبد الله، بابكر كرار، محمد يوسف محمد، عمر بخيت العوض، الترابي، دفع الله الحاج يوسف، الرشيد الطاهر بكر… إلخ). * الاهتمام بالشباب والمرأة ولعل إسهامات د. الترابي في أدب مخاطبة المرأة، كان لها فعلها في تنمية الحركة الإسلامية النسائية. * التعلق بفكرة إقامة الدولة المسلمة والإمام المسلم عن طريق الإصلاح والتغلغل التدريجي في مظان مفاتيح السلطة والقوة، وكذلك عن طريق الجهاد والقتال، وتوج ذلك بمشروع الإنقاذ في 30 جوان 89، وكان حينها عمر الحركة قد بلغ الأربعين سنة ميلادية.
* العبقرية الترابية في الإنجاز السوداني المميز ولعله من المفيد أن نفرد لدراسة فكر الترابي جملا تعرف به وبفكره، وكيف أثر في مسيرة الحركة الإسلامية السوادانية رغم أنه غادرها في مرحلة من المراحل، وأصبح معارضها الأول في السودان. ويُجمِع أهل السودان على الاعتراف بأن الخلفية العلمية والثقافية التي تسلح بها الترابي في بيت والده، ومن ثم في الجامعات المحلية والخارجية، هذه الخلفية هي التي صنعت منه تلك الشخصية الفريدة والمميزة. ولِد حسن الترابي سنة 1932 في مدينة «كسلا» شرقي السودان، وسط أسرة متدينة وميسورة الحال، تنتمي إلى قبيلة البديرية، توفيت والدته وهو صغير، الأمر الذي شجع والده القاضي على الاهتمام بتنشئته والاعتناء بدراساته الدينية، وقد عُرِف ذلك القاضي النزيه بأنه شيخ طريقة صوفية، لذلك ألزم نجله بأهمية حفظ القرآن الكريم، ودرس علوم اللغة العربية والشريعة. بعد دراسة الحقوق في جامعة الخرطوم، سافر الترابي إلى بريطانيا ليلتحق بجامعة أوكسفورد (1957) حيث حصل على شهادة الماجستير. وفي سنة 1964 التحق بجامعة السوربون في باريس، ونال شهادة دكتوراه في المحاماة، وكان يُتقن أربع لغات هي العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية. وفور عودته إلى السودان، عمِل الترابي أستاذاً في جامعة الخرطوم، ومن ثم عُيِّن عميداً لكلية الحقوق. ويبدو أن طموحاته السياسية خطفته من محيط الجامعة والتدريس، لتضعه وسط أجواء الدولة في مرحلة بالغة الحساسية. وبسبب اختصاصه، اختير سنة 1979 وزيرا للعدل، ثم عُيِّن مساعدا للرئيس للشؤون الخارجية فى 1984 ثم وزيرا للخارجية فى 1988، وبعدها بسبع سنوات اختيرَ رئيساً للبرلمان. أما بالنسبة لنشاطه الحزبي، فإن حسن الترابي نذر حياته لنشر أفكار الحركة الإسلامية، الأمر الذي فرض عليه إتقان فن السكن في السجون، وقد دشن نشاطاته بالدخول في عضوية «جبهة الميثاق الإسلامية»، وهي تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية التي تحمل فكر «الإخوان المسلمين». وبعد مضي خمس سنوات، أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية أهمية شعبية، لذلك تولى الترابي أمانتها العامة سنة 1964. بعد الانقلاب الذي قام به جعفر النميري، تم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، ومن بينهم الترابي الذي أمضى في السجن سبع سنوات، وأطلِق سراحه بعد مصالحة الحركة الإسلامية مع النميري سنة 1977. وبسبب تنامي المد الإسلامي، وخوف النميري من تقويض دعائم حكمه، فرض قوانين الشريعة الإسلامية سنة 1983، معلناً إلتزامه بما سماه النهج الإسلامي، ولكن الشعب لم يقتنع بهذا التحول، خصوصاً أن حكاية صفقة «الفلاشا» إلى إسرائيل أحدثت ضجة في العالم العربي، وهكذا اضطر النميري إلى حل الحركة الإسلامية واعتقال قياداتها، فواجهته تظاهرات يومية لم تلبث أن تحوّلت إلى ثورة شعبية أدت إلى إسقاطه سنة 1985. عقب هذه المرحلة المضطربة، أسس الترابي «الجبهة الإسلامية القومية». وفي جوان 1989، تحالف مع البشير للقيام بانقلاب عسكري ضد حكومة الصادق المهدي، علماً أنه متزوج من شقيقته وصال المهدي. يوصَف الترابي من خصومه بأنه شخصية غامضة أثيرت حولها أحكام مختلفة، فالبعض يرى فيه سياسياً بارعاً في تحريك الإعلام، وخطيباً مؤثراً في الجماهير. ويرى فيه خصومه شخصاً مخادعاً، له طموحات لا تحدّ وخبرة في صنع الدسائس والمؤامرات، إضافة إلى نهمٍ للسلطة، ويتهمه هذا الفريق بإصدار فتاوى تخرج عن إجماع أهل السنّة.