تضاربت الآراء بين وزراء سابقين ومحللين اقتصاديين لدى حلولهم ضيوفا على منتدى "الحوار" حول قانون القرض والنقد الذي ترمي من خلاله حكومة أحمد أويحيى إلى إنعاش تمويل الخزينة العمومية التي تآكل صرف الاحتياط بها عبر اللجوء إلى التمويل غير التقليدي كوسيلة مثلى لإنقاذ وتجنيب الاقتصاد الوطني الانهيار من جهة والابتعاد عن الاستدانة الخارجية من جهة أخرى. __________________________ * عبد الرحمن بن خالفة: التمويل غير التقليدي آخر حائط يحصن الاقتصاد أكد وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي عبد الرحمن بن خالفة أن لجوء الحكومة الجديدة إلى إجراء التمويل غير التقليدي يعتبر استثنائيا محدودا بمدة زمنية معينة، ترجع إليه البلدان النفطية حين تصبح حاجيات النمو أكبر من مواردها المتمثلة في قطاع المحروقات، مشددا على ضرورة إرفاق هذا القانون بجملة من الإصلاحات الهيكلية لبلوغ الأهداف المرجوة. وفي مداخلته بمنتدى "الحوار" أمس، والذي دار حول مفهوم قانون القرض والنقد أسبابه وتداعياته، قال بن خالفة إن هذا الإجراء هو الآلية الأخيرة التي تلجأ إليها الحكومة، واصفا إياه بآخر حائط يحصن الاقتصاد، معتبرا أن المدة المحددة له والمتمثلة في خمس سنوات طويلة، وكان يمكن تقليصها إلى ثلاث سنوات على الأكثر، لأنه في حال أخذ هذا الإجراء وقتا أطول من المحتمل الدخول في أزمة جديدة. وأوضح ذات المتحدث أن اللجوء الى التمويل غير التقليدي لن يكون وسيلة إنقاذ من التحديات الراهنة إلا إذا دعم بمعالجة اقتصادية هيكلية من حيث خلق حركة اقتصادية ومعالجة مالية، في مقدمتها التدفقات الاستثمارية من خلال جمع الأموال المهيأة للاستثمار، سواء داخل الوطن أو خارجه، مشيرا إلى أن الملف مطروح على مستوى مخطط الحكومة، لكن الإشكال يكمن في عدم إعطائه الأهمية اللازمة. وواصل المحلل الاقتصادي التطرق إلى الآليات التي يتعين الاستناد إليها في إطار المعالجة المالية لتجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن هذا الإجراء، مشددا على أنه يستلزم إصلاحا شاملا للمنظومة المصرفية لاحتواء الأموال المحلية التي لا تنشط في القنوات المصرفية، والتي تمر على قطاعات غير مهيكلة على غرار السوق الموازية، إضافة إلى ما طرحه في كلمته من المعالجة المالية والنقدية من خلال إعادة النظر في تسعيرة الدينار وتنظيم الأسواق. يشار إلى أن بن خالفة أعرب عن استغرابه من الاهتمام الكبير والضجة التي أثارها هذا الإجراء الذي يعتبر واحدا من بين جملة من الإجراءات التي تتخذها الحكومة ولا يمكن اعتباره حلا هيكليا طويل المدى لتمويل الخزينة العمومية مع إلزامية مرافقته لهيكلة شاملة في الاقتصاد الوطني، من الاحتواء المالي والضريبي والمصرفي وحشد كل الاستثمارات المتواجدة داخليا وخارجيا. ____________________________ * الهادي خالدي: أزمتنا في تبني سياسة اقتصادية عرجاء تساءل الوزير الأسبق لقطاع التكوين والتعليم المهنيين، الهادي خالدي، عن مدى توفق الحكومة في قانون 90/10 المتعلق بالقرض والنقد، وبعد تعديله، ترمي الحكومة إلى اللجوء إلى التمويل غير التقليدي من خلال طباعة الأوراق المالية دون تغطية، مؤكدا أن هذا التعديل الأخير، وبالتحديد الرابع منذ سنة، لا يدل إلا على فشل هذا القانون المستورد من النموذج الألماني. وأكد خالدي في كلمته لدى نزوله ضيفا على منتدى "الحوار" أمس أن التحديات الراهنة تعود إلى غياب استراتيجية تعيد للاقتصاد الوطني نجاعته وما ينعش الأزمة الراهنة -يضيف محدثنا- هو تبني سياسة اقتصادية عرجاء، على حد وصفه، في ظل غياب الأدوات النقدية، خاصة أنه ومن المعروف أن السياسة الاقتصادية تقوم على ركيزتين أساسيتين: الجباية والنقود. وفي سياق متصل أعرب المتحدث ذاته عن تخوفه من التحديات الراهنة قائلا: "نحن اليوم أمام وضع معقد وجد خطير، يحتاج إلى الإلمام بالوقائع الاقتصادية ومعرفة كل حيثيات الاقتصاد الوطني"، موضحا أنه يتعين إعطاء فرصة للمواطن وإعادة الثقة له في مؤسساته، وكذا ضرورة نشر الثقافة الغائبة حول البنوك، مشيرا إلى عدد منها التي لم تتمكن من استقطاب أحد. وفي هذا الصدد، أشار إلى الكتلة النقدية المكتنزة من قبل المواطن بسبب عدم ثقته بتفعيلها وخلق حركة اقتصادية من خلالها، متسائلا في سياق الموضوع عن غياب بورصة الجزائر التي باشرت عملها سنة 1999. وباعتبار أن الجزائر بلد غير منتج أي يوفر معظم السلع عن طريق الاستيراد، دعا الهادي خالدي إلى ضرورة انتهاج نموذج اقتصادي ناجح على غرار النموذج الروسي، قائلا إنه يمكن تخطي هذه المرحلة الحساسة إذا صدقت النوايا، وفي ظل توفر الموارد والامكانيات من أجل بناء اقتصاد وطني قوي. وفي ذات الشأن ركز خالدي في طرحه للاليات التي يتطلب تطبيقها لتجنب الدخول في ما لا يحمد عقباه، على غرار امتصاص الكتلة النقدية المكتنزة إلى جانب تنظيم السوق الموازية التي تتحكم في الأسعار مع إعادة النظر في حركية هذه الأخيرة. _________________ * عبد القادر سماري: لسنا في أزمة مالية.. ولكن أما وزير الصناعة الأسبق عبد القادر سماري فقد أكد أن الأشكال الكبير في الوضعية المالية الحالية، هو في الذهنية الجزائرية في ظل هذا التهويل الكبيرة والخوف من انعكاسات الأزمة الاقتصادية. أما الإشكال الثاني حسب سماري فهو في الثقة بين المكونات الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة، مضيفا أن عدم تسيير الأزمة جيدا راجع لعدم تسيير البحبوحة على أكمل وجه، على اعتبار أن نقص الاستثمار وتفعيل حركة رؤوس الأموال أيام الرخاء الاقتصادي تنجر عنه أزمة مالية. هذا وأضاف ذات المتحدث مطمئنا "الجزائر حاليا لا توجد في أزمة مالية أو اقتصادية" بل هناك مشكلة هيكلية واستشرافية في تسيير الموارد المالية المتوفرة، وبخصوص التمويل غير التقليدي، أكد سماري على وجوب المرور نحو المعاملات المصرفية الإسلامية بغض النظر عن التسمية، وهذا راجع إلى طبيعة المجتمع الجزائري المحافظ التي ترفض التعاملات الربوية في البنوك، وفي هذا الصدد شرح ضيف "الحوار" أهم النقاط التي ترتكز عليها أسلمة الصيرفة البنكية أو المعاملات المالية عموما، قائلا وهي البنوك والمصارف الإسلامية وهي تعاملات بنكية عادية بآليات جديدة ومتطورة، بالإضافة إلى الصكوك الإسلامية بدل السندات، مع ضرورة الاستفادة من التجربة الماليزية بهذا الخصوص، أما النقطة الثالثة فتتمثل في التأمين التكافلي التضامني، كما أضاف المتحدث قائلا إن هذه المرتكزات التي تبنى عليها المصرفية الإسلامية وحدت مفهوم التمويل التقليدي الذي أصبح مرادفا لعملية طبع النقود هذا التي إن لم تجد مكافئا لها ستؤدي إلى إشكالات كبيرة. الوزير الأسبق واصل خوضه في قانون النقد والقرض مضيفا أن هذا الأخير لم يتعرض إلى نقطة تحتاج إلى جرأة حقيقية، ألا وهو ضرورة تغيير العملة الرسمية، من أجل استقطاب الكتلة المالية الموجودة في السوق الموازية، وهو ما يتطلبه الوضع الصعب الذي تمر به الجزائر حاليا. وفي سياق آخر، أردف سماري أن وجود 24 ألف مؤسسة جزائرية بالخارج يتطلب إنشاء فروع للبنوك الجزائرية بالخارج، وهذا من أجل الدفع أكثر بحركة الأموال الصعبة، خاصة في القارة الإفريقية حيث توجد الاستثمارات الجزائرية بقوة مع انعدام وجود مصارف وطنية هناك، بالمقابل دعا الوزير الأسبق عبد القادر سماري إلى ضرورة الابتعاد عن الاقتصاد الريعي المعتمد على المحروقات. ___________________ * كمال رزيق: عرض القانون للإصلاح خطوة إيجابية وجب اتباعها بإصلاحات أخرى من جهته، قال الخبير الاقتصادي كمال رزيق إن عدم انتباه الوزير الأول السابق لنفاذ صندوق الإيرادات الذي انتهى دوره في فيفري 2017 يطرح العديد من علامات الاستفهام، كما أن تقديم قانون القرض والنقد من أجل الإصلاح خطوة إيجابية تحسب لحكومة أويحيى، ولكن رغم ذلك قد يكون اعتراف بأن المنظومة المصرفية في الجزائر هي المعرقلة للنمو. كما قد يكون بحثا عن الحلول السهلة من أجل جلب الموارد المالية، مضيفا كان يجب أن يتم تقييم المشروع جيدا قبل أن يعرض على البرلمان بغرفتيه من أجل المصادقة عليه، وهذا من أجل الوقوف حقيقة على النقاط السلبية والإيجابية فيه. الخبير الاقتصادي أكد أيضا على القضية الأهم التي يجب أن تطرح حاليا وهي المحاور الكبرى لإصلاح المنظومة المالية في الجزائر، ليتساءل عن قدرة الاقتصاد الوطني في إيجاد موارد مالية أخرى لتدعيم ميزانيته أو تقديم كتلة نقدية من أجل إعادة بعث السيولة في مختلف البنوك الجزائرية، أو رد التسبيقات المالية التي كان يجب عليها أن تضع سقفا لها، كما أضاف ذات المتحدث أن التكلم عن الاقتصاد الجزائري يستوجب وضع سقف زمني له مثل ما يحصل في السعودية في 2030 وفي أمريكا سنة 2040. وفي سياق التحصيل الضريبي، قال رزيق بشأنه إن كل التقارير التي صدرت من مجلس المحاسبة تتكلم عن التهرب الضريبي الكبير، مطالبا في هذا الصدد المتعاملين الاقتصاديين عدم الاكتفاء بالبيانات الرنانة لمساندة الحكومة والذهاب إلى الجدية في هذا الأمر لتخفيض الأسعار وتنمية الوعي الضريبي من أجل عدم التهرب الذي بلغ حوالي الثمانين بالمائة، وفي هذا الصدد دعا رزيق الجهاز التنفيذي إلى السعي نحو فتح هذا الملف من أجل معرفة الأسباب والمبررات. _________________________ * عبد الرحمن عية: لا حل إلا ارتفاع أسعار البترول في حين تكلم الأستاذ في الاقتصاد عبد الرحمن عية بإسهاب عن قانون النقد والقرض، والظروف التي جاء فيها حيث ظهر للوجود في شهر أفريل سنة 1990 في ظل انقطاع سبل الاستدانة الخارجية، هذا القانون الذي كان بمثابة وجه لتحول الاقتصاد الجزائري من النظام الاقتصادي الاشتراكي إلى الرأسمالي، لأنه كان يحمل تقليص دور الخزينة العمومية في مجال تمويل الاستثمارات، كما حدد عمل البنوك الذي أصبح دورها تجاري بحت. عية أضاف أيضا أن نظام القرض والنقد يحمل أمرين مهمين هما: إدارة المصارف المالية، وعلاقة البنوك التجارية بالأعوان الاقتصاديين، وكذا الدائرة النقدية من إصدار للنقود إلى غير ذلك، وفي سياق البنود التي حملها قانون النقد والقرض قال عبد الرحمن عية إنها كانت إيجابية إلى حد كبير، وهذا منذ سنة 1986 إلى 2010 حيث كانت تهدف إلى الإقلاع الاقتصادي الحقيقي، وبخصوص التمويل بالتضخم الذي هو بمثابة استفزاز لاقتصاد بخلق كتلة نقدية إضافية ويكون إيجابيا في حالة عودة أسعار البترول إلى الارتفاع 100 دولار، وهو ما يؤدي إلى فتح صندوق الإيرادات، أما عن الانعكاسات السلبية فهو ما يعرف بالتضخم المفرط، وهو إصدار النقود أكثر مما يحتاجه الاقتصاد أو ما يسمى بالذعر المالي في حالة سحب الأموال من البنوك. تغطية: هجيرة بن سالم مولود صياد