عين على الشاشة قناة للتاريخ والذاكرة بقلم: الطيب توهامي منذ سنوات خلت، حزت في نفسي كثيرا دموع ذلك المجاهد، الذي بحثنا مطولا على مكان سكناه حتى وجدناه. في بئر العاتر، وبمحاذاة الحدود الجزائرية التونسية، دخلنا بيته المتواضع، وقد كان طاعنا في السن، لا يقوى على تجميع الجمل والكلمات. بكى أمام أعيننا، لأن كاميرا التلفزيون زارته في بيته وصورته، واحتفت بجهاده وجهاد رفقاء الدرب، ولم يسبق له من قبل أن واجه الكاميرا بشهاداته الحية. تأسفت كثيرا لأنني لم أتمكن من أخذ شهاداته التاريخية التي ستتحول إلى أرشيف مع الوقت. وأدركت يومها كم ضيعنا، وكم نحن نضيع من شهادات تعتبر بمثابة كنز لا يقدر بثمن. لقد رصد المركز الوطني للدراسات التاريخية إمكانيات مادية وبشرية معتبرة، لتسجيل شهادات المجاهدين في كل ربوع الوطن، وبالفعل جمع مادة تاريخية مهمة لا يستهان بها. يبقى الإشكال الكبير أن جودة الصورة لا ترقى لاستغلالها في وثائقيات تاريخية سمعية بصرية، وبالتالي فهذه الشهادات مخصصة للباحثين والمشتغلين والمختصين في حقل الثورة والذاكرة، ونكون بذلك قد أضعنا جهدا مهما، كان بإمكانه أن يكون قابلا للاستغلال السمعي البصري، لو تم إنجازه بطريقة احترافية؛ أي بمرعاة قواعد الإخراج التلفزيوني. اليوم يتحدث رئيس الجمهورية عن إنشاء قناة تاريخية، بإمكانها أن تنقذ ما تبقى من شهادات المجاهدين الذين ما يزالون على قيد الحياة. هي بادرة لا يسعنا إلا أن نثمنها، فالاهتمام بالتاريخ والذاكرة هو اهتمام بالإرث الحضاري، لهذه الأمة التي قدمت الغالي والنفيس، على مر العصور. الاهتمام بالتاريخ هو اهتمام في الأصل بالحاضر والمستقبل، والتصالح مع تاريخنا سيعطي دفعة قوية لانطلاقة في المسار الصحيح، بعيدا عن كل تحريف أو جدل إيديولوجي عقيم. هي بادرة لا يسعنا إلا أن نباركها، وحلمنا أن نشاهد على هذه القناة أعمالا تاريخية ضخمة، تحتفي بالرعيل الذي فجر الثورة، واستشهد من أجلها، وتتعرف الأجيال القادمة عن أبطال صنعوا مجد هذه الأمة، وكتبوا مصيرها بدماء حمراء قانية.. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، ولتحيا الجزائر حرة أبية.