ناقشت الدكتورة شافية عبيد مراشي، بنجاح أطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 ، حيث ركز موضوع بحث الدكتوراه على "الأمن المائي ، بين تحديات التنمية المستدامة وقضية الاستقرار ، دراسة حالة الجزائر "، تحت إشراف الأستاذين محمد رضا مزوي ومحمد خوجة ، تألفت لجنة تحكيم الأطروحة من طرف: الأستاذ مصطفى بن عبد العزيز ، والدكتورة فلة بنجلولي (جامعة الجلالي بونعمة خميس مليانة) والدكتور جحيش يوسف من جامعة باتنة 1. يقترح موضوع البحث نموذجًا جديدًا يضع الماء في قلب مشروع هادف من شأنه تجنيد جميع الأطراف الفاعلة من أجل تحقيق الأمن المائي. إن تضمين الموضوعات البحثية التي تميل إلى تقديم وجهات نظر جديدة تدمج الجامعة بشكل ملموس، باعتبارها عنصرا رئيسيًا ومقدمًا لحلول المشاكل الاجتماعية وسيكون العمل البحثي حول الأمن المائي جزءًا من مختبر الدراسات والأبحاث الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط ، بإدارة الدكتور محمد خوجة ، و الدكتورة شافية مرشي عبيد هي أحد أعضائه. حيث أضحت الدراسات البحثية في الأمن المائي ضرورية نظرا للرهانات المرتبطة بتوفير هذه المادة الحيوية للساكنة ولدفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي على حد السواء في ضل واقع يكتسيه الندرة وصعوبة تجنيد الموارد المائية السطحية والباطنية التي تأثرت من جراء التغيرات المناخية التي نشهدها اليوم. حيث ارتبط الأمن المائي كقضية حيوية في القرن الحادي والعشرين بمسائل عدة متعلقة بالأمن الغذائي والأمن البيئي وأمن الطاقوي والأمن الصحي وحوكمة المياه بشكل عام ارتباطًا مباشرًا بتحقيق الأمن المائي يعكس قدرة الدول على تلبية الاحتياجات المائية الحالية والمستقبلية بشكل مستدام. تحمل المياه كمورد طبيعي "استراتيجي" خاصيتان رئيسيتين باعتبارها مادة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها و نادرة في نفس الوقت، وهذا ما يعطيها مكانة أولوية ضمن الأولويات الوطنية. فالعوامل المناخية والديموغرافية وتلوث مصادر المياه والتوسع العمراني المتسارع في المدن الكبيرة ، تؤثر على وفرة المياه وتزيد من مستوى الندرة مما يستوجب رفع قدرة التكيف و الصمود من جراء أثار التغيرات المناخية باللجوء إلى تغيير في أنماط الاستهلاك وانتاج السلع والخدمات. حيث تكمن الفكرة الرئيسية في التصور العام للدراسة البحثية في ضرورة خلق التوازن بين تأمين العرض و التحكم في الطلب. فاستراتيجية تأمين العرض المنتهجة من طرف الجزائر تعتمد أساسا على رفع من مستوى تعبئة الموارد المائية السطحية و الجوفية واللجوء إلى تحلية ماء البحر لزيادة مستوى الوفرة عن طريق ضخ المزيد من المياه في شبكات الإنتاج والتوزيع. ففي ظل الندرة أضحى من الصعب الاستمرار في هذا النهج دون الاتجاه إلى إستراتيجية ثانية تكمن في التحكم في الطلب والتي ركزت عليها الدراسة البحثية. وتتمثل في إحداث تغييرات تدريجية في النموذج الاستهلاكي وفي أنماط إنتاج السلع والخدمات والاستهلاك المنزلي و الفلاحي حيث تقترح الدراسة البحثية تسطير مشروع وطني بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة (المؤسسات ، خدمات المياه العامة ، السلطات العامة ، المجتمع المدني ، المستثمرين ، الزراعة ، الصناعة ، الشركات الناشئة ، الإعلام ، خبراء الأعمال ، علماء السياسة ، الاقتصاديون ، علماء الاجتماع). ومن بين السبل المقترحة في الدراسة هو التحكم في المياه الزراعية، والتي يُخصص لها نسبة 70٪ من الاستهلاك الوطني منها بدمج نهج "البصمة المائية" الذي يجعل من الممكن تحديد كميات المياه المستخدمة في نمط الإنتاج الزراعي من شأنه توجيه سياسة التنمية الزراعية ، وتكييفها مع سياق ندرة المياه دون المساس بالأمن الغذائي. كذلك ، التحول تدريجياً لتطوير الزراعة المستدامة و الزراعة الذكية من خلال ادخال اليات وتقنيات حديثة من شأنها الحفاظ على الموارد المائية والاستخدام الأمثل للمياه الزراعية حيث أضفت الدراسة إلى الغياب الكلي لثقافة المياه التي ارتكزت عليها الدراسة لتكون محور رئيسي في استراتيجية التحكم في الطلب لدفع المجتمع من خلال آليات جديدة للاتصال والإعلام لتبني أنماط وعادات جديدة من خلال وضع نظام قيمي جديد يعتمد على تحديد مفهوم موحد للقيمة الماء من خلال حوار هادف يشرك المجتمع المدني ، والمواطن فضلا عن الخدمة العمومية للمياه. في هذا السياق ، من الضروري إعادة التفكير في استراتيجية الاعلام و الاتصال المعتمدة حتى الآن ، اختيار التواصل المسؤول والقوي والإعلام المفيد لبناء رأي عام من شأنه أن يسمح للمواطنين بالمساهمة بفعالية في الجهد الجماعي لتوفير المياه. كما تناول مشروع الدكتوراه قضايا أخرى تتعلق بتقوية القدرة الجماعية للتعامل مع الآثار التغيرات المناخية بإدماج التغيرات المناخية في استراتيجيات التنمية المستدامة . والتحكم الأمثل في البنى التحتية الهيدروليكية، خصوصا إعادة تأهيل شبكات الإنتاج و التوزيع الماء الشروب للحد من ضياع المورد المائي ورفع من القدرات التخزين وهذا ما يستدعي إعادة النظر في ترتيب الأولويات و توجيه الاستثمار في الحلول الذكية من شانها التوجه الى "الشبكات ذكية " الأكثر فعالية في تسيير المياه على مستوى شبكات الإنتاج و التوزيع. بالإضافة إلى هذه السبل ، اقترحت الدراسة حلول تندرج في أفاق عام 2030 ، من خلال اللجوء إلى تحلية المياه وإعادة رسكلة المياه، عن طريق اختيار النماذج المناسبة للتحكم في الطاقة والتي تسمح بالحفاظ على الموارد المتاحة وعلى البيئة على حد السواء. كما اقترحت الدراسة البحثية إدخال منهجيات قيادة التغيير في المؤسسات العمومية ليشمل بالإضافة إلى التغيير التنظيمي الذي أضحى الطابع المهيمن في المؤسسات العمومية كحل لمواكبة التحديات إلى دمج وقيادة التغييرات في المهن والتغيير في التكنولوجيا والذهاب التدريجي نحو التغيير في ثقافة المؤسسة العمومية لجعلها أكثر انفتاحا لدمج أفكار ابتكارية جديدة.