تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر خلال السنوات الاخيرة بشكل مخيف وملفت للانظار، وانتشرت لتشمل مدن الجزائر وأريافها، ليصبح ''الأطفال العمال'' ظاهرة عادية يتعامل معها المجتمع بكل بساطة. ولم تسلم المناطق الريفية في ولاية المسيلة من هذه الظاهرة بل انتشرت بكثرة نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. أرقام وإحصاءات مخيفة تنذر بكارثة اجتماعية لا مناص منها، وهو ما كشفته الهيئة الجزائرية لتطوير الصحة والبحث، حيث إن عدد الاطفال الذين تم استغلالهم في الجزائر للعمل في مهن لا تناسب واعتبارات أعمارهم وصلت إلى حوالي 300 ألف طفل. وحسب الرئيس التنفيذي للهيئة عبد الحق مكي فإن التحقيق الذي شمل 2979 طفل يدعو إلى دق ناقوس الخطر لان ظاهرة استغلال الاطفال معرضة للانتشار أكثر ما لم يتم اتخاذ إجراءات ضرورية للحد منها، كما كشفت نتائج التحقيق حول عمل الاطفال الذي تم مطلع العام الماضي أن 77٪ من الاطفال هم ذكور فيما تمثل الفتيات 23٪. وبالرغم من أن المشروع الجزائري كان واضحا بهذا الشأن، حيث يمنع قانون العمل الجزائري منعا باتا عمل كل شخص لا يتجاوز سنه 18سنة ، ويعتبر القانون ذاته عمل الاطفال استغلالا، ومع ذلك يشهد سوق العمل الطفولي اتساعا من عام لاخر ولاسيما على مستوى الاسواق غير المشروعة وكذا الارياف التي يسجل بها 1,52٪من الاطفال العاملين حيث يفضل أرباب العمل الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة. العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الاطفال إلى سوق العمل تلعب الاسرة الدور الرئيسي في مجال التنشئة الاجتماعية وفي تشكيل اتجاهات الطفل وتحديد ملامح شخصيته وعلاقته بالمجتمع الخارجي، فالطفل كائن اجتماعي ويمثل الكبار قدوة له في أساليب التعامل أو التفكير أو التعليم. كما يتأثر الطفل في تعامله مع الكبار، فعادة ما يسلك الطفل الذكر سلوك أبيه. ومن هنا نجد أن عمالة الطفل ودرجة انتشارها تتأثران بعديد من العوامل الاسرية الامر الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالاسرة وكيانها وتدعيمها من جميع الجوانب. فالطفل الذي ينشأ وسط عائلة متماسكة تعطيه حقوقه مهما كانت الوضعية الصعبة بها تمنعه من التفكير في الاتجاه إلى العمل في سن مبكرة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى الوضع الاقتصادي الذي افترس الكثير من العائلات، وأيضا تفشي البطالة في المجتمع، حتى أصحاب الشهادات والاسر التي تحصل على دخل وظيفي لا يكفي متطلباتها، ومن أهم الاسباب أيضا الفقر وتدني المستوى العليمي والعادات والتقاليد والثقافة السائدة. الجوانب الاساسية التي يتأثر بها الطفل العامل توجد جوانب أساسية يتأثر بها الطفل الذي يستغل اقتصادها بالعمل، وهي التطور والنمو الجسدي، فتتأثر صحة الطفل من ناحية التناسق العضوي والقوة والبصر والسمع وذلك نتيجة الجروح والكدمات الجسدية والوقع من أماكن مرتفعة. أما ثانيا فهو التطور المعرفي أين يتأثر التطور المعرفي للطفل الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، فقدراته وتطوره العلمي يتأثر ويؤدي إلى انخفاض قدراته على الكتابة، إضافة إلى أن إبداعه يقل. أما الجانب الثالث فهو التطور العاطفي فيتأثر التطور العاطفي عند الطفل العامل ويفقد احترامه لذاته وارتباطه الاسري والعمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل. أعمال شاقة وممارسات قاسية حسب أحدث دراسة للمنظمة العالمية للطفولة ''اليونيسيف''، فإن عددا معتبرا من أرباب الاسر المستجوبين، أقروا بعملهم بانخراط أطفالهم في مختلف الاعمال الشاقة التي سيقت على سبيل المساعدة المنزلية، وهو ما يعني أنهم يقومون بعدد من الاعمال غير المدفوعة الاجر، وعوضا عن المغادرة النهائية للدراسة قبل نهاية التعليم الالزامي ترتفع نسبة التغيب والتسرب المدرسي خاصة في المناطق الريفية. وغالبا ما تكون ظروف العمل المحيطة بالاطفال كارثية ولا تراعي فيها الشروط الصحية ولا المقومات الانسانية المطلوبة، وأكبر مشكلة هي أن المهن التي يتعاطاها الاطفال الفقراء تشكل خطرا كبيرا على صحتهم البدنية وعلى نموهم العقلي، واللائحة كبيرة منها العمل في المنشاءات المعدنية وتركيب الاجهزة الالكترونية والعمل في قطاع الحجارة ونحتها والعمل في دهن السيارات والحدادة والنجارة، وكل ما له علاقة بالمواد الكيميائية التي لو استمر الاطفال في استنشاقها بشكل مستمر فقد تكون لها تداعبات خطيرة على أجسام لا تزال لينة وغير صلبة؛ ناهيك عن ما يتعرض له الاطفال من تعنيف وضرب من قبل أرباب أعمالهم. الأمهات الأكثر دفعا بأطفالهن إلى سوق العمل هم في أغلب الاحيان أبناء لأمهات ذوات مستوى تعليمي منخفض أو لم يتلقين تعليما على الإطلاق، حسب تقرير منظمة اليونيسيف، وهن يملن للتركز ضمن 20٪ الاكثر فقرا، وبالتالي لا تعطين للتعليم قدره الحقيقي، ولا تترددن في دفع أطفالهن إلى سوق العمل وهن غير مدركات لعواقب ما قد يتعرضون له في الشارع من ظواهر اجتماعية وتربوية خطيرة، بل قد يتطور الامر ويتحول الطفل إلى طفل شارع بكل ما تحمله الكلمة من مخاطر. ولو أدركت هؤلاء الامهات أن مواصلة التعليم لابنائهن مهما صعبت الظروف سيدر بالنفع عليهن، لما دفعت بلفذات أكبادهن إلى الشارع وحرمتهم من البراءة التي يستحقها كل طفل. وتمثل الارياف المناطق الاكثر انتشارا لنسبة الامية عند الامهات، حيث الجهل بضرورة مساعدة أطفالهن في الحفاظ على مستقبلهم التعليمي، فما أن يبلغ الطفل سن 11 - 12 سنة ولم يكن نجيبا في دراسته تدفعه أمه إلى سوق العمل الذي في نظرها هو المستقبل الموعود، فيمارس كل أنواع الاعمال الشاقة والتي في رأيهن تكوّنه وتكسبه شخصية قوية بدلا من أن يبقى جالسا في البيت من دون عمل، ولو أدركت تلك الامهات الاضرار النفسية والجسمية المترتبة عن ذلك لما فكرن يوما في دفع أطفالهن إلى سوق العمل. الظاهرة مست المتمدرسين وغير المتمدرسين يعاني أطفال الارياف في ولاية المسيلة كغيرهم من قساوة الحياة ومرارتها، مما يدفع الكثير منهم وهم في عمر الزهور إلى ترك مقاعد الدراسة، فظروف أسرهم لا تسمح لهم بمواصلة المشوار. والمؤسف أنهم يجدون أنفسهم في حضن الشارع يبحثون عن سبل للرزق مهما كانت الخطورة، فتجدهم منتشرين في كل مكان في الأسواق، في مواقف السيارات، في محطات المسافرين، مقاومين برد الشتاء وحر الصيف. يوسف 11 سنة غادر مقاعد الدراسة في السادسة ابتدائي بعد أن فشل في نيل شهادتها من المرة الاولى، جعل من الاسواق الاسبوعية بالمنطقة مكانا للاسترزاق، فكان يبيع بعض الاواني المنزلية وشاركه في المكان صديقه أحمد الذي ترك الدراسة وهو في سن 13 سنة.، وكانت في جعبته بعض الحلويات والشكولاطة التي يبيعها في السوق مرة في الاسبوع، وما يسترزق به يعيل به نفسه كمصروف يومي، وهو يأمل في أن يتحصل على عمل آخر يدر عليه بالنفع أكثر ولكي يساعد ولو جانبا في إعالة أسرته الفقيرة. أمثال أحمد ويوسف كثيرون ممن تركوا مقاعد الدراسة واتجهوا إلى سوق العمل، فمنهم من كان عمله بسيطا وسهلا، لكن البعض كانت أعمالهم صعبة لا يتحملها الكبار. علي 18 سنة، من هؤلاء الاطفال الرجال، إن صح التعبير، تحمّل شقاء العمل منذ كان صغيرا . يحكي لنا أنه لم يعرف معنى الطفولة والبراءة في صغره، عمل في الكثير من المجالات وتعلم أشياء كثيرة أكسبته الخبرة والقدرة على مواجهة الحياة، وعن ما مارسه من عمل، يقول، عملت في البناء وحمل البضائع مثل أكياس الاسمنت واتجهت إلى النجارة وكنت أعمل على تلك الماكنات الضخمة، وطبعا هي خطيرة إذا لم يتقن صاحبها الحرفة، ناهيك عن أعمال أخرى. ولا أنكر إلا أن أني أتقنت العمل في جميع المجالات إلا أن حرقة عدم مواصلتي الدراسة مازالت تؤثر في نفسي، وأتمنى وأنصح الأطفال بمواصلة الدراسة مهما كانت الامور صعبة، وأن لا يتجهوا إلى سوق العمل في سن مبكرة لان تلك السن لا يمكن تعويضها. ولا تتوقف الكارثة هنا بل تتعاداها إلي أوساط التلاميذ الذين يعيشون ظروفا متعبة وصعبة، فهم أطفال لا يعرفون طعما للاستجمام الذي يعيشه أقرانهم، فما أن تغلق المدارس أبوابها حتى ينطلق البعض لتجارته الصيفية لمساعدة أسرته في مصاريف الحياة وكذلك توفير المال لاستئناف الموسم الدراسي القادم، فمنهم من تحضر له والدته الاكياس البلاستيكية وعلب المحارم الورقية وزجاجات العطور وعلب البخور ويجلس بها على قارعة الطريق ومواقف السيارات والاحياء التجارية تحت وهج الشمس ولهيبها ليسترزق بما جلبه. وتستمر هذه العملية الصيف بأكمله. ولم تفت هؤلاء الاطفال فرصة بيع الخضر والفواكه في هذا الفصل وهو حال فؤاد 15 سنة والذي يدرس في الرابعة متوسط ويشتغل في الصيف بأحد محلات المنطقة. يقول في هذا الصدد إن هذه المهنة ساعدته كثيرا في مواصلة مشواره الدراسي ولان عائلته متوسطة المدخول فكان عليه مساعدتها. أسامة 17 سنة يدرس في الثانية ثانوي يستغل جميع العطلات في السنة ليشتغل في أحد المطاعم ليعيل نفسه على مواصلة مشواره الدراسي وإلا لما كان ليكمله. وحسب قوله فإن الدراسة حلمه الوحيد في الحياة وهو يسعى جاهدا لتحقيق حلمه رغم التعب والارهاق الذي يصيبه. إن الفشل في التعليم والرغبة في تعلم صنعة يمثلان أبرز الاسباب التي تدعو الطفل الذكر للانخراط في سوق العمل. لكن الاخطر في الموضوع هو ممارسة الاطفال الذين مزالوا يزاولون دراستهم أعمالا خارج نطاق الدراسة فهذا طبعا ومن دون شك يعتبر سببا واضحا للتسرب المدرسي. الأسواق الأسبوعية مكان للاسترزاق يلجأ الكثير من الاطفال في الارياف إلى حجز أماكن في السوق الاسبوعية منذ الصباح الباكر حتى يتسنى لهم بيع ما جلبوه معهم والحصول على مردود مالي يعينون به أسرهم، فتجدهم يجلبون الكثير من السلع مثل الخضر والفواكه وأدوات للطبخ ومشروبات وحلويات..إلخ. والغريب في الامر أن الكثير من الاطفال العاملين أصبحت هذه الاسواق أكثر من بيوتهم فتجد من له سنوات فيها طبعا بعد تركه مقاعد الدراسة. عبد الرؤوف 14 سنة يستغل فرصة السوق الاسبوعي ليسترزق ولو بالقليل من النقود، فتجده ينفذ ما يأمره به أرباب العمل هناك من حمل للسلع ونقلها من مكان لخآر وحراسته لبعض السلع. ولم تتوقف أعمال الاطفال عن هذا الحد بل تعدته إلى الاخطر، وهو عملهم في المصانع وورشات البناء التي تعد مقصلة لهم خصوصا إذا كان البناء مرتفعا وقد يصاب الطفل بكسور نتيجة رفع الاحمال الثقيلة. عمالة الأطفال في الميدان الزراعي إلى أين..؟ بما أن المناطق الزراعية هي الغالبة على الارياف فإن الكثير من الاسر تشغل أولادها في الزراعة، أو تجد الكثير من الاطفال العمال يفدون من مناطق أخرى إلى هذه المزارع لجلب القوت والرزق رغم العوامل الطبيعية الصعبة من قساوة البرد وحرارة الصيف. هم أطفال ومراهقون لم يعتادوا، خصوصا خلال العطلة الصيفية، على اللعب أو ممارسة مختلف أشكال اللهو الطفولية التي يتطلبها نموهم الطبيعي عقليا وجسديا، فيشعر هؤلاء الاطفال العاملون في الزراعة أن عملهم قد حرمهم من الحصول على وقت الراحة إذ لا يبقى لديهم متسع من الوقت للعب مع الاصدقاء أو القيام بنشاطات ترفيهية. وإحدى أهم مواصفات العمل في الزراعة أنه عمل عائلي، بحيث يضطلع كل أفراد العائلة بطريقة أو بأخرى بمهمة أو أكثر، ويختلف العمل فيها عن عمل الاطفال في قطاعات اقتصادية أخرى حيث يععمل الاطفال مقابل ما يمكن تسميته بالأجر، فالاطفال العاملون في الزراعة جميعهم تقريبا لا يتقاضون أي أجر باعتبارهم يقدمون المساعدة للاهل. وتتزامن معظم مهمات أعمال الاطفال في الزراعة 50٪ مع فصل الصيف وتتركز على جمع المحصول ونقل الغلة وتتسم ساعات العمل النهارية بالطويلة، أما عن الاماكن التي يعمل فيها الاطفال فهي دائما صغيرة ووسخة ويملؤها الغبار. ففي خلال أشهر الحصاد يجلس الاطفال على الارض أمام بيوتهم في مساحات ضيقة مع سائر أفراد العائلة والمزروعات تتوسطهم، أما حين يعمل الاطفال في الحقول فيجب عليهم تحمل أشعة الشمس الحارقة والحرارة المرتفعة للجو، وهما العاملان اللذان غالبا ما يتسببان لمعظم الاطفال بالصداع. وبالنسبة للادوات المستخدمة في تنفيذ مختلف المهام المتعلقة بالزراعة، فهي غير مناسبة وغالبا يدوية وتتضمن معدات خطرة دون احتياطات السلامة. والجدير بالذكر أن علب الطورائ وعلب الاسعفات الاولية مفقودة تماما من بيئة العمل. والشيء المؤسف هنا أن بعض العائلات تعتبر عمل الاطفال في أراضيهم أمرا طبيعيا لكنهم لا يدركون عواقب الظاهرة، فتعوّد الطفل على مثل هذا النشاط في سن مبكرة يفقده الرغبة في التعمل وهو حال عائلة تعيش بمنطقة ريفية تملك أراضٍ زراعية استغل فيها الاب والابناء، وهم في سن مبكرة، للعمل في الاراضي الزراعية التي يملكونها. هي عائلة تتكون من 5 أفراد، أصغرهم عمره 14 سنة، كانوا يزاولون دراستهم بشكل طبيعي لكن شقاء العمل أبعدهم عن مقاعد الدراسة يقول حمزة، وهو الابن الاصغر، إنه منذ كان صغيرا وهو يرى إخوته يمارسون الزراعة قبله، فعندما يأتون من المدرسة يذهبون مباشرة لرعاية الاغنام ورعاية الأرض، وهذا ما جعلهم يفقدون الرغبة في الدراسة، وبالتالي كان الرسوب هو النتيجة الحتمية لهم. أما عن نفسه فيقول إنه يقاوم لكي لا يحذو حذو إخوانه ويعيش حياة بعيدة عن العمل رغم ترغيب والديه فيه.