كل إنسان تسكنه بطولة .. ولد بها .. ويحيا بها لكنه لا ينتبه لوجودها ولا يأبه لأفضالها وخوارقها عليه .. وقليل منا من يعترف بمزية المخيلة أو المخيال علينا .. هاته القوة الخفية وهاته السلطة الجبارة التي توجد بداخلنا تتيح لكل واحد فينا إختراق الواقع واجتياز الحقائق، وتشرع أمامه أبواب الممكن وتجعل المستحيل جاثيا على قدميه أمامه، أنها قوة عظمى في حوزة الإنسان..لولاها لما استمر في الحياة.. ولاختنق .. لولاها لما تمكن من خلق عوالم أحبها واشتهاها ولما إستمتع بأشياء عزيزة صعبة المنال، ولما إنطلق مبحرا في العلوم وفي الإستكشافات وفي إنجاز أعظم الأعمال الإبداعية.. إنها سيدة العقل، هي من تسمح باختراق حدوده وتجعله يستشعر أشياء وموجودات أخرى، في كل المواقف وفي كل الأحوال يجدها هنا على تأهبها الدائم وعنفوانها المستمر تعرض خدماتها وتقدم إقتراحاتها بلا أدنى مقابل .. ولكثرة عطاءاتها وفيض كرمها والتزامها بخدمة الفرد يحسبها هو .. لا يعي إلتصاقها الدائم بلحظاته ونجدتها اللامشروطة لتصرفاته .. لولاها لتحول الإنسان إلى سجن إنسان والعالم إلى علبة كبريت ومن يقدر على تهديم اكبر الجدران واجتياز أكبر المسافات وابتكار أغرب الأشياء ،وكتابة أروع الأعمال واكتشاف أهم النظريات العلمية ..وحدها المخيلة التي لا تبخل عليك بشيء ولا تحاكمك على شيء ولا تشترط عليك شيئا ..إنها تعمل بقانون كي تكون إلا في حاله المحدودية الخاصة للعقل البشري . وكما يقول جاك واتن برغر ''لا حدود للنشاط التخيلي لأن الصورة تتوارى عن الوضعنة وعن التفتيش ''والإنسان مهما تعددت وسائله وقوى تفكيره ليس بمقدوره الاستغناء عن خدمات المخيلة، بدونها لن يقدر سوى على الكلمة الجوفاء الغبية والوجود الخاوي المفرغ ..من التأثيث التجريبي والمجرد من الحقائق التي لا تحصى ولا تتوقف على التوالد.. فالإنسان يستحضر المجهول ويستقدم البعيد النائي ،ويكلم الغائب ويتجاوز مكانه ويصل إلى الأقاصي ويخرج عن زمانه ويخاطب من يشاء ... ويشتم من يشاء ..ويحب من يشاء..ويكره من يشاء بفضل ثروة تصوراته وتخيلاته التي تتيح له ما لا يعد ولا يحصى من الصور المعقولة واللا معقولة الموجودة وغير موجودة ...المخيلة هي الخزينة التي تحوي أهواءنا وجنوننا وآمالنا... يوجد فيه الأشياء التي نرغب في تحقيقها والأشياء التي نحب أن تكون فهي العالم التجريبي الذي نمارس من خلاله الأفعال المشتهاة ، ونحيا دينامية لحظاتنا وأفكارنا وأذواقنا وطموحاتنا كبشر مصوبين أبدا نحو التجدد والحرية تواقين للوصول إلى معان أخرى وحقائق أخرى