أفادت البروفسور ''كيداري''، أخصائية في مصلحة طب الأطفال بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، بأن الأطفال المصابين بالسرطان في تزايد مستمر أي بحوالي 1000 إلى 1500 طفل وأكثر مصابين بمختلف أنواع السرطان يتصدرها سرطان الدم بنسبة أكبر وذلك في جميع الفئات العمرية من تحت 3 سنوات إلى غاية 14 سنة. أشارت البروفسور كيداري، أخصائية في مصلحة طب الأطفال بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، إلى أن السرطان أصبح يمس جميع الفئات العمرية للأطفال سواء أكانوا ذكورا أو إناثا، مصابين بجميع أنواع السرطان لكن يتصدرها سرطان الدم والذي يحتل نسبة عالية من الإصابات. وبين الأطفال المصابين الموجودين بالمصلحة هناك فئة الذكور تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 سنة، مصابين بسرطان الدم خاصة، أما الفئة الأخرى فهي تحت 3 سنوات أي في المراحل الأولى من العمر مصابون بسرطان الدم وسرطان البطن وكذلك سرطان الرأس. أما فئة البنات والتي تتراوح أعمارهن ما بين 5 - 14 سنة مصابين بسرطان الدم وكذلك سرطان العظام. وأشارت الأخصائية إلى توافد هؤلاء الأطفال من جميع الولايات وتتصدرها ولايات الجنوب خاصة منطقة الجلفة وتيسمسيلت والكثير من المناطق الريفية. وأكدت البروفسور ''كيداري'' بأن العلاج ضد سرطان الأطفال لا بد من أن يكون مناسبا وصحيحا لكي يتجاوب المريض معه بشكل أفضل، والأهم هو التشخيص بأسرع وقت ممكن نظرا إلى سرعة انتشار المرض عند الأطفال، حيث تشتد حركته بين أسبوع وآخر فيصبح وضع الطفل أكثر خطورة. والسرطان المنتشر لدى الأطفال هو سرطان الدم والذي يأتي في المقدمة ويليه سرطان الدماغ. أما بالنسبة للأعراض فهي تختلف من نوع إلى آخر، حسب موقع السرطان. ففي حالة سرطان الدماغ يعاني المريض تقيؤا وخللا في التوازن وآلاما في الرأس ونوبات صرع، وفي حالة سرطان الدم تكون الأعراض فقرا في الدم ونزفا وآلاما في العظام والتهابا متكررة. وأشارت ''كيداري'' إلا أنه لا بد من أن يلاحظ الأهل الأعراض مباشرة عند الطفل ويستشيرون الطبيب في وقت مبكر، أما في حالة سرطان البطن فنادرا ما يلاحظ الورم في البداية، وفي حالات كثيرة يصل الأطفال إلى المستشفى وهم في مرحلة متأخرة من المرض حيث لا يعود العلاج مفيدا. أما بالنسبة للعلاج فتقول البروفسور إن العلاجات المتبعة مع الأطفال تختلف كما بالنسبة للكبار حسب الحالة وحدّة الأعراض، أما أهم العلاجات فالعلاج الكيمائي والعلاج الإشعاعي ''العلاج بالأشعة'' الذي لا يتم اللجوء إليه إلا نادرا لدى الأطفال، كونه يؤثر على نمو الأعضاء التي تعالج. أما بالنسبة للعلاج الكيميائي فتنتج عنه بعد بضعة أيام من العلاج أعراض كالتقيؤ والهبوط في عدد الكريات الدموية والصفائح، مما يؤدي إلى ارتفاع الحرارة وتساقط الشعر. وأشارت الدكتورة إلى أن المرحلة الأولى من العلاج تستدعي بقاء الطفل في المستشفى لتناول الدواء خصوصا أنه يكون ضعيفا بعد تناوله، لذلك يصعب عليه في الفترة الأولى الذهاب إلى المدرسة ومتابعة حياته الطبيعية. وأضافت الدكتورة أنه نظرا لدقة حالة الطفل لا بد من التعامل معها بكثير من الحذر. فخلال هذه المرحلة يكون الطفل شديد التأثر بالأمراض التي يلتقطها نتيجة الجراثيم والبكتيريا، لذلك لا بد من اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية والابتعاد عن الأشخاص المصابين بأمراض معدية والمحافظة على النظافة العامة من غسل اليدين جيدا قبل الاهتمام بالطفل المصاب وغسل يديه وفمه وأسنانه بانتظام، كونه عرضة للالتهابات والتقرحات في الفم خلال مرحلة العلاج. التعامل مع الطفل المصاب بالسرطان يأخذ منحى آخر بما أن الطفل لا يجيد التعبير عن آلامه وعذابه وبالاضافة إلى وضعه الخاص الذي يشكل محنة بالنسبة إلى أهله الذين لايملكون فعل شيء إزاء آلامه، فلا بد من بذل المزيد من التعاطف معه حتى يستطيع تخطي الأزمة والإصابة، وهو ما أكده أخصائي أطفال بمصحلة طب الأطفال بمستشفى مصطفى باشا ''بن عدودة'' والذي أشار إلى أن الطفل في بعض الأحيان قد يشعر بالألم دون أن يفصح عن ذلك سواء لعدم قدرته أو لخوفه. وأضاف أنه من الضروري أن يجد الأهل وسيلة للتفاهم مع الطفل، حسب عمره ونموه الإدراكي، وخصوصا إن كان بعمر يقل عن الأربع سنوات، حيث يتمكنون من معرفة إن كان يتألم وتحديد مدى الألم وموضعه، ومن المهم مراقبة سلوكياته لمعرفة طريقته في التعبير عن شعوره بالألم مثل طريقة بكائه وغير ذلك. وأضاف الأخصائي أن التعامل مع سرطان الطفل ليس بالأمر السهل لمدى حساسية هاته الفئة واحتياجها إلى معاملة خاصة تختلف تماما عن معاملة الكبار، حتى على الأقل نستطيع التخفيف من المعاناة التي تشعر بها تلك البراءة، يقول. ترتيب حياة عادية كالسابق تحديات تواجه عائلة الطفل مواصلة الحياة اليومية مباشرة بعد الإصابة بالسرطان والتأكد من وجوده يعد أمرا صعبا على الأهل خاصة، لأنه بطبيعة الحال سيعيد ترتيب دفاتر اليوميات من جديد وبطريقة تخرج الطفل المصاب بالسرطان من قوقعة المرض وآلامه ومن الحالة الانتكاسية التي سيعاني منها بعد ذلك، وخاصة خلال الفترات الأولى من بداية المرض وفترة تشخيصه لأن الطفل سيرفض التغييرات التي طرأت عليه، خاصة أن المرض يفتك يوما بعد يوم بصحته ونفسيته، وهذا ما يجعله يرفض كل شيء يقدم له حتى وإن كان علاجا يشفيه من الإصابة، زد على ذلك فترة إقامته بالمستشفى والتي طبعا ستجعل طبيعة حياته اليومية تأخذ منحى آخر حتى وإن كان بجانب أهله باستمرار. أما عن مدرسته، أكد أخصائي الأطفال ''بن عدودة'' على أن جل الأطفال الموجودين بالمصلحة متمدرسون وتوقفوا عن الدراسة لفترة العلاج، فمنهم من كانت فترته قصيرة ومنهم من طالت مدة ابتعاده عن المدرسة. وبالرغم من أن السرطان سيغير حياة الطفل لمدة طويلة فستظل له نفس احتياجات الأطفال الآخرين، ومنها بطبيعة الحال الصداقات والمدرسة وكل النشاطات التي كان يمارسها قبل المرض. ويعد ترتيب تواصله مع أصدقائه سواء بالزيارات داخل المستشفى، والاستمرار في التعليم أمرا حيويا بالنسبة للطفل في سن المدرسة فهي النشاط الأكثر فاعلية في هذا السن وستقويه للتغلب على المرض. نور الدين.. فضيل ومحمد.. أطفال افتك بهم السرطان وقضى على أحلامهم بأعين حزينة وببراءة الأطفال وبأنين الألم، استقبلنا هؤلاء الأطفال في غرفهم التي كانت تبدو كالسجن الأبدي الذي حرمهم من الطفولة والبراءة، الاختلاف الوحيد فيها هو أنها مزينة بلعب أطفال وبألوان لا غير. البداية كانت بغرفة ''عبد اللاوي نور الدين'' صاحب 13 سنة، القادم من ولاية عين الدفلى وبالتحديد من منطقة ريفية. كانت حياته عادية قبل أن يداهمه المرض ويلزمه الفراش. تقول والدته: ''نورالدين كان طفلا عاديا لا يشكو من أي مرض ويزاول دراسته بصفة عادية خاصة وأنه انتقل إلى المرحلة الاعدادية بعد نجاحه في الابتدائي السنة الماضية، إلى أن بدأت تظهر عليه بعض الأعراض قبل 4 أشهر فبدأ يحس بآلام في رجليه ثم باقي أنحاء جسمه، وبدأ الألم يزداد في باقي العظام ثم تطورت حالته وأصبح يعاني نزيفا في الدم من أنفه، هنا في هذه الحالة قررت أنا ووالده أخذه إلى الطبيب في المنطقة، الذي قام بتحويله مباشرة إلى المستشفى الجامعي مصطفى باشا حيث أجريت له جميع التحاليل المناسبة، واكتشفنا بعدها أنه مصاب بسرطان الدم''. تتوقف قليلا السيدة عبد اللاوي وكأنها تذكرت تلك المرحلة الصعبة في حياتها وحياة ابنها فما كانت إلا الدموع تنزل على خديها متمسكة فقط بالدعاء إلى الله بالتخفيف عن ابنها فلذة كبدها. أما نور الدين فكان صامتا فقط وكأنه لا يعرف تماما خطورة المرض أو عكس ذلك، بالرغم من أسئلتنا الكثيرة التي طرحت عليه والتي كانت كلها أسئلة مضحكة وخفيفة ارتأينا من خلالها التخفيف عنه، بعدها نطق بكلمة واحدة بعد طول انتظار ''راني لاباس.. توحشت صحابي''. كلمات قالها نور الدين بصوت خافت لعدم قدرته على الكلام، تمنينا خلالها لو حققنا له جميع أمانيه. من غرفة نور الدين اتجهنا إلى غرفة كان بها الطفل فضيل صاحب 11 عاما مع والدته، والذي أرقده المرض مدة عامين وهو يصارعه تاركا دراسته، أصدقاءه وحيه ليستقر بالمستشفى. كانت حالته جد صعبة من تغير لون بشرته إلى فقدانه لشعره إلى عدم قدرته على الكلام، وهنا منعنا الأطباء من الدخول إلى الغرفة لتطور حالته وكان لقاؤنا مع والدته خارجها. تحدث والدة فضيل عن حالته والتي بدأت بمشكل فقر الدم ونقص السكولوج وتطورت حالته إلى أن اكتشفت إصابة بالسرطان. وتضيف الوالدة: ''نقص الإمكانيات في بلادنا ونقص الثقافة لدينا أمر جد صعب فنحن لم نتعود أن نتقبل فكرة التحدث عن السرطان وكل ما نستطيع قوله ''بعيد الشر''، وهذا هو الخطأ بعينه لأن كل واحد قد يكون معرضا لا محالة. ومن جهة أخرى نقصان التكفل النفسي بالطفل أو حتى بوالدته خاصة لأنها المرافقة الدائمة له وهذا ما يجعلنا في حاجة إلى أشياء كثيرة''. وتضيف أن ابنها ابتعد عن الدراسة لمدة عامين وما باليد حيلة، فالقضاء والقدر أقوى منا وما عسانا إلا الدعاء والتضرع لله.