تعرف الكثير من العائلات الجزائرية اليوم بروز سلوكات سيئة لم تكن في السابق منتشرة بهذا الحجم، أو بالأحرى كانت تقتصر فقط على العائلات الفقيرة. وأكثر هذه السلوكات سوءا عادة السرقة عند الأطفال سواء أكانوا ذكورا أو إناثا وبمختلف الأعمار أيضا، وهو ما يستدعي دق ناقوس الخطر في أساليب التربية وفي الحالة النفسية التي يعيشها هؤلاء للحد من أسوأ الظواهر على الإطلاق، حسب ما أكده الكثير من الأخصائيين النفسانيين. يعاني الكثير من الأطفال وبمختلف الأعمار من مشاكل نفسية كثيرة قد تدفع بهم، في بعض الأحيان، إلى ارتكاب ما هو أعظم من الاضطرابات النفسية ذاتها أهمها السرقة التي أصبحت ظاهرة اجتماعية تخص الفتيات كما تخص الذكور على حد سواء، في ظل غياب رقابة الأهل والتسيب والتغاضي عن بعض السلوكات اليومية حتى وإن كانت بسيطة والتي من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصة إذا غالى الأولياء في العطاء في سن مبكرة للطفل، فإن ذلك سيجعله حتما، ومن دون شك، يبحث عن البديل الذي قد يحرمه إياه والداه يوما ليعوض ذلك النقص وطبعا إذا وقع في الخطأ مرة سيقع فيه بعد ذلك مرات عديدة. السرقة صفة مكتسبة والبيئة لها دور كبير في تغذيتها ليس هناك طفل يولد بميل للسرقة، لكن البيئة التي يتربى فيها ويتفاعل معها هي التي ترسخ فيه هذا النوع من السلوكات الخاطئة والسيئة في نفس الوقت. ذلك ما أكدته الأخصائية النفسانية ''برجان'' والتي دعت الأولياء إلى ضرورة مراقبة أولادهم منذ الصغر في تصرفاتهم وفي سلوكاتهم أيضا، وعدم ترك المجال مفتوحا أمام الطفل يفعل ما يشاء حتى يتعود على ذلك ويصبح لديه حب السيطرة وتملك أشياء الآخرين. لكن للإشارة فقط، تقول الأخصائية، أننا لا نستطيع القول بأن الطفل في سن 4 و5 سنوات سارق حتى يتكون لديه مفهوم الممنوع والمسموح أي حتى يصبح لديه حس التمييز بين ما هو يخصه وبين ما لا يخصه، وبالتالي لا يصح أن يصنف الطفل بأنه سارق خاصة أمام إخوته لأن ذلك سيسبب له الكثير من الإحراج، فالطفل إذا في هذا السن يحب تملك الأشياء فقط. أما السرقة كسلوك منحرف، فذروتها تكون في سن 10 سنوات وما فوق. ففي الخمس سنوات الأولى من الخطأ الشديد أن يعامل الطفل بقسوة لأنه لا يدرك أنها سرقة، ولذلك أكدت الأخصائية أن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دورا كبيرا في صقل شخصيته وسلوكاته خاصة في سن المراهقة. فالفقر وانعدام الحاجات الأساسية للطفل تدعوه إلى السرقة وأحيانا الغنى، فإذا تربى الطفل في وسط عائلي يوفر له الترف والرفاهية فإن ذلك قد يكون دافعه إلى السرقة إذا أحس يوما بالحاجة. وأيضا بعض السرقات المتكررة لدى الطفل تكون نتيجة الحرمان العاطفي سواء أكان حقيقيا أو خياليا، وبالتالي فإذا نشأ الطفل في بيئة فقيرة عاطفيا لا تمده باحتياجاته العاطفية، في هذه الحالات السرقة تكون مصحوبة بالكذب والعدوانية والميل للتخريب و المسرقة في هذه الحالة ما هي إلا تفسير عن فقدان الحب والحنان. وأضافت الأخصائية أن السرقة هنا لا يمكن اعتبارها شيئا سلبيا تماما، فهي تترجم استمرار وجود الأمل عند الطفل للحصول على إشباع عاطفي تام من أسرته والبيئة المحيطة به، أي أنها بمثابة ناقوس يدقه الطفل ليدفع الآخرين للانتباه له والاعتناء به. إضافة إلى كل هذا تقول الأخصائية إن هذا النوع من السلوك لا يكون جانحا إلا عند المراهقين وليس لدى الطفل، ولكن هذا لا يمنع من أخذ الحيطة والحذر وعدم الحرمان أو التسيب واللامبالاة من طرف الوالدين حتى يدفعوا بطفلهم إلى دوامة السرقة التي يعد الخروج منها أمرا صعبا جدا. وحتى الفتيات دخلن عالم السرقة من بابه الواسع الأمر المتعارف عليه أن السرقة منتشرة وسط الذكور كثيرا لدوافع عديدة، لكن ما أصبح يتداول اليوم وسط الكثير من العائلات هو لجوء الفتيات أيضا إلى السرقة ومن دون أي خوف أو خجل. فكثيرا ما نسمع عن حوادث سرقة داخل المنزل خاصة كان وراءها فتيات، والأدهى من ذلك أن تلك السرقة كانت لسنوات عديدة ولم يكتشف ذلك بحكم أن الفتاة لا يمكن أن تمدّ يدها على ممتلكات أهلها. والدوافع والعوامل عديدة ومن دون شك تقول الأخصائية النفسانية أهمها الحرمان والفقر. فنشأة الفتاة وسط بيئة فقيرة ومعدومة قد تدفع بها إلى التطاول على أشياء الآخرين خاصة إذا كانت تخالط من هم أغنى منها، فهي تشعر بالحرمان. وأحيانا أخرى يكون الانتقام هو أحد الأسباب كأن يستغني أفراد العائلة عن دورهم العاطفي تجاه تلك البنت وبالتالي يدفعها ذلك إلى الانتقام منهم خاصة إذا كانوا يعيشون في جو عائلي مسبقا. وأحيانا قسوة الأهل المفرطة والسيطرة على الفتاة تدفعها لأن تهرب إلى عالم آخر يشبع رغباتها ولا يمهما رأي الآخرين، وبالتالي تلجأ إلى السرقة. إضافة إلى ذلك تعرض الفتاة للاضطهاد والدفع بها إلى الشارع وهناك ربما تتعرض للاغتصاب، يكون ذلك دافعا آخر للسرقة حتى تضمن حياة كريمة، وهو حال إحدى الفتيات القاطنات بالغرب الجزائري والتي تعرضت للاغتصاب ونكّل بها أهلها أشد التنكيل ودفعوها للشارع، فكانت السرقة أول باب طرقته فبدأت بسرقة بعض المستلزمات البسيطة لتأكل وتسد رمق جوعها ثم بعد ذلك تحولت سرقة أشياء ثمينة، وكان جزاؤها بعد ذلك السجن. وبالتالي فإن قسوة الأهل على الفتاة عندما تكون بحاجة إليهم تدفعها إلى الخروج عن المألوف. وفي هذه الحالة تدعو الأخصائية النفسية إلى مراقبة الطفل من طرف الأهل وللفتاة أحيانا على حد سواء في سلوكاتهم وفي تصرفاتهم حتى لا يدفعوا بهم إلى مثل هذا السلوك الخاطئ، والابتعاد عن القسوة والحرمان والشح وأحيانا البذخ والعطاء المفرط فيه لأنها كلها دوافع إلى مد اليد بعد ذلك.