رغم أن التشريع الجزائري المعمول به حاليا يحتوي على جملة من النصوص التي تنطوي على تدابير تستهدف حماية الطفل القاصر، ويتضمن مجموعة من المواد والقواعد ذات الصلة بالطفل، أولها ألا ينبغي أن يقل العمر الأدنى للتوظيف عن 16 سنة، إلا في الحالات التي تدخل في إطار عقود التمهين، كما لا يجوز توظيف القاصر البالغ من العمر بين 16 إلى 17 سنة كاملة حسب هذا التشريع المعمول به، إلا بناء على رخصة من وصيه الشرعي حيث لا يجوز استخدام العامل القاصر في الأشغال الخطيرة أو التي تنعدم فيها النظافة أو تضر بصحته أو تمس بأخلاقياته، غير أن الواقع مغاير لذلك تماما. لاحظنا، في الآونة الأخيرة، تنامي ظاهرة جديدة في مجتمعنا الجزائري، ألا وهي ظاهرة عمالة الأطفال، واعتماد الأسرة على أصغر أعضائها سناً، دون أدنى اعتبار لمصيره أو مستقبله من ناحية، وتعرضه لشتى أنواع الأخطار الجسدية والأخلاقية كالتعرض للانحراف مبكراً وكذا الاستغلال من ناحية أخرى، فأطفالنا اليوم يسترزقون عبر الشواطئ الجزائرية يوميا تحت الشمس الصيف الحارقة. هذه الظاهرة ليست جديدة ولكننا معتادون على رؤيتها واسماع حكاياتها مع كل دخول لموسم الصيف بشواطئنا، فمن الغرابة أن من نراهم على الشاطئ أطفال لا يتجاوز سنهم الخامسة عشر أو أقل من ذلك. براعم يافعة كلها براءة لا تتجاوز أعمارهم سن السادسة، يجوبون الشواطئ بين طاولات العائلات المصطافة، يبيعون ما تصنعه أيادي أمهاتهم أو ما يجبرهم آباؤهم على بيعه، حتى أنهم يهددون بعدم الدخول إلى بيوتهم إلا وقد باعوا كل ما بحوزتهم من سلع وإلا فسيلاقون الشتائم والضرب. ونحن نتجول بشاطئ أزير بزرالدة، صادفت أعيننا مجموعة من الأطفال، عددهم يتجاوز 30 طفلا، من صغار ومتوسطي السن، أعمارهم تتراوح ما بين 5 و15 سنة، والبقية الأخرى من الكبار ما بين 18 و40 سنة. ولكن الغريب في الأمر أن البنات الصغيرات أيضا أضحينا يمتنن هذه المهنة، ألا وهي بيع ''المحاجب سخونين'' و''ليبينيي'' بالمعجون والشكولاطة، فعلا تعتبر ظاهرة غريبة في مجتمع نامٍ، فكيف لآباء وأمهات أن يرسلوا بناتهم وفلذات أكبادهم للبيع والاسترزاق، بالتجول بين شواطئ العاصمة في موسم الحر؟ موسم الحر والتعب والذي تكثر فيه الاعتداءات؟ حتى وإن كان حراسته مشددة بعناصر الدرك والأمن الوطني، لكن هذا لا يمنع ولا ينفي وجود شباب طائشين قد يرتكبون في حقهم جرائم أخلاقية، وكم من الحوادث التي يقشعر لها البدن يتعرض لها الأطفال القصر ببلادنا بعيدا عن رقابة وأعين الأولياء الذين يتعمدون في بعض الأحيان إرسال أبنائهم وبناتهم للخطر، ويتهاونون في حراستهم. صغار السن.. رجال قبل أن يبزغ فجر رجولتهم الحديث عن وضعية الطفولة بين شواطئ الجزائر، يقودنا حتما للنظر إلى الخلفيات، وإلى الطريقة التي يعيشونها داخل منازلهم، فهناك بالفعل مشاكل اجتماعية واقتصادية مرتبطة بحياتهم، وهو ما أدى إلى تفشي بشكل لا فت للانتباه ظاهرة عمالة الأطفال، يمارسها أطفال أبرياء من مختلف الأعمار والأجناس. منير، عبد الرؤوف، سيف، عبد النور، سلمى، فريال ومنال وآخرون، هم أطفال في عمر الزهور، سنهم ما بين 5 15 سنة التقت بهم ''الحوار '' بشاطئ أزير الواقع بمقاطعة زرالدة ، شاءت الظروف أن يجدوا أنفسهم وسط واقع اجتماعي مر، ليس لهم يد فيه. البهجة سلبت على وجوههم البريئة، وعوض أن يكونوا محاطين بأسرة توفر لهم الرعاية والحماية، لكن ''تجري الرياح بما لا تشتهي السفن''، فكل واحد من هؤلاء الأطفال له في جعبته ما يرويه لنا من مآسٍ وظروف اجتماعية قاسية يعيشونها، والسبب الرئيسي وراء لجوئه إلى العمل في هذه السن المبكرة. نظرا للحزن الذي يخيم على ملامحهم ومظهرهم المزري الذي ينبئ بمعيشة ضنكى، أثارت فينا شفقة وجعلتنا نشتري منهم كم حبة ''محاجب'' و''بينيي''، فقط لأجل إسعادهم وإنقاص عليهم مشوار الذهاب والإياب بين الشواطئ وطاولات العائلات المصطافة. وكلما اشترينا من أحدهم، إلا واستفسرنا عن سبب وجوده بين هذه الشواطئ، فالطفل ''عبد الرؤوف'' مثلا لا يصل عمره إلى ست سنوات، وهو واحد من بين الأطفال الذين لفتوا انتباهنا فأمعنا النظر إليه، كونه صغير السن، قصير القامة وضعيف البنية، يمشي مع أخيه ''منير'' الذي يكبره بأربع سنوات، وكل واحد يحمل صينية، فالصغير صينيته تحتوي على 30 حبة ''محاجب''، والآخر صينيته تحوي على 50 حبة ''ليبينيي''، استفسرنا عن المستوى الدراسي ل ''منير'' فأجابنا أنه من المتفوقين، حيث يتحصل على معدل 16 و17 / من 20 درجة، ولماذا أنت هنا فرد قائلا بعد صمت قليل: ''والدي أجبرني على البيع والاسترزاق في موسم العطلة الصيفية، حتى أوفر النقود لاشتري بها الملابس والأدوات المدرسية للدخول المدرسي المقبل، وأيضا ملابس العيد، لان شهر رمضان على الأبواب ويتزامن مع عطلتنا''. وعن والده إن كان يشتغل فلم يودّ الطفل إجابتنا، ونحن فهمنا من سياق سكوته أن والده عامل وله راتب شهري، وفي الحين اشترينا منه ومن أخيه حبات ''محاجب'' و''بينيي''، أما عن الذي يقوم بصنعها فأجابنا في الحين أن والدته تنهض في الصباح الباكر، يوميا، في حدود الساعة الرابعة صباحا، لتقوم بصنعه لهم وتنتهي من الطهي في حدود الساعة التاسعة صباحا، حيث ينهضا ويذهبا مباشرة إلى شواطئ بدايتها من شاطئ ''بلامبيتش'' مشيا على سواحل وطاولات المصطافين إلى غاية شاطئ أزير بزرالدة، لبيع ما قدمته لهم والدتهم، ليعودا في المساء، وأحيانا في ساعات متأخرة من الليل، أي إلى غاية بيع كل ما عندهم وإلا يعاقبون من قبل والديهم. ''سيف'' ذو التسع سنوات، هذا الطفل الصغير الذي ظهر لنا وكأنه رجل كبير، من خلال كلامه معنا وعباراته التي لا ينطقها إلا من عرف هذه المهنة واحتك بها، رغم العرق الذي كان سيل من على جبينه وهو يتنقل بين طاولة وأخرى، إلا أنه كان يصر على أن يبيع كل ما بكيسه الكبير، من قارورات المياه المعدنية الباردة في حرارة الصيف اللافحة، والتي كان الطلب عليها كبيرا من قبل المصطافين، خصوصا وأن حرارة هذه الأيام لم تكن عادية ولا تطاق، ولكن قارورات المياه المعدنية التي يبعيها ''سيف'' وجدت زبائنها و طريقها إلى أفواههم، حيث كان رزقه في ذلك اليوم من أيام الصيف على يدهم، فمنهم من يعطيه 20 دينارا على القارورة ومنهم من يضيف له 5 دنانير، ومنهم من يضيف 10 دنانير، عندما ينظرون إلى جسده الغض ولباسه الرث، والعرق الذي يتصبب من على جبينه، ولكن لولا الحاجة الملحة للعمل لما اختار ''سيف'' العمل تحت أشعة الشمس الحارقة في شهر الصيف، ولاختار كبقية أقرانه وأبناء حيه أن يذهب إلى الشاطئ، ليسبح أو يلعب أو يقضي وقته بين قاعات الألعاب ''البابي فوت''، ولكن للأسف الجوع علمه الكد والعمل، بهذه العبارة الكبيرة التي قالها سيف تأكد لنا أن هذا الصغير ''قراه الجوع والحفا'' وصار بمثابة رجل صغير.. سلمى.. فريال ومنال وأخريات صغيرات.. يعملن من أجل إنقاذ عائلاتهن لم تقتصر ظاهرة البيع والاسترزاق بالشواطئ على فئة الأطفال من جنس الذكور، بل وأصبح لفئة الإناث قسط من هذه ''الميزيرية''، فوجدنا بعض الفتيات يقمن ببيع المحاجب وليبينيي بالشواطئ، وبالفعل هناك بنات اضطرتهن الظروف الاجتماعية القاسية، للجوء أيضا إلى البيع بالشواطئ العاصمية، واللجوء إلى هذا العمل ليس رغبة منهن، بل سعياً لمساعدة أسرهن التي هي بحاجة ماسة إلى عملهن، لإنقاذها من شبح الجوع الذي يطاردها. سلمى واحدة من اللائي حتمت عليهن الظروف الاجتماعية القاسية، التخلي عن مقاعد الدراسة والاضطرار للعمل مبكراً، وهي لم تتجاوز 21 عاما، سعياً وراء ضمان لقمة عيش لأسرتها. سلمى في حديثها معنا قالت إنها تعيش في حي يتميز بالمزيرية مع أسرتها الفقيرة المتكونة من 6 أفراد، وأضافت أن والدها بطال وأن أسرتها في كثير من المرات لا تجد حتى ثمن رغيف خبز، وبالتالي حسبها ليس بمقدورها اقتناء اللوازم المدرسية التي تعتبرها مبالغ خيالية مقارنة بوضعهم الاجتماعي المزري، وهنا قالت لنا ''هو الأمر الذي اضطرني إلى التخلي عن مقاعد الدراسة في سن مبكرة، والآن أعمل في هذا الشاطئ، لمساعدة أسرتي لشراء ما نستطيع أكله''. الطفلة ''فريال'' التي لا يتجاوز سنها 10 سنوات وتدرس بالسنة الخامسة ابتدائي، كبقية الفتيات اللواتي شاءت الأقدار أن يلجأن إلى العمل في سن مبكرة، سعياً منهن لإنقاذ عائلاتهن من الضياع، وتوفير حاجياتهن الدراسية من كتب وكراريس وما شابه ذلك، قالت لنا إنها يوميا بعد انتهاء الدراسة، تقوم ببيع المطلوع الذي تصنعه والدتها، ''نقود المطلوع توفر لي إمكانية شراء الأدوات المدرسية، لأن مدخول والدي لا يكفي، ولأن حبي الكبير للدراسة يجعلني أعمل دون كلل ولا ملل، حتى في فصل الصيف أعمل أيضا لا لشيء سوى لأن طموحاتي كبيرة، في أن أحقق أحلامي في يوم من الأيام''. عبد اللاوي حسين أستاذ علم الاجتماع.. كل المؤشرات تدعو إلى دق ناقوس الخطر ولابد من اتخاذ تدابير وقائية لحماية براعم الجزائر قال عبد اللاوي حسين، أستاذ علم الاجتماع، إن الحديث عن وضع الطفولة في الجزائر، يقودنا حتما إلى الحديث عن باقي المشاكل المرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعن التقصير المتعدد الأوجه في حق هذه الشريحة الهامة كونها جيل المستقبل، وكل المؤشرات تدعو إلى دق ناقوس الخطر، لأن ظاهرة ''عمالة الأطفال'' أخذت في الانتشار ولابد من اتخاذ تدابير وقائية لحماية براعم الجزائر من الانحراف المبكر وتوجيههم إلى مراكز لها إمكانات لرعايتهم، مع تقديم المساعدات الاجتماعية التي تقع على عاتق وزارة التضامن التي لم تحركها الظروف المزرية التى فرضت على أطفال الجزائر أن يكون كبارا لتوفير لقمة العيش لأسرهم الفقيرة. محذرا، على ضوء الأرقام التي كشفت عنها دراسة أعدتها وزارة الصحة بالتنسيق مع وكالة الأممالمتحدةبالجزائر، تبين من خلالها أن 443 ألف طفل دون 15 سنة، اضطرتهم الظروف الاجتماعية إلى العمل. وحسب محدثنا فإن هذه الظاهرة تحرمهم من التعليم وتكوين الشخصية في هذه المرحلة من العمر، كما انها ترجع إلى التسرب المدرسي في سن مبكرة، وأن الطفل عندما يتوقف عن الدراسة لأي سبب كان، فحتماً سيجد نفسه في الشارع الذي لا يرحم. وأمام الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الجزائر، يضطر الكثير من أرباب الأسر والعائلات إلى الدفع بأبنائهم إلى سوق العمل في أي مهنة، المهم لقمة العيش، وهو ما يؤدي إلى بروز خطورة ممارسة مختلف المهن ولاسيما الحساسة على صحة الأطفال، إذ غالباً ما تكون ظروف العمل كراثية ولا تراعى فيها الشروط والمقومات الإنسانية المطلوبة، فهي تشكل بالفعل خطراً كبيراً على صحتهم البدنية وعلى نموهم العقلي؛ فاللائحة كبيرة عليها العمل كالبيع في الشواطئ طول اليوم وهم تحت الشمس الحارقة. 8,1 مليون طفل عامل بالجزائر.. 56 بالمائة منهم إناث كشفت دراسة مسحية أعدها أكاديميون جزائريون مؤخرا أنّ عدد الأطفال العاملين في الجزائر، وصل أوائل العام الحالي إلى 8,1 مليون طفل بينهم 3,1 مليون تتراوح أعمارهم بين السادسة والثلاث عشرة سنة، علما أنّ 56 % منهم إناث. وتفيد بيانات جمعيات الطفولة المسعفة في الجزائر بأنّ نسبة 28 % من الأطفال العاملين يتراوح سنهم بين 13 و15 عاما، رغم أنّ المُشرّع الجزائري واضح بهذا الشأن، حيث يمنع قانون العمل الجزائري منعا باتا عمل كل شخص لا يتجاوز سنه 18 عاما، ويعتبر القانون ذاته عمل الأطفال ''استغلالا''، ومع ذلك يشهد سوق الشغل ''الطفولي'' اتساعا من عام إلى آخر، ولاسيما على مستوى الأسواق الموازية وكذا في الأرياف التي يسجّل بها 52.1 % من الأطفال العاملين، حيث يفضل أرباب العمل الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة وغير المتمردة. يعود عمل الأطفال إلى عدة عوامل، أهمها الفقر وتدني العائد الاقتصادي والاجتماعي من التعليم، حيث باتت الجزائر تعيش في الظرف الراهن واقع إرث اجتماعي واقتصادي جد متدهور، في ظل ما أفرزه شبح انحراف القصّر بجانب ما ولّدته مظاهر البطالة المتفاقمة واشتداد حدة الفقر من إمعان في كارثية مضاعفة مقارنة عما كان الحال في العشريات الأربع المنقضية. ويضع تقرير أعدته المنظمة العالمية للطفولة الكائن مقرها ببروكسل، الجزائر في مقدمة الدول المغاربية، من حيث عمالة الأطفال، علما أنّ منطقة المغرب العربي تحتل الصدارة عالميا ب2,6 مليون طفل عامل، وتصنف الجزائر استنادا إلى كشوف المنظمة العالمية للطفولة، في نفس المستوى مع الصومال، جيبوتي، العراق، السودان وفلسطين. تحذيرات من تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر هذا وحذر مختصون من تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر على ضوء الأرقام التي كشفت عنها دراسة أعدتها وزارة الصحة بالتنسيق مع وكالة الأممالمتحدةبالجزائر، تبين من خلالها أن 443 ألف طفل دون 15 سنة اضطرتهم الظروف الاجتماعية إلى العمل. أبرز المتدخلون في اليوم الدراسي الذي احتضنه، مؤخراً، معهد الحقوق والعلوم الإدارية بالمركز الجامعي بخميس مليانة أن 3 ,1 بالمائة من أطفال الجزائر يعملون في الورشات الخاصة و3 ,2 بالمائة يمارسون نشاطا اقتصاديا خارج المنزل و4, 2 بالمائة يعملون في نشاطات تجارية موازية من أجل تحسين دخل الأسرة، و8 بالمائة من أطفال الأرياف يساعدون ذويهم في أعمال الزراعة وتربية المواشي. ف. ن