ما إن تفجرت الأوضاع في العزيزة تونس حتى أطلت علينا الصحف العربية بتنبؤاتها حول مستقبل مظلم للوضع في الجزائر، وللأسف سار على خطاها البعض منا حاملا تقارير الدسائس والرسائل المبطنة تحاول إشعال الشارع. ولكن ما غاب عن بال تلك الأقلام المأجورة للأسف الشديد هو أن الجزائر ليست تونس، فعلى الأقل في الوقت الذي كانت فيه قرطاج بن علي تئن تحت وطأة القمع البوليسي نهاية التسعينات، كانت الجزائر تتمتع بتجربة وصفها الأعداء قبل الأصدقاء بأنها ديمقراطية وحققت فيها الجزائر الكثير من المكتسبات، وحينها كانت التجربة الإعلامية في الجزائر مثالا يقتدى به ونموذجا رائدا قل نظيره في الوطن العربي .. نقول لتك الأبواق، ندرك أن هامش الحرية يتطلب المزيد من التوسعة لكننا لسنا توانسة.. ففي الوقت الذي كان فيه الشارعان الجزائري وجاره التونسي ملتهبا كشفت طريقة تعامل السلطات مع الاحتجاجات الشعبية الفرق بيننا وبين جيراننا، ففي الوقت الذي فضل فيه نظام بن علي الضرب بيد من حديد وقرر إطلاق الرصاص الحي على أبناء جلدته، وأمر بالاستعمال المفرط للقوة، لجأت الجزائر إلى تهدئة المحتجين وعملت على تسقيف الأسعار، وتركت المجال واسعا للمحتجين للتنفيس ودليل ذلك أعداد المصابين من أعوان الأمن الذي فاق عدد المصابين من المواطنين بثلاثة أضعاف .. نقول للذين يهولون وللذين يدقون طبول الحرب أن الذي تمر به الجارة الشقيقة تونس، ونحن في السنة الحادية عشر بعد الألفية الثانية، مرت الجزائر به قبل ذلك بعشرين عاما في تجربة تولد عنها فتح مجال الحريات وتعدد الأحزاب .. في حين انتفض الأشقاء في تونس اليوم شوقا للتغيير وأملا في رؤية وجوه أخرى غير رجالات بن علي وأسرة الطرابلسي التي سيطرت على مقاليد الحكم في تونس وسيرت البلاد والعباد، فتونس اليوم ودّعت عهدا واستقبلت آخر على أمل أن يكون أحلى من عهد زين العابدين. للأقلام المأجورة والأبواق المتحاملة نقول، الجزائر ستخيب أملكم، فلا تراهنوا على الأحصنة الخاسرة، ولتبحث فضائياتكم عن مادة إعلامية في مكان آخر تنفخوا فيها ولتعملوا عليها عدة أيام ...