ربيقة يشارك في تنصيب قائد جيش نيكاراغوا    القانون الأساسي لموظفي التربية    نثمن الانجازات التي تجسدت في مسار الجزائر الجديدة    جائزة التميّز للجزائر    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    تعديل في نظام تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة    اقتناء "فيات دوبلو بانوراما" يكون عبر الموقع الإلكتروني    اجتماعٌ تنسيقي بين وزير السكن ووزير الفلاحة والتنمية الريفية    رهينة إسرائيلي يقبل رأس مقاتلين من كتائب القسام    معركة فوغالة كانت بمثابة القيامة على جنود العجوز فرنسا    بوغالي يلتقي اليماحي    جنازة نصر الله.. اليوم    كل خطوة تخطوها الجزائر اليوم تقربها من ساحة البلدان الناشئة    اتحاد التجار يطلق مبادرة لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية    باتنة: الدرك الوطني بوادي الشعبة توقيف عصابة تنقيب عن الآثار    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    السيدة بهجة العمالي تشارك بجنوب إفريقيا في الاجتماع المشترك لمكتب البرلمان الإفريقي    تعزيز المطارات بأنظمة رقابة رقمية    الإجراءات الجمركية مطبّقة على جميع الرحلات    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    استفادة 4910 امرأة ريفية من تكوين في الصناعة التقليدية    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    اعتماد 4 سماسرة للتأمين    المجاهد قوجيل يحاضر بكلية الحقوق    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور صربيا    دراجات/الجائزة الدولية الكبرى لمدينة الجزائر: ياسين حمزة (مدار برو سيكيلنغ) يفوز بنسخة-2025    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    مولودية الجزائر تطعن في قرار لجنة الانضباط    المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية يؤكد رفضه التام والكامل لكل أشكال التهجير للشعب الفلسطيني    العاب القوى/الملتقى الدولي داخل القاعة في أركنساس - 400 متر: رقم قياسي وطني جديد للجزائري معتز سيكو    الأولمبياد الوطني للحساب الذهني بأولاد جلال: تتويج زينب عايش من ولاية المسيلة بالمرتبة الأولى في فئة الأكابر    رئيس الجمهورية يدشن بتيبازة مصنع تحلية مياه البحر "فوكة 2"    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    صِدام جزائري في كأس الكاف    هلاك 4 أشخاص وإصابة 228 آخرين في حوادث المرور خلال 24 ساعة    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    مبارتان للخضر في مارس    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال من التاريخ.. الشيخ محمود ياسين -2-
نشر في الحوار يوم 30 - 09 - 2008

وكان ينعم بمتعة الطرفة على أحسن ما نعم بها بشر، فكان يعيش في قفر الحياة في واحة مخضرة ظليلة، وروضة ممرعة أنيقة. وكان واسطة عقد جماعة من كرام الناس أحبهم وأحبوه، ودعاهم إلى الخير فاتبعوه، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فأطاعوه؛ فاتحدوا قلبا وقالبا، فهم يقرؤون معا، ويصلون معا، ويذهبون ويجيئون، ويجدون ويهزلون، كل دار لأحدهم دار لهم كلهم، وكل ماله مالهم، يجيء الشيخ محتاج منهم فيعطيه كيس ماله ليأخذ منه ما يريد، ولكنه يضيق فلا يأخذ منهم، خلة فيه رحمه الله.
تآخت أسرهم، وتوادت نساؤهم، حتى إن أربعة منهم، أحدهم الشيخ، رأوا حاجة الناس إلى الاصطياف، ورأوا فساد المصايف فاختاروا بقعة في (الهامة) من فوقها الجبل الأشجر، ومن تحتها ومن حولها الخمائل المتتالية، والنهر يجري أسفل منها زاخرا فياضا، فبنوا فيها دارا، مشتركة فيهم مهايأة، قسموا بينهم أيام الصيف وأيام الشتاء، وليالي القمر وليالي الظلام، فكانت شيوعية إسلامية. وكان رجل دين حقا، لست أعني أنه من هؤلاء الواعظين المحترفين الذين يعظون في ألسنتهم لا من قلوبهم، قد لبسوا ثياب الصلاح على المنبر، كما يلبس الممثل ثياب الملك على المسرح، فإذا تم الوعظ وانقضى التمثيل، نضيت تلك الثياب، فعاد الملك صعلوكا والواعظ طماعا خبيثا، ولا الذين يتخذون التقى دعوى يكسبون بها الدنيا، والنسك شبكة يصطادون بها المال، يزهدون الناس ولا يزهدون، ويعظون ولا يتعظون، ولا الأتقياء في المجان فقط يصلون مئة ركعة، ويسبحون ألف تسبيحة، ويسكنون المساجد ويعانقون المصاحف. ثم لا تجود أكفهم بقرش إلا إن جاد بالمال الحديد الأصم، ولا تلين قلوبهم لعطاء إلا إن لان جلمد الصخر، ولا من الذين طلقوا الدنيا ثلاثا، وحرموا على أنفسهم طيباتها، وعافوا لذيذ المأكل وناعم الملبس، بل أعني التقي حقا الذي يتبع الشرع ويقف عند أمره ونهيه، ويجد حلاوة الإيمان ولذة العبادة، وما رآه أحد يصلي إلا اشتهى الصلاة، كما يشتهي المرء أكلة طيبة رأى حسناء تأكلها، من كثرة خشوعه وظهور إخلاصه وطيب صلاته. لا يجلس متجهم الوجه يعظ أبدا، ويتلو الأحاديث ولا يتظاهر بخشونة الثوب وتطويل السبحة وتعريض الجبة كما يصنع هؤلاء الذين يدعون الولاية دعوى بلا دليل، فإذا جاءت الدنيا وعرضت المطامع نسوا دعواهم بل كان زاهدا حقا، وهو يأكل ويشرب، ويستمتع ويؤم البساتين، ولا يأكل محرما، وكانت زهادته في المال مضرب المثل عرضت له الفرص ليكون موظفا كبيرا فأبى، وآثر تعليم الصبيان في مدرسة صغيرة، فلما جاء الفرنسيون جعلوا للمدارس الخاصة معونة على أن يفتشوها فأبى، وكان وحده المعارض فأغلقت مدرسته، ولم يكن يملك شيئا فعرض عليه القضاء فأبى إلا أن يكون كاتبا في المحكمة الشرعية، ثم عين مدرسا، وكل المدرسين يأخذون المال بلا عمل، فحمل كتابه وذهب فدرس، وكان ينفق بعد هذا إنفاق من لا يخشى الفقر ولا يرجو إلا الله ولا يعتمد إلا عليه، يجيئه الأصحاب فيأخذون من ماله ومن علمه، يقرؤون عليه ويأكلون عنده.
يا سادة:
لو شئت أن أحدثكم عن الشيخ محمود رحمه الله صديقا وجدت له في رأسي ذكريات من أقدس وأنفس ما عرف الناس من ذكريات الصداقات، ولو شئت أن أحدثكم عنه معلما لوجدت مآثره في التعليم. ولو شئت أن أحدثكم عنه مصلحا لوجدت جهده في الإصلاح، ولكن الوقت ضيق، وأنا أريد أن أحدثكم عنه على أنه الرجل التقي السعيد. إني لأعرض سير من أعرف فلا أكاد أعرف رجلا كان في ظني أسعد منه، وإذا كان المعلمون يأخذون الأجر من الطلاب فإن الشيخ يعطي الطلاب أجرة ولم يرزأ أحدا شيئا، يعطي ولا يأخذ ويتفضل ولا يقبل أن يتفضل عليه. هذي يا سادة لحظات مع رجل عاش سعيدا ومات حميدا، فما رأيت في الناس من أحبه الناس حيا وبكوه ميتا مثلما أحبوه، وبكوه، ولقد كانت جنازته مأتما عاما ما تدري فيه من المعزي، ومن المعزى وهو الذي ستظل مآثره وتظل سيرته درسا لمن أراد أن يعرف كيف يجمع الإنسان سعادة الدارين ولذة الحياتين رحمه الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.