يأتي الطلاق حين تتعرَّض الحياة الزوجية للانهيار، وتتحطَّم جميع الوسائل الإصلاحية وتصبح الحياة شقاء وعذاباً لجميع أفراد الأسرة، كآخر وسيلة علاجية ليرتفع الضرر وينتهي الشقاق. ولكن يجب أن تؤخذ هذه المسألة بعين الاعتبار والجد لا بالهزل والاستهتار، فابغض الحلال عند الله له آثاره الخطيرة على الزوجين، والأطفال؛ فهم الضحايا الذين يفتقدون دفء الأسرة والجو العائلي و يواجهون صعوبات كثيرة تؤثر سلباً على توافقهم النفسي والاجتماعي. وقد يؤدي الطلاق إلى اختلال نمو شخصية الطفل، وضعف الثقة بنفسه، وتسيطر عليه مشاعر القلق وانخفاض الطموح وقلة الرغبة في العمل والإنجاز، وضعف التحصيل الدراسي. ويستمر تأثير الطلاق على الأطفال في مرحلة المراهقة، حيث إنَّهم لا يثقون بأنفسهم ولا بالوالدين، ويغلب عليهم الشك والتشاؤم، ويبالغون في التمرد والسلبية وأحلام اليقظة،هذا ما وقفت عنده "الاتحاد" و رصدت معاناة بعض الضحايا تباينت قصصهم و لكن قاسمهم المشترك هو الحرمان من الحضن الدافئ. أبناء حرمتهم الظروف من تذوق نعمة الأمومة كم من امرأة اختارت أن تكابد مرارة العيش مع زوج لا تطيقه، خشية خسارة أولادها، فاللجوء إلى الطلاق وان كان فيه خلاص لها من عذاب الاستمرار بعلاقةٍ زوجيةٍ سيئة إلا انه غالبًا ما يخبئ لها عذابًا أعظم ألا وهو عذاب فقدان الأولاد بعد الطلاق،مثلما حدث ل"عزيزة.ب" ،هي من بين المطلقات اللاتي التقت بهم "الاتحاد" صدفة وما أقصاها من صدفة ،روت قصتها المؤثرة التي تبكي حتى قاسي القلب،حسب ما قالت أن الله رزقها بأربعة أبناء من زوج ثري ووحيد "أم"، و لكن الزوج الذي عقدت معه ميثاقا حرمها من التمتع بالنظر في أعين فلذات كبدها و ضمهم إلى صدرها الدافئ،فبدايتها من الزواج كانت سعيدة إلى أن رزقت بالابنة الصغرى "أمينة" ،منذ أسبوعها الأول لم تعد حياتها تعرف الأمان و الاستقرار،فأصبح أهل زوجها يحرضونه على الزواج بالثانية و حقا كان لهم ما أرادوا،و طردت المسكينة إلى بيت أهلها و حرمت من رؤية أطفالها الأربعة منذ أكثر من أربع سنوات تقول :" بعد طلاقي كان من المفترض أن يبقى أطفالي لدى والدهم لضعف حالتي المادية ورفض والدي تحمل احتياجاتهم"،و بقي أبناءها يعانون في صمت أمام بطش أبيهم و أنانيته،فلم يمنعهم من زيارة أمهم فحسب بل تعدى ذلك إلى غرس أفكار سيئة في عقولهم الصغيرة و رسم في أذهانهم صورة الأم القاسية التي تخلت عنهم بمحض إرادتها،و عندما سألتها "الاتحاد" عن أحوال أبنائها فردت أنها تسمع عنهم عن طريق "التقرعيج" من الجيران،و تأسفت كثيرا عندما سمعت أن ابنها الأكبر"سفيان" تخلى عن مقاعد الدراسة بعد أن كان يحرز المراتب الأولى،و أضافت أن والده كان سبب في انحرافه عندما أصبح يعطيه مبالغ كبيرة من المال دون محاسبته و كان يقول له دائما:"لا تخف و لا تقلق على مستقبلك أنت و أخواتك ساترك لكم فيلا و سيارات" عوض أن يوصيهم بالدراسة،و تضيف في نفس السياق و عيناها مغرورقتين بالدموع:"مغاضتنيش عمري كي طلقت قد ما كي عرفت انه التربية اللي ربيتهوم مقبل راحت في الريح"،انصرفت "عزيزة" و هي تدعي لزوجها بالهداية:"ربي يهديهم حرقولي قلبي محاش نسمحلهم"، كثيرون أمثال "سفيان" و أخواته الذين حرمتهم الظروف من الترعرع بين أحضان أمهم. زوجة أب تتلذذ بتعذيب ربيبتها قصة "سميرة" لا تختلف كثيرا عن القصص التي نراها و نشاهدها في التلفاز،فهي ابنة الواحد و العشرين ربيعا و لم تعرف بعد أمها التي حملتها تسعة أشهر في رحمها و رمتها بين نيران زوجة أبيها التي كانت تتلذذ بتعذيب ربيبتها،بعد أن طُلقت من والدها في الشهر الأول من ميلادها،تقول "سميرة" في حديثها ل"الاتحاد" و هي في حالة خوف و ارتباك من زوجة أبيها ،التي فضلت أن تسميها "جهنم الأرض" جردتها من كل المشاعر الرقيقة و النبيلة،و مارست عليها شتى طرق التعذيب،و أضافت أنها لن تلوم أحدا سوى أمها التي"سمحت في فلذة كبدها و راحت تعيش في نعيم بين أحضان زوج آخر" كما قالت،حياة صعبة و قاسية عاشتها، و مرارة يتم ذاقتها في حين والديها حيين يرزقان،تجربة خلفت في قلبها آلاما عميقة تظهر من خلال طريقة كلامها و نظرات عينيها الجاحظتين. أنانية والديه دفعته لإلغاء انتمائه لهما "رابح" ذلك الطفل الذي يبلغ الحادي عشر من العمر،راح ضحية طلاق والديه الذي ارتبط بهما كثيرا ما دفعه لإلغاء الانتماء لهما و فضل الالتحاق ببيت جده على أن يختار طرفا منهما بعد الطلاق،حكاية معاناته بدأت حين قرر أبوه الزواج من زميلته في العمل،حينها ثار ثوران والدته و قررت الانفصال و الزواج أيضا بصديق لها،و بقي "رابح" في مفترق الطرق يعاني الحرمان قائلا:"أصبحت لا أحب زيارتهما،فلاحظت مرارا و تكرارا أن زوج أمي يتضايق من وجودي معها،و عندما اذهب إلى بيت والدي زوجته تخبرني دائما بغيابه رغم أني ا في كثير من الأحيان اسمع صوته داخل المنزل،آو أجد سيارته أمام بابه"،ما جعل "رابح" يقضي معظم أوقاته في الشارع الذي ربطه مع أصدقاء ادخلوه معهم عالم المخدرات الذي لا يرحم. الطفل الضحية الأولى و الأخيرة للطلاق أكدت الأخصائية النفسانية "ركيبة.ف" أن اثر الطلاق على الأبناء يكون حسب علا قات الأزواج،إذا كانت تتسم بالصراع تكون أكثر حدة و ضرر على الأبناء،و أشارت إلى إن الطفل يحتاج لحنان الأم وعطف الأب مجتمعين وهذا الشيء مؤكد علمياً وبدليل أن ضحايا الطلاق تنتابهم حالة من الشرود الذهني عند رؤيتهم لقرائنهم من الأطفال الذين ينعمون بحياة مستقرة وأغلب حالات الشرود هذه تصل لذروتها في الأعياد والمناسبات بدلاً من أن تكون باعثاً للفرح لدى الأطفال فإنها تخض مضاجع أولئك الضحايا وتنكي جراحهم .. ولهذا يبدأ مسلسل العناد والقلق من المستقبل والمزاج الحاد والعصبية والشعور بالوحدة والانطواء والانعزال عن المجتمع ويبدأ الطفل عملية الانسحاب التدريجي وهذه الحالة السيكولوجية طبيعية لمن فقد مقومات الحياة السعيدة في كنف أبوين مستقرين وأكثر الأطفال تأثراً بتلك الحالة هم من تجاوزوا سن الخامسة ،و نبهت إلى نقطة في غاية الأهمية و هي وجوب التواصل بين الأبوين بعد الانفصال، و أن لا يغرسوا في الطفل الحقد للطرف الأخر و على ضرورة عدم حرمان الأطفال من رؤية أحد والديه بسبب الطلاق لما له من تأثير سلبي على نفسيته، قائلة:" على الطرفين التحاور بهدوء وإعطاء معلومة للطفل على أن الطلاق تم ليس لعيب في أحد الطرفين ولكن لمشاكل أخرى يفهمها عندما يكبر". و شددت ذات النفسانية على ضرورة إيجاد مكان صحي يلتقي به الآباء والأمهات بأطفالهم، مشيرة إلى أن كثير من الدول تتبع هذا النهج حتى يتمكن الآباء من لقاء أبنائهم في جو صحي،و قدمت نصيحة للأولياء بان يقوموا بتنازلات فلا توجد عائلة بدون مشاكل ،و الطفل هو الضحية الأولى و الأخيرة بعد الطلاق. التواصل بين المطلقين يجنب انحراف الأطفال من جهته كشف محمد الطويل أخصائي اجتماعي في اتصال هاتفي ل"الاتحاد" ،أن هناك دراسة تقول إن أكثر من 75 بالمائة من الأطفال الذين يتعرضون لمشكلات نفسية هم ضحايا الطلاق،فهذا الأخير نتائجه وخيمة تتمثل أولا في الحرمان المادي عندما يتهرب الوالدين من المسؤولية فحتما مصيرهم السرقة و مختلف الجرائم و بالتالي يأخذ منعرج الانحراف،و كذلك نقص توجيه الأم خاصة عند الفتيات فهن الأكثر ضرر من الأولاد. و في سياق متصل قال أن حضانة الأم هي الأفضل من الناحية النفسية و العاطفية، إذا وفر الأب مطالب الأبناء،فهنا يجب أن تكون هناك ثقافة التواصل و التعامل بين الزوجين بعد الطلاق لتجنب عدوانية و انحراف الأبناء.