استعرض المؤرخ الفرنسي المختص في العلاقات الدولية موريس فايس اول امس بالجزائر العاصمة الجوانب الخفية في سير مفاوضات ايفيان مع القاء الضوء على أهم المجريات التي قلبت موازين المفاوضات لصالح الثورة الجزائرية. وتحدث فايس خلال اللقاء الذي نظم في اطار فعاليات الطبعة ال17 للصالون الدولي للكتاب استنادا لمؤلفه "نحو السلم في الجزائر" الصادر حديثا عن دار "عالم الافكار" والتي جمع فيها أرشيف الديبلوماسية الفرنسية بين 15 جانفي 1961 و29 جوان 1962 عن المراحل التي مرت بها المفاوضات الفرنسية -الجزائرية قبل ان تصبح رسمية في 18 مارس 1962 حيث توجت بتوقيع اتفاقيات ايفيان. وتؤرخ الفترة التي حددها المؤرخ في مؤلفه الى بداية المحادثات في 15 جانفي 1961 وآخر برقية تم استلامها في جوان 1962 عشية الاعلان عن استقلال الجزائر. وعن اختيار فايس عنوان "نحو السلم في الجزائر" قال أن "19 مارس 1962 تاريخ وقف اطلاق النار يعتبر خطوة مهمة نحو السلام الذي لم يتحقق الا بعد خريف 1962". وتوقف المؤرخ الفرنسي عند الصعوبات التي حالت دون ايجاد ارضية فعلية للمفاوضات بين الطرفين الفرنسي والجزائري مشيرا الى تمسك كل طرف بأفكاره. وأرجع المؤلف فترة الاتصالات بين الطرفين الفرنسي و الجزائري الى سنوات 1956 و1959 غير انها كانت متقطعة ولم تحقق نجاحا باعتبار ان الطرف الفرنسي كان يحمل الجزائريين "مسؤولية العنف". وواصل فايس الحديث عن محاولات اخرى لاجراء المباحثات بين الطرفين وكذلك الاشكالات التي أثيرت من الطرف الفرنسي الذي كان يرفض التفاوض مع الحكومة المؤقتة مشيرا الى المخاوف التي كانت تعتري كلا الطرفين. وفي ذات الصدد أشار فايس الى محادثات مولان التي انطلقت في 25 جوان 1960 بمدينة مولان بفرنسا واستمرت الى غاية 29 جوان حيث جمعت صديق بن يحي وعلي بومنجل بالطرف الفرنسي غير انها باءت بالفشل نظرا للشروط التي أرادت ان تفرضها فرنسا على الوفد الجزائري والتي من بينها وقف اطلاق النار. كما تحدث عن عودة الوفدين الجزائري و الفرنسي الى طاولة المفاوضات على غرار محادثات لوسارن ونيوشاتل. وقال المؤرخ الفرنسي ان "مفاوضات ايفيان التي كان من المفترض اجراؤها في 7 أفريل 1961 والتي تأخرت نظرا للوضع الداخلي المتأزم في فرنسا اصطدمت بالعديد من العوائق" مشيرا الى ان رئيس الوفد الفرنسي لويس جوكس أراد اشراك الحركة الوطنية الجزائرية في المفاوضات وقوبل ذلك بالرفض من طرف جبهة التحرير الوطني. وقال في ذات السياق ان الوضع الداخلي في فرنسا ومحاولة انصار "الجزائر فرنسية" الذي حاولوا الاطاحة برئيس الجمهورية الخامسة شارل ديغول في افريل 1961 أدى الى تاجيل المفاوضات الى غاية 20 ماي 1961 بايفيان. وأضاف ان مفاوضات ايفيان أظهرت على السطح قضايا جوهرية شكلت صداما بين الوفد الجزائري المشكل من كريم بلقاسم ومحمد الصديق بن يحيى واحمد فرنسيس وسعد دحلب ورضا مالك وغيرهم وبين الوفد الفرنسي المشكل من لويس جوكس وكلود شايي وآخرون. ومن بين القضايا التي رفض الوفد الجزائري المساومة بها -حسب المؤلف- "الوحدة الترابية وفصل الصحراء ومسالة فرض الجنسية المزدوجة للفرنسيين الجزائريين وهو ما جعل الطرف الفرنسي الذي كان مصرا على مناقشة وقف اطلاق النار يعلق المفاوضات الى 13 جوان 1961 واجراء محادثات جديدة في لوغران في جويلية من نفس السنة والتي علقت كذلك". وأشار المؤرخ الى تاريخ 5 سبتمبر 1961 عندما القى الرئيس الفرنسي خطابا ضمن اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على صحرائها حينها باشرت الحكومة المؤقتة بمحادثات كللت بمفاوضات رسمية في مدينة ايفيان الفرنسية حيث امتدت ما بين 7 و18 مارس 1962 وذلك بتوقيع اتفاقيات ايفيان واقرار وقف اطلاق النار واجراء استفتاء تقرير المصير. وكشف المؤرخ انه في ذلك اليوم "تصافح الوفدان الفرنسي والجزائري" معتبرا المفاوضات ب"عقد تأميني" لكلا الطرفين.