إن أهم الأمور التي تحققها الصلاة هي مسألة (الإيمان بالغيب) إيماناً متعدياً إلى كل المشاعر {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ}... (البقرة :3). والإيمان بالغيب نافذة الارتباط بالعالم المقدس، وطريق الخلاص من أسر الحواس، والارتباط بتلك القوة الكبرى الخالقة للعالم بكل ما في ذلك الارتباط من عطاء. وأول حلقة بل أهم حلقة في ذلك مسألة الإيمان بالله العظيم، ونفي كل قوة مؤثرة سواه، وربط الكون وظواهره به تعالى فيردد المصلي في مقدمة الصلاة وفي اثنائها الشهادة الإسلامية الكبرى (أشهد أن لا إله إلاّ الله): شهادة تستدعي عبودية مطلقة له تعالى، واستعانة مطلقة خاصة به (إياك نعبد وإياك نستعين)، وتنزيهاً له من كل شريك (قل هو الله أحد...) (سبحان ربي العظيم وبحمده...) شهادة تركز في النفس حاجتها الدائمة إلى هداية السماء في كل شؤون حياتها: (أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، شهادة بخالق الكون العظيم الذي خلق الكون بمقتضى رحمته (بسم الله الرحمن الرحيم) الأمر الذي يحصر الحمد والشكر به تعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم). كل هذا نجده في سورة مفروضة في كل صلاة ف «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» وهي السورة التي عبر عنها بأنها خلاصة الكتاب وفاتحته والتعبير المجمل عن روحه، وقد حوت من المعاني الجليلة الشيء الكثير الكثير. وقد جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) وقد سئل عن سر وجوب سورة الحمد في كل صلاة أنه قال: «لأنه ليس شيء من القرآن والكلام جمع منه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد». ولذا ف«كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج» أي منقوصة. كما أننا نجد التنزيه الكامل لله تعالى في عبارة تتكرر في الصلاة وهي (سبحان الله) أو (سبحان ربي العظيم وبحمده) أو (سبحان ربي الأعلى وبحمده). فقد روى هشام بن الحكم انه سأل الصادق (عليه السلام) عن (سبحان الله) فقال: أنفة الله (الكافي، ج 1، ص 118). وقد سئل أمير المؤمنين عن معنى سبحان الله فقال (كلمة رضيها الله تعالى لنفسه فأوصى بها) (تاج العروس مادة سبح). وبعد تنزيه الله تعالى وتركيز عبوديته: تركز الصلاة في المسلم الشهادة للنبي العظيم بأنه رسول الله الصادق، وأنه عبده الأمين. مركزة على نفي أي مطلق أمام الله في نفس الوقت الذي تقدس فيه تلك الشخصية العظيمة وتذكر بحقوقها... وبعد الشهادة للنبي بالرسالة تأتي الصلاة على محمد وآله لتشد المسلمين إلى هؤلاء القادة دائماً (عقائدياً وعاطفياً)، ولتذكرهم بأن الصراط المستقيم يكمن في ذلك. وهكذا نجد ان النصوص الواردة في الصلاة يقرأها المصلي فتوحي له بإيحاءات رائعة: * توحي له بلزوم تجسيد مضمونها في واقعه. * توحي له بأنه لا يلهج إلاّ بكلام الله، ولا ينظر إلى الكون إلاّ بمنظار القرآن الكريم، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «كتاب الله تنطقون به وتسمعون به وتبصرون به...» * توحي له بأن يجب أن يستمدَّ دائماً من الله، وان عليه دائماً ان ينضبط بأوامر الله، وأن يصوغ حياته وفق رضاه وصراطه المستقيم، الذي يتميز عن صراط المغضوب عليهم وصراط الضالين. لأنه صراط يرضاه الله، ولأنه صراط الوعي والايمان الحي. * توحي بالارتباط الكامل والعهد الوثيق الذي يعطيه المؤمنون بعضهم لبعض على أن يدفعوا مسيرة الإيمان إلى الأمام، وذلك يبدو أيضاً عندما ينطق المصلي بعبارة (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، نعم كل عباد الله على امتدادهم العرضي والطولي لأنهم يشتركون معه في هدفه الكبير. هذه بعض الموحيات والمعطيات التي توحي بها الألفاظ الصلاتية فتركّزها بتكرار الصلاة في النفوس، وتجسد عقيدة الإنسان وعهده بالالتزام بها والقيام بمقتضياتها.