أناس كثيرون يعانون من مرض الوسواس في الصّلاة وفي سائر العبادات والعلاقات الأسرية والاجتماعية، فكيف السبيل إلى الوقاية من هذا المرض وإلى علاجه؟ إنّ الوسواس سلاح يتّخذه الشيطان ليهاجم به العبد المؤمن، وقد أنزل الله تعالى فيه سورة كاملة فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ × مَلِكِ النَّاسِ × إِلَهِ النّاسِ × مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ × الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ × مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ} سورة النّاس. قد يلقي الشّيطان في قلب العبد المؤمن أفكار ووساوس شيطانية حول عقيدته، وأخص من هذا حول ذات الله جلّ جلاله، ليفسد عليه إيمانه وعبادته، ولكن ليهنأ مَن وجد هذا من المؤمنين ولم يحدّث به، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ''جاء ناس من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألوه فقالوا: يا رسول الله إنّا نجِد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به؟ فقال: ''أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان''، وعلى مَن وجد ذلك أن يستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم وأن لا يطلق العنان في قلبه وخواطر لتلك الأفكار والوساوس، ففي الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: مَن خَلَق كذا؟ مَن خَلَق كذا؟ حتّى يقول: مَن خَلَق الله؟ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فإذا بلغه يعني إذا وصل إلى الحد فليستعد بالله ولينته'' أخرجه البخاري ومسلم، وقوله: ''ولينته'' أي ليُعْرِض عن تلك الأفكار والأسئلة وليمش في حياته وفي أعماله وفي عبادته. وقد يأتي الشّيطان أيضًا الإنسان في طهارته فيشكّكه في وضوئه ويلقي في قلبه أنّه لم يتمضمض مثلاً أو لم يمسح رأسه وهذا بعد انتهائه من وضوئه، أو أثناء شروعه في صلاته، واعتاد على هذا الشك والوسوسة، فعلى هذا الإنسان أن يستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وأن لا يلتفت إلى تلك الوساوس الّتي تؤدي إلى ترك الصّلاة عياذًا بالله وهو في الحقيقة هدف الشّيطان. ومن أعظم وسائل طرد الشّيطان وصرف أفكاره ووساوسه، ذِكْر الله تعالى وتلاوة القرآن الّذي يُذهِب الهمّ والحزن النّفسي والاضطراب في المعاملات والعلاقات، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ''أنّه ما من مؤمن يصيبه همّ أو غمّ أو حزن فيقول: اللّهمّ إنّي عبدك ابن أمَتُك، ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمُك عدلٌ فيّ قضاؤُك، أسألُك بكلّ اسمٍ هو لك، سمّيتَ به نفسَك، أو أنزلْتَه في كتابِك، أو علّمتَه أحدًا من خلقك أو استأثَرْت به في عِلم الغيبِ عندَك، أن تجعَل القرآن العظيم ربيعَ قلبي ونور صدري وجلاءَ حُزني وذهاب غمّي وهمّي إلاّ فرّج الله عنه'' رواه احمد والطبراني وابن حبّان وهو حديث صحيح. وقد يلجأ بعض المصابين بمرض الوسواس إلى الرقية الشّرعية الّتي يقوم بها مشعوذون، فيزيدون المصاب همًّا وغمًّا على غمٍ باتهام أقارب لهم بسحرهم مثلاً، أو غير ذلك ممّا لم يرد في سُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن صحابته في الرقية الشّرعية هو قراءة القرآن الكريم وقراءة الأذكار المشروعة، وليس لدجل والشعوذة وادعاء علم الغيب وقطع الأرحام وبث الفتنة. فعلى الرُّقات اليوم أن يتّقوا الله تعالى وأن يعتمدوا في رقاهم على كتاب الله جلّ جلاله وعلى سُنّة رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم.