عن أبِي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بالصَّدَقة'' أخرجه البيهقي. بعد تفشّي الأمراض وتنوعها في هذا الزمان، بل واستعصى بعضها على الأطباء مثل السرطان ونحوه رغم وجود العلاج، إذ ما جعل الله داءً إلاّ جعل له دواء، لكن جُهِل لحكمة أرادها الله، ولعلّ من أكبر أسباب هذه الأمراض المعاصي والمجاهرة بها لذلك تحل بالعباد فتهلكهم، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ..}، كما أنّها امتحان من الله سبحانه وتعالى لعباده في هذه الدنيا. والأمراض الّتي يُصاب بها المسلم أو يُصاب بها مَن تحت يده هي من أعظم ما يُفتَن بها في الدنيا، وقد قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يُكفِّرُها الصِّيام والصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر'' متفق عليه. قال الإمام ابن القيم: (فإنَّ للصَّدَقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت مِن فاجر أو مِن ظالِم، بل من كافر، فإنَّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء؛ وهذا أمرٌ معلوم عنْدَ النّاس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلّهم مُقرُّون به لأنّهم جرَّبوه). إنّها الصدقة بنية الشِّفاء، ربّما تكون تصدقت كثيرًا ولكن لم تفعل ذلك بنية أن يُعافِيك الله من مرضك أو يعافي مريضك، فافْعَلْ الآن ولتَكُن واثِقًا من أن الله سيشفيك، وسترى من ربِّك الكريم فوق ما يُرضيك: أشْبِع فقيرًا، أو اكسوا عريانًا، أو داوي مريضًا، أو اكفل يتيمًا، أو تبرَّع لوقف خيري أو صدقة جارية وغيرها من أنواع الصدقات الّتي لا تُعَد ولا تحصَى. وإنّ الصدقة لَتَرفَع -إن شاء الله- الأمراضَ والأعراضَ من مصائب وبلايا، وقد جرَّب ذلك المُوَفِّقون من أهل الله، فوجَدُوا العِلاجَ بإذن الله تعالى، وقد كان السّلف الصّالح رضوان الله عليهم يتَصَدَّقُون على قدْر مرضهم وبليتهم فلا يلبثون قليلاً حتّى يُعافِيهم الشّافي المعافي الكريم الرّحيم جلّ جلاله. وكلّما أكْثَرَ المسلم من الدعاء والصدقة والرُقية والاستغفار والتوبة وقراءة للقرآن والذِّكر ونحو ذلك، كُلَّما كان الشِّفاء أتَمّ وأكمَل وأعظم بعون الله تعالى.. فلا تْبخل على نفسك إنْ كنتَ ميسور الحال، وحتّى لو كُنتَ فقيرًا فتصدَّق ولو بدينار واحدٍ بنية شفائك أو شفاء مريضِك شريطة أن تكون عظيم الثِّقة بربِّك حتّى يكون الشِّفاء أكمَل وأتَم. وإذا أردتَ أن يكون شفاء مريضِك بالصّدقة سريعًا تامًّا، فتصدّق من طيِّب مالِكَ الّذي أعطاك الله تعالى، فإنّ الله تعالى طيّب لا يقبَل إلاّ طيّبًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} البقرة: 267. واجعلها بِنِيَّة شفاء مريضك خالصةً لوجه الله تعالى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّما الأعمال بالنِّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى'' رواه البخاري، وإذا شَفَى اللهُ مريضَك وأبْدَلَه عن الضّرَّاءِ سَرَّاءً فتوجَّه ومريضك إليه بالحمد والشُّكر، مُردِّدًا بكثرة: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، مِصداقًا لقول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم: 7.