حرص الشارع الحكيم على إحياء ليلة القدر، لأنّها ليلة شريفة مباركة معظّمة مفضّلة، تُرجى إجابة الدعاء فيها، وهي أفضل اللّيالي حتّى ليلة الجمعة، قال الله تعالى: {ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر} القدر: 3، أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدّم من ذنبه'' أخرجه البخاري وأبوداود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وجدير بالمسلمين أن لا يفوتهم وقتها وأن يحرصوا على إحيائها، بما يناسب مكانتها الروحية فيمضون وقتها كلّه قياماً بين يدي ربّهم ضارعين، مبتهلين، مسبّحين، راكعين، ساجدين لله شاكرين. فليلة القدر وهي بفضلها وتكريم الله لها تدعو المسلمين عامة لإحيائها شكراً لنعمة الله عليهم واستجابة لدعوة الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إليهم في الحديث السابق الذِّكر. دعا سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى التماس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي ليالي الوتر منها، كما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في رمضان''. والله عزّ وجلّ أكرم الأمّة المحمّدية بليلة القدر الّتي يكون العمل فيها خير من ألف شهر، وسنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّته الاجتهاد في ليالي العشر الأواخر، لإدراك فضل ليلة القدر، روى البخاري عن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: ''كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله''. ويجب الإكثار في ليلة القدر المباركة من الدعاء: روى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصحّحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ: أيّ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ''قولي: اللّهمّ إنّك عَفُوٌ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنّي''. ''اللّهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة، أنتَ تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لمَا اختلف فيه من الحق بإذنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم'' رواه مسلم. ''اللّهمّ أنتَ ربّي، لا إله إلاّ أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنتَ'' أخرجه البخاري. ولعلّ ما ورد في الأحاديث الصحاح من ذِكرها وتلمّسها في العشر الأواخر من رمضان، لعلّه توجيه للأمّة منه صلّى الله عليه وسلّم لإحياء هذه اللّيلة شكراً لله تعالى على ما هداهم بهذا القرآن الكريم في هذه اللّيلة المباركة، ومَن أراد أن يوافقها فعليه أن يتفرّغ لعبادة الله في الشّهر كلّه، وهذا هو السرّ في عدم تعيينها، لينشغل العبد بعبادة ربّه عزّ وجلّ.