ينعقد لقاء الثلاثية، نهاية الشهر الجاري، في ظروف سياسية واجتماعية مغايرة تماما للظروف التي درجت على الانعقاد فيها. وإذا كان ملف الجبهة الاجتماعية سيطغى على اللقاء المرتقب، إلا أن البعد السياسي سيكون حاضرا في المفاوضات تحت تأثير ظروف إقليمية وعربية ألقت بظلالها على الوضع الداخلي. تراهن الحكومة على اجتماع الثلاثية المنتظر يوم 29 سبتمبر الجاري، لتقي شر احتجاجات قطاعية أرهقتها، الموسم الفارط، وأجبرتها على التعامل معها ''أمنيا'' من خلال تسخير القوة العمومية لتسييرها. وتشد الطبقة الشغيلة أنظارها إلى قصر الحكومة أو جنان الميثاق، حيث سيلتقي الاتحاد العام للعمال الجزائريين والحكومة ومنظمات أرباب العمل، على طاولة المفاوضات وفي جعبة الوزير الأول حزمة من القرارات التي حضّر لها سلفا، بأمر من الرئيس بوتفليقة، يتقدمها قرار رفع الأجر القاعدي بنسبة، يتداول أنها معتبرة، كما سبق لزعيم المركزية النقابية أن ذكر في تجمع نظمه حزب العمال للاحتفال بالذكرى ال21 لتأسيسه. بالإضافة إلى قرارات لفائدة المتقاعدين الذين حظي ملفهم بالأسبقية في جدول أعمال الثلاثية. وإذا كان الخطاب المتعلق بما ستسفر عنه المفاوضات ''المحسومة'' سلفا، يرتكز على ما تسميه الحكومة ب''مكاسب'' للعمال والموظفين، رغم أن بعض القطاعات على غرار التربية استبقت الرهان بدخول المساعدين التربويين في إضراب، بعد فشل المفاوضات مع الوزير بن بوزيد، ما يطرح تساؤلا مفاده: هل يمكن للثلاثية أن تطفئ لهيب الجبهة الاجتماعية؟ ولا تراهن النقابات المستقلة، التي لاتزال مغيّبة من المشهد التفاوضي مع الحكومة، على اللقاء القادم، إذ يقول رشيد معلاوي، عن النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية، ل''الخبر'' إن ''الثلاثية دائما تستعمل لامتصاص الغضب الاجتماعي''، وينفي معلاوي ''وجود مفاوضات مع الشريك الاجتماعي، بل هناك قرارات تبلّغ باسم ممثل العمال الذي يعتبر مفروضا على العمال''. ويعتبر المتحدث أن الثلاثية ''تفرض فيها الحكومة قرارات في ظل غياب النقابات المستقلة حتى تكون هناك تغطية سياسية على ما تتخذه من قرارات''، ويرى أن الاجتماع الثلاثي يقترب في شكله من مجلس الوزراء، ليتساءل: ''هل أن التعويضات والقوانين الأساسية ورفع الأجور مؤخرا تم في اجتماع الثلاثية؟ ليجيب بالنفي ويشدد أنها ''جاءت بعد إضرابات واحتجاجات شديدة، ما حصل بالنسبة لموظفي التربية وبعض أسلاك الوظيف العمومي، وكذلك بالنسبة لعمال شركة سوناطراك، في القطاع الاقتصادي''. لا تراهن النقابات المستقلة، التي لاتزال مغيّبة من المشهد التفاوضي مع الحكومة، على اللقاء القادم، حسب رشيد معلاوي، الذي ينفي ''وجود مفاوضات مع الشريك الاجتماعي، بل هناك قرارات تبلّغ باسم ممثل العمال الذي يعتبر مفروضا على العمال''. ويستبعد معلاوي أن يأتي الاجتماع المرتقب بالجديد على الصعيد الاجتماعي، وقال ''إنها تعقد من أجل احتواء الحركات الاحتجاجية التي بدأت''، على أن أقصى ما يمكن إقراره ''حذف المادة 87 مكرر وتخفيف الضريبة على دخل الأجراء''، على أن ''ذلك لا يمكن أن يحل مشكل غلاء المعيشة''. وتسوق المركزية النقابية خطابا معاكسا، بإحالة سيدي سعيد العمال إلى موعد نهاية سبتمبر، بعد أن تم إبرام 120 اتفاقية جماعية، رآها مكسبا، بينما تحدى النقابات المستقلة وخصومه من داخل الهيئة النقابية من أتباع عيسى نواصري وعمار مهدي بالقول إن الاتحاد لن يخرج إلى الشارع مهما حصل، في إشارة إلى الاستمرار في سياسة ''الحوار'' التي يراها خصومه ''مهادنة غير مجدية''، وهي التصريحات التي رسخت في أذهان الموظفين والعمال، أن اللقاء الثلاثي الآتي لا يرجى منه طائل، إلا ما تعلق بزيادة ''فتات'' في الأجور، حيث يصبح الأجر الصافي لا يقل عن 22 ألف دج، مثلما يتردد. الجديد في اجتماع الحكومة والمركزية النقابية والباترونا، يكمن في الظرف السياسي الداخلي والخارجي الحساس، حيث تندمج الثلاثية في مساع حثيثة لتجاوز الظرف الإقليمي المتسم بالثورات العربية وتأثيراتها الجلية على الجزائر، حيث تصادف تمرير مشاريع قوانين الإصلاح، المتمثلة في: قانون الإعلام والأحزاب والجمعيات والانتخابات وحالات التنافي مع العهدة النيابية وتمثيل المرأة سياسيا، في سعي إلى مزاوجة الشق الاجتماعي ''الثلاثية'' مع الشق السياسي ''الإصلاحات'' بما يمكن من تهدئة الوضع، وإحداث تغيير ''ناعم''، حيث عرفت البلاد، الموسم الفارط احتجاجات قطاعية كبيرة، رشحها البعض بأن تتحول إلى المطالبة بتغيير النظام.