الحج فرصة عظيمة للإكثار من الدعاء والإلحاح على الله فيه، أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، حيث جاءت النصوص الشّرعية مبيّنة عظم شأن الدعاء وفضله ومنزلته، فالدعاء هو العبادة، وهو من أعظم أسباب دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله، ومن أهم أسباب انشراح الصدر وتفريج الهمّ وزوال الغمّ، وهو مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين. إذا كان هذا شأن الدعاء عموماً فإنّ الدعاء في الحج أعظم وآكد، وذلك لإجابة الدعاء فيه أكثر من غيره. فالحاج مسافر، والمسافر مستجاب الدعوة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم'' رواه أبو داود وغيره. والحاج مستجاب الدعوة لقوله عليه الصّلاة والسّلام: ''الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم'' رواه ابن ماجه. وفي الحجّ يشتد اضطرار العبد وإخلاصه لله، وذلك من أعظم أسباب الإجابة، كما في قصة أصحاب الغار الّذين انطبقت عليهم الصخرة، فكان إخلاصهم لله أعظم سبب لنجاتهم. كما أنّ في الحجّ مواضع عديدة يُستحب الدعاء عندها، وتكون الإجابة فيها أرجى من غيرها، فمن هذه المواطن. الدعاء في الطواف، وليس هناك دعاء محدّد فيه، بل يدعو العبد بما أراد من خيري الدنيا والآخرة، والمنقول من دعائه عليه الصّلاة والسّلام أنّه كان يقول بين الركنين الحجر الأسود والركن اليماني ''ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النّار'' رواه أبو داود. الدعاء على الصفا والمروة، يقول جابر رضي الله عنه وهو يصف حجّته صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم: ''فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتّى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثمّ دعَا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل المروة حتّى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا مشى حتّى أتَى المروة، ففعل على المروة كما فعل في الصفا''. الدعاء يوم عرفة، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير'' رواه الترمذي، وقد ظلّ نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام في هذا اليوم من بعد الزوال وهو على ناقته رافعاً يديه إلى صدره داعياً مبتهلاً حتّى غربت الشّمس. الدعاء عند المشعر الحرام في مزدلفة، يقول جابر في الحديث السابق: ''ثمّ ركب القصواء حتّى إذا أتَى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبّره، وهلّله، ووحّده، فلم يزل واقفاً حتّى أسفر جداً''. الدعاء في أيّام التّشريق عند الجمرتين الصغرى والوسطى، فقد كان عليه الصّلاة والسّلام يقف عندهما بعد أن يرمي فيستقبل القبلة، ويقوم قياماً طويلاً رافعاً يديه يدعو. الدعاء عن شرب ماء زمزم، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ماء زمزم لِمَا شُرِب له'' رواه ابن ماجه. وللدعاء شروط وآداب ينبغي مراعاتها والأخذ بها، يأتي في مقدمتها إخلاص الدعاء لله، وإفراده سبحانه بالقصد والتّوجّه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ادعوا الله وأنتُم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه'' رواه الترمذي.