إنّ فكرة الاحتفال بالمولد النّبويّ الشّريف صارت من الأمور الّتي أَلِفتها الأمّة ودخَلت في تقاليدها وعاداتها، وصارت علامة لإظهار حبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وقد يقول قائل: لماذا لم يكن هذا الاحتفال موجودًا في عصر النّبوة وفي عصر الخلفاء الرّاشدين؟ وجوابه: أنّه لم يكن الصّحابة بحاجة إلى ما يُوجِب تذكَار المولد وإحياءَ حبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في القلوب وبعث النّفوس على الاقتداء بسُنّته والاهتداء بهديه، لكن بعد مرور القرون الأولى المبارَكة عَمَّ الفساد وابتعد النّاس عن هدْي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونسوا سيرتَه وصاروا بحاجة إلى ما يُذكّرُهم بها ويحثّهم على طاعة سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ}، وقال سبحانه: {وَذَكِّر فَإِنَّ الذِّكرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. والأدلة على مشروعية ذلك احتفاله صلّى الله عليه وسلّم نفسِه بميلاده حين سُئِل عن صيام يوم الإثنين فقال: ''ذاك يومٌ وٌلدتُ فيه'' رواه مسلم، إذن فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم احتفل بميلاده لكن بأمر مشروع وهو الصيام. فعلينا أن نحتفل بميلاده بالطاعة والأمور المشروعة وأن نبتعد عن كلّ ما فيه معصية أو ما يُلحق الضرر بالنّفس وبالغير. وما مظاهر الاحتفال بمولده صلّى الله عليه وسلّم؟ التّذكير بسيرته العطرة وبيان وجوب الاقتداء به والتّأسي به لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}. العمل بسُنّته ووجوب تحكيمها والتّحاكم إليها لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقوله سبحانه: {وَمَا أَتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهُ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ينبغي للمسلم أن يقابل نِعَم الله بالشُّكر والحفاوة، ولَقد كان مولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نِعمةً عظيمة على المؤمنين بل وعلى البشرية جميعًا، قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}، والله أعلم.