تنطلق الاحتفالات الرسمية بمرور 50 سنة عن استرجاع الجزائر استقلالها بعد فترة كفاح دامت 132 سنة، اليوم عبر مختلف ربوع الوطن. وقد جندت الدولة لهذا الحدث الذي له دلالة رمزية وتاريخية كبيرة، كل القطاعات الوزارية والاقتصادية والاجتماعية ورصدت ميزانية وصفت ب''الضخمة''، من أجل تغطية هذه الاحتفالات التي تستمر إلى غاية جويلية 2013. أعطى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إشارة انطلاق احتفالات الخمسينية، مساء أمس من مسرح الهواء الطلق بسيدي فرج، وهو المكان الذي غزت فرنسا الاستعمارية بجيوشها الجزائر في 5 جويلية .1830 وحضر مراسم الانطلاق الرسمي للاحتفالات الوطنية بذكرى مرور 50 سنة عن استرجاع الجزائر لسيادتها وطردها للمستعمر الفرنسي ذليلا، الفريق الحكومي وكبار مسؤولي الدولة بمعية مجاهدين وممثلين عن الأسرة الثورية وفنانين ومثقفين وغيرهم. وشهدت عدة أحياء وساحات على غرار سيدي فرج ورياض الفتح وباب الوادي ليلة 4 جويلية، إطلاق الألعاب النارية التي أضاءت بنورها سماء العاصمة وأذنت بفرقعاتها بانطلاق الأفراح في كل ربوع الجزائر شرقا وغربا شمالا وجنوبا، بحيث ستشهد كل الولايات ال48 ألعاب نارية مماثلة ومهرجانات غنائية وندوات فكرية وتاريخية لتخليد هذه المناسبة التي تسكن قلوب كل الجزائريين بالنظر لدلالتها ورمزيتها على أكثر من صعيد. وتشير الأرقام المتداولة إلى أن كل مؤسسات الدولة الشبانية والرياضية والجامعية والتربوية قد جندت كل إمكانياتها المادية والبشرية من أجل إحياء هذه المناسبة التي أسست لأجلها لجنة وطنية تحضيرية منذ سنة تقريبا، يرأسها الوزير الأول أحمد أويحيى ويشارك فيها عدة وزارات مثل وزارة المجاهدين، والثقافة، والشبيبة والرياضة التي وقع على عاتقها تحضير البرامج الخاصة بالاحتفال في جوانبها التاريخية والتظاهرات الثقافية والرياضية التي ستقام على امتداد سنة كاملة في كل التراب الوطني. وتزينت كل مدن الجزائر منذ عدة أيام -تحسبا لهذه الاحتفالية- بألوان الأبيض والأحمر والأخضر، وهي ألوان الراية الوطنية التي ضحى من أجلها مليون ونصف المليون من الشهداء، حيث مكنت تضحياتهم من إخراج استعمار استيطاني جثم على صدور الجزائريين 132 سنة. ولتمكين المواطنين من حضور هذه التظاهرات، بادرت عدة مؤسسات وطنية على غرار مؤسسة ميترو الجزائر والترامواي بمجانية النقل عبر خطوطها طيلة 3 أيام، لتسهيل تنقلاتهم إلى أماكن إقامة التظاهرات. وبالنظر إلى الرمزية التي تمثلها خمسينية الاستقلال، أصدرت عدة أحزاب سياسية بيانات بالمناسبة هنأت من خلالها الشعب الجزائري بهذه الذكرى. وضمن هذا السياق وبمناسبة خمسينية الاستقلال أصدر حزب جبهة التحرير الوطني بيانا أكد فيه ''ضرورة مواصلة النضال حتى يقر المستعمر بجريمته البشعة في حق الشعب الجزائري ويقدم الاعتذار عن حرب الإبادة''، وأعلن سعيه لتجسيد الإصلاحات السياسية وفقا لالتزامات الرئيس بوتفليقة في انتظار التعديل الدستوري القادم''. من جهته، أبرز الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي والوزير الأول أحمد أويحيى، أمس، في رسالة تهنئة إلى الجزائريين، أهمية الاحتفال ببلوغ ما أسماها ''المحطة الخمسين من سكة الحرية والعزة والكرامة''، وقال ''إنها تشكل أيضا محطة من المحطات الأساسية في تعزيز بناء الدولة الجزائرية السيدة الحرة''. وذكر أويحيى أن الجزائر تواجه في ذكرى استقلاها الخمسين، تحديات كبرى، تضم ترسيخ أسس المصالحة وتعميق المسار الديمقراطي وتجسيد مبادئ حقوق الإنسان. لكن بالنسبة لتقييم الأرسيدي فإن الجزائر تعيش اليوم كابوسا يشتم نضالاتها، ويثير شبابها ويعطيهم صورة لدى العالم مغايرة عن تلك التي أجبرت العالم في فترة معينة بالانبهار بها''، وعنون الحزب بيانا له بالمناسبة ''خمسون سنة من التجاوزات.. قطيعة حتمية''. وانتقد رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني في رسالة مصورة بثها الموقع الإلكتروني للحركة، عشية احتفال الجزائر بخمسينية الاستقلال، استمرار الاعتماد على ما يعرف بالشرعية الثورية في إدارة دفة الحكم في الجزائر، مطالبا بالانتقال الفوري من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الشعبية بإعادة الكلمة إلى الشعب الجزائري الذي سيدلي بصوته ويقول كلمته في الرجال والبرامج. غير أن هذه الاحتفالات بالخمسينية ليست مقصورة على الجزائر، بل جندت فرنسا من جهتها كل طاقاتها لإحياء ذكرى انتهاء حرب الجزائر على طريقتها الخاصة، من خلال طبعا تمجيد ما فعله جنرالاتها فيما تسميه الدور الإيجابي لاستعمارها في شمال إفريقيا، وكذا بتجاهل مطالب الاعتراف والاعتذار، وفي ذلك إظهار أن الفكر الكولونيالي لا يزال متحكما وسائدا في فرنسا حتى بعد مرور 50 سنة من استقلال ما كان يسمى زورا وبهتانا أن الجزائر فرنسية.