الصّحابي الجليل أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، أحد السبعين رجلاً الّذين شهدوا بيعة العقبة الثانية من الأنصار، وقد أسلَم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقد تفقّه في دين الله، فوصفه الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، بأنّه ''أعلم النّاس بالحلال والحرام''. وكان الصّحابة، رضوان الله عليهم، يجتمعون حوله ليتعلّموا منه أمور الحلال والحرام، وقال عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ''عجزت النّساء أن يلدن مثله، ولولاه لهلك عمر''. وكان أحد الذين يفتون على عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بل قدّمه عمر في الفقه فقال: ''مَن أراد الفقه، فليأت معاذ بن جبل''. بعثه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى اليمن قاضيًا، وقال له: ''كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟''، قال: أقضي بكتاب الله. قال: ''فإن لم تجد في كتاب الله''، قال: فبسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ''فإن لم تجد في سنّة رسول الله ولا في كتاب الله؟''. قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، صدره وقال: ''الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لمَا يرضي رسول الله''. وكان، رضي الله عنه، أحد الصّحابة الّذين يحفظون القرآن، وممّن جمعوا القرآن على عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حتّى قال عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبَي بن كعب، ومعاذ بن جبل''. وكان كريمًا، كثير الإنفاق، وكثير التهجُّد، يصلّي باللّيل والنّاس نيام. ومات، رضي الله عنه، وأرضاه سنة 18ه، وعمره 38 سنة.