صادق مجلس الشيوخ الفرنسي، أمس، على مقترح لائحة تعترف بقمع مظاهرات 17 أكتوبر، عقب نقاشات حادة، سعا خلالها أعضاء ''الحركة الشعبية'' التي ينتمي إليها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، إلى إبطالها. صوت 174 عضوا في ''السينا'' الفرنسي ب''نعم'' على مقترح لائحة الاعتراف بأحداث 17 اكتوبر، من جملة 344 من الأصوات المعبر عنها، وصوت ب''لا'' 168 عضوا، وأغلبهم ينتمون لحزب ساركوزي، حيث عارض مقترح اللائحة 132 عضوا من '' الاتحاد من أجل الأغلبية الشعبية''، وصوت 127 عضوا ب''نعم''، من الحزب الاشتراكي، منهم رئيس مجلس الشيوخ، والشيوعيون ب20 صوتا والتجمع الديمقراطي الاجتماعي ب15 صوتا، وحزب ''الخضر'' ب15 صوتا، وصوت ب''لا'' 29 عضو من حزب الوسط الجمهوري. وتبنى مجلس الشيوخ الفرنسي، مشروع اللائحة، أسبوعا فقط من قرار الرئيس فرانسوا هولاند الاعتراف بتلك الأحداث الدامية التي يعد نهر ''السين'' شاهد عليها، حيث فتح، رسميا، الظرف الذي أودعه 22 عضوا بمجلس الشيوخ الفرنسي، المتضمن المطالبة بالاعتراف بمجازر أحداث 17 أكتوبر 1961 وترسيمها كذكرى لفائدة ضحاياها من الجزائريين الذين تظاهروا بباريس، رفضا لقرار حظر التجوال الذي فرضه موريس بابون، وتضمن مشروع القانون مادة وحيدة، تطالب ب''الاعتراف''، إثر ''القمع'' الذي تعرض له جزائريون في مظاهرات ذلك اليوم. وصادق المجلس على اللائحة التي أودعت من قبل الأعضاء ال22 ، يوم 30 جانفي من العام الجاري، في ظل حكم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ولم تبرمج جلسة النظر فيه إلا مؤخرا، لتتزامن مع إعلان خلفه فرانسوا هولاند، اعتراف فرنسا بتلك المجازر، في خطوة لقيت معارضة شرسة من اليمين الفرنسي، ومن مناصري سياسة ساركوزي وهو خارج الإليزيه. وأورد أعضاء ''السينا''، أصحاب مشروع القانون، في الوثيقة ''قبل 50 عاما، عشرات الآلاف من العمال الجزائريين وعائلاتهم، تظاهروا سلميا في باريس، ضد حظر التجوال الذي فرضه موريس بابون، وكان الرد بتدخل عنيف من الشرطة، وبعد ليلة دامية، لوحظت أعداد من الجثث تسبح على مياه نهر السين''، وتابعت الوثيقة ''الكثير من العائلات الجزائرية فقدت أبناءها وأزواجها وأطفالها''، بينما تساءل أعضاء مجلس الشيوخ ''كم من ضحية ل17 أكتوبر؟''، والجواب عن السؤال، أحيل إلى تضارب في الأرقام، خارج ما أشارت إليه أرقام رسمية تقول إنه سقط 200 ضحية، بينما تضمنت مسودة مشروع القانون، دعوة عبرت عنها بالقول ''لقد حان الوقت لمعرفة الحقيقة وإحياء ذكرى الضحايا''. وبلغة التأكيد، شدد سيناتورات فرنسا ''أن الأوان لفرنسا كي تعترف بمأساة 17 اكتوبر، سيكون اعترافها العنصر الأكثر دعما لمساعي التقارب بين الشعبين، الجزائري والفرنسي.. سيكون عقدا للصلح بين الشعبين''. لكن، هذه الدعوة، وجدت من يسعى لإبطالها، أمس، داخل قبة السينا الفرنسي، لما عرضت مسودة القانون للمناقشة، ونطق ''روبي كارتوتس''، عضو المجلس عن الاتحاد من أجل أغلبية الشعبية التي ينتمي إليها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، قائلا بسخرية ''ما الذي تريدون مراجعته؟ إن الأوامر التي قدمها موريس بابون، بين 2 و17 أكتوبر، لم تنطل على أي تجاوز لقوانين الجمهورية، لقد كان ينادي المتظاهرين باحترام القوانين فقط.. هذه هي الحقيقة''، بينما بدا أصحاب مشروع القانون، غير مقتنعين بتدخله. موازاة مع ذلك، ينظر غدا ''السينا'' الفرنسي، في مشروع قانون لاعتماد يوم 19مارس كتاريخ ''لتذكر القتلى الفرنسيين في الجزائر''، في إحالة لوقف إطلاق النار في الجزائر، عكس ما تعتمده السلطات الفرنسية، التي أقرت تاريخ الخامس من ديسمبر، وهو المشروع الذي يرفضه قطاع واسع من الحركي والأقدام السوداء، باعتباره لا يعكس حقيقة لديهم تفيد بأن الحرب استمرت ضدهم إلى ما بعد 19 مارس. وهي نظرة صارت ''تحاكي'' نبرة ساركوزية. وقد عبر عنها، صراحة أمس، رئيس بلدية ''نيس'' كريستيان استروسي، أمام جمع من الحركى، خاطبهم بالقول ''تحيى الجزائر فرنسية''. في أعنف رد فعل يتنامي لدى اليمين الفرنسي ضد اعتراف هولاند بأحداث 17 أكتوبر، يوما واحدا من تدخله في القناة التلفزيونية ''أل سي إي''، الذي قال فيه إن ما قام به هولند عندما سمح للسينا بالمصادقة على مشروع قانون يعترف ب19 مارس يوما لنهاية الحرب في الجزائر، يعد انحرافا حقيقيا، وحاول تبرير موقفه بالقول إن ''بعد هذا التاريخ مات الآلاف من الحركى والفرنسيين الذين بقوا في الجزائر، خاصة بوهران، وتابع ''ليس لدي أي واجب للتوبة تجاه مهمة حضارية قامت بها فرنسا قبل ''62، ودافع عن نفسه، باعتباره رجل ''يحن للجزائر فرنسية''.