يندد معلمو القرآن بالظروف المعيشية الصعبة التي يتخبطون فيها، فأجورهم التي لا تتعدى 22 ألف دينار، تحول دون أن يتنعموا بحياة مريحة، كما أنهم لا يريدون من وزارة الشؤون الدينية أن تستغل ''ثغرة'' اسمها ''جزاؤكم في الآخرة عظيم''، لأن المسؤولين والإطارات لا يعترفون بهذه القاعدة على أساس أن القطاع كله خدمة لدين الله، فيقولون ''إما أن نتساوى جميعنا أو تعطونا حقوقنا مادام الأجر كله سيكون يوم الآخرة''. معلمو القرآن يردون على فتوى ''أجركم في الآخرة خير من الدنيا'' ''لسنا ملائكة لكي لا نأكل ولا نتزوّج''
أحدث تصريح إعلامي سابق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، أبوعبد الله غلام الله، زلزالا في القطاع، حينما قال ''إن مطالب الأئمة ومعلمي القرآن برفع مرتباتهم غير لائقة، بسبب أن أجرهم عند الله خير لهم من المال''. من ذلك اليوم، لم تتوقف صرخات هؤلاء بالتنديد بأوضاعهم المادية ''الهشة''، لأنها لا تضاهي القدرة الشرائية المرتفعة، وهم يأتون في ذيل مستخدمي باقي القطاعات من حيث الراتب الشهري. وقد دخلت هذه الفئة في رحلة بحث عن نفسها وسط باقي ''خلق الله'' لتحسين ظروفها، فتعليم القرآن الكريم لا يعني، في نظر هؤلاء ممن تحدثت إليهم ''الخبر''، تجويع أبنائهم وعدم الاستجابة إلى مطالبهم بلباس أنيق ومسكن لائق وراتب محترم. والإشكال الحاصل، حسبهم، أن ما هو مطلوب منهم، لا يطبق على مسؤولي القطاع. وأوضح معلم للقرآن ل''الخبر''، بأنهم فئة كغيرها من العمال الموجودون في باقي القطاعات، مع فارق بسيط هو تعليم كتاب الله، وهي خصوصية أكسبتهم احترام الناس لا غير، ولم تكسبهم وضعا اجتماعيا على الأقل ''مريحا''، مضيفا ''قول وزير القطاع إن جزاءهم عند الله كبير، فيه قسط كبير من الصحة، لكننا لسنا ملائكة لا نأكل ولا نشرب ولا نتزوج ولا ننجب أطفالا، فنحن بشر وموظفون رسميون تابعون لوزارة الشؤون الدينية، لنا الحق في المطالبة بتحسين أوضاعنا''. وتطالب هذه الفئة الوزارة الوصية بضرورة إدراج شهادة حفظ القرآن، ضمن الشهادات العلمية التي تحدد تصنيف الرتب لدى الموظفين، استنادا إلى الوعود التي أطلقها رئيس الجمهورية بالرفع من مكانتهم داخل المجتمع، للدور الكبير الذي يقومون به في الحفاظ على التوازنات داخل المجتمع الجزائري، من خلال تعليم وتحفيظ ونشر كتاب الله عز وجل. في المقابل، تكشف إحصاءات رسمية وفّرها المكلف بالإعلام بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف عدة فلاحي، أنه يوجد بالجزائر العاصمة لوحدها، 25 معلم قرآن و150 أستاذ للتعليم القرآني، أما على المستوى الوطني، فيوجد حوالي 1600 معلم قرآن و6000 أستاذ التعليم القرآني، وهو عدد غير كاف وفق اعتراف فلاحي، في تصريح ل''الخبر''، لتلبية حاجات ورغبة الذين يريدون حفظ كتاب الله عز وجل، سواء من صغار أو كبار السن. وأوضح ذات المسؤول بأن معلمي القرآن الكريم، حسبما جاء في المادة 56 من القانون الأساسي رقم 08411 المؤرخ في 24 ديسمبر 2008، مكلفون بتحفيظ القرآن الكريم للكبار والصغار وإعطاء دروس لمحو الأمية والإشراف على تلاوة القرآن الكريم في المسجد، وفق ما يسمى ''حزب الراتب''، وكذا رفع الأذان والقيام بصلوات التراويح عند الضرورة. وأشار فلاحي إلى أن مهامهم لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداها لمشاركتهم في لجان تقييم حفظ القرآن ومراقبة طبع المصاحف الشريفة ونشرها وتأطير مسابقات القرآن وحفظه وتجويده، مضيفا أن سلك معلمي القرآن وأساتذة التعليم القرآني، يعتبرون بمثابة الحارس الأمين على كتاب الله. وكشف ذات المتحدث أن الوزارة الوصية تحضّر طريقة جديدة للتكفل بانشغالاتهم، تماشيا مع الرسالة النبيلة التي يؤدونها، موضحا بأن هذه الفئة بعد تخرجها ومباشرة مزاولة عملها، تخضع إلى المتابعة من أجل تحسين المستوى وبالتالي، حسب عدة فلاحي، ينتدب هؤلاء لمدة 21 يوما في أحد معاهد التكوين، بهدف تجديد معارفهم بخصوص القرآن وعلم القراءات والمسائل الفقهية، فضلا عن تنظيم ندوات نصف شهرية، من طرف مديريات الشؤون الدينية عبر 48 ولاية، في إطار التكوين المستمر في مواد علوم القرآن والحديث والتجويد وعلم النفس التربوي، إلى جانب تنظيم ندوات شهرية، تخص السلك الديني ككل.
بورتريه
الشيخ بلقاسم كيرب.. ومسيرة 32 سنة في تعليم القرآن ''لن نتنازل عن حقوقنا''
يعتقد الشيخ بلقاسم أبو أسامة كيرب، معلم من ولاية الأغواط، أن مهنة تعليم القرآن الكريم حقا لا تحتاج إلى المطالبة بمقابل مادي كبير، فكل شخص يمارسها حظه في الآخرة أكبر منه في الدنيا، وهي القاعدة التي يجب على معلمي كتاب الله حفظها. لكن محدثنا لا يعتبرها ''مطلقة''، فحقوق هذه الفئة من الموظفين في قطاع الشؤون الدينية ''لا تنازل عنها''. وروى الشيخ أبو أسامة قصته ل''الخبر''، مع مسيرة 32 سنة في تعليم كتاب الله عز وجل، 22 سنة منها قضاها متطوعا موازاة مع منصبه في التعليم الابتدائي، ولم يتقاض خلالها سنتيما واحدا، وال10 سنوات الأخيرة قبل إحالته على التقاعد، لقد كان موظفا رسميا بوزارة الشؤون الدينية برتبة إمام مسجد، لكنه لم يمتنع عن مواصلة تعليمه للقرآن الكريم، مضيفا، أنه لا ينام في ال24 ساعة، سوى 3 ساعات، وهو اليوم يملك مدرستين لتعليم القرآن، ويشرف على دورات في العديد من ولايات الوطن. وقال محدثنا إن اعتماده على الطريقة الجديدة في تعليم القرآن الكريم، المبنية على الفرد والجماعة في تكرار الآيات القرآنية، أكسبه شهرة ولاسيما في الجنوب الجزائري. معلم القرآن الكريم أبو أسامة، يشارف سنه على بلوغ عتبة السبعين، نصفها قضاها في تعلم وتعليم كتاب الله، فتخرج على يده العديد من الشخصيات هم حاليا إطارات سامية في مختلف القطاعات الوزارية، بالتحديد وزارة الشؤون الدينية. وأوضح أبو أسامة، المصاب بداء السكري ويتلقى حقنتين في اليوم، بأنه لم يندم للحظة واحدة قضاها في هذه المهنة الربانية النبيلة، مشيرا ''لكن يحز في قلبي أن وزارة الشؤون الدينية لم تفكر يوما في الالتفات إلي، على الأقل لتكريمي نظير الجهود التي قدمتها رفقة من هم مثلي، خدمة لكتاب الله، صحيح لا نريد جزاء ولا شكورا في هذا المجال، لكنها طريقة لإبراز مكانة هذه الفئة، قدوة للأجيال القادمة''. ولم يتوان الشيخ كيرب في إسداء النصائح لفئة معلمي القرآن الكريم، الذين يعتبرهم ''لا يؤدون مهامهم على أكمل وجه''، بجعل نفوسهم خالصة خدمة لله ودينه. ومن جهة أخرى، عمل وزارة الشؤون الدينية على تحسين أوضاعهم، رغم أنها ''حسنة'' مقارنة بالسنوات الماضية، وأشار الى أنه في الوقت الذي خرج إلى التقاعد، كان يتقاضى 14 دينارا.
شاهد من أهلها
مؤسس المجلس الوطني المستقل للأئمة ''رفع المستوى المعيشي لمعلمي القرآن واجب على الوزارة وعلينا''
قال جمال غول، مؤسس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية، في حوار مع ''الخبر''، إن مهنة معلمي القرآن الكريم ليست سهلة كما يراها البعض، بل هي ''ثقيلة الواجب والأجر''، ومن حق ممتهنيها تحسين أوضاعهم المعيشية وهو ''الهدف الذي نطمح إليه من خلال تأسيس نقابتنا المستقلة''.
ماذا ستقدمون في نقابتكم لسلك معلمي القرآن الكريم؟ معلمو القرآن الكريم سلك أساسي في قطاع الشؤون الدينية، مثله مثل جميع الأسلاك الأخرى، بل بالعكس، دورهم كبير ومهنتهم ''ثقيلة'' الواجب والأجر. ونحن في المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية، ''قيد التأسيس''، سنبذل كل ما في وسعنا لتحسين أوضاعهم المعيشية للتماشى مع القدرة الشرائية المرتفعة. ولقد سطرنا برنامجا متكاملا، سننطلق بالعمل به فور تسلم اعتماد هيكلنا النقابي من قبل الوزارة المعنية. ويقوم البرنامج على النزول إلى كل ولايات الوطن، لملاقاة فئة معلمي القرآن الكريم والاستماع إليهم واحدا واحدا، وتسجيل كافة انشغالاتهم ومطالبهم ضمن محررات رسمية، ترفع إلى الوصاية للبت فيها قصد الوصول إلى حلول ترضي هذا السلك. هل سيصبح لمعلمي القرآن، ضمن مجلسكم، تنسيقية خاصة بهم؟ المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية قائم على وحدة جميع الفئات، ولن تكون هناك تنسيقيات تخص كل سلك لوحده، فالعمل الذي حضرنا له يستمد من فلسفة ''الوحدة'' حتى لا تتشتت المطالب ضمن فروع. وسنواجه بعملنا النقابي الوزارة الوصية ب''صف واحد''. ما هو ردكم على الوزير بقوله ''أجركم عند الله خير من رفع مرتباتكم''؟ نحن لا نحتاج من وزير القطاع أبوعبد الله غلام الله، أن يذكرنا بالأجر الذي يجازينا به الله عز وجل نظير مجهوداتنا، فهذا أمر لا غبار عليه. وفئة معلمي القرآن الكريم كغيرها من أسلاك القطاع، تحتاج إلى مراجعة أجورها وفق قانونها الأساسي. ومن غير المعقول أن يصرح الوزير بمثل هذا الكلام، فالأجر في الآخرة، لا يناقض الحصول على الأجر في الدنيا، لأنه عامل ضروري لنقوي عملنا ونحسنه في سبيل عطاء أوفر، خدمة لدين الله وتعليم القرآن. وإذا كان الوزير يريدنا أن لا نناضل من أجل رفع أجورنا لأن الأجر في الآخرة كبير، نطالبه بمراجعة راتبه، فيكون أقل من زملائه في الحكومة، باعتباره مسؤولنا المباشر وأسبقنا في القطاع خدمة للدين الإسلامي، بل بالعكس سيكون أكثرنا حظا في الآخرة بأجر كبير جدا.