تحوّلت الانتخابات المحلية الأخيرة من حلّ إلى مشكلة داخل البلديات خصوصا، جرّاء الصعوبات التي ترافق عملية تنصيب رؤساء المجالس المحلية، حيث دخلت حسابات أخرى في تأطير التحالفات بين المنتخبين وبين قيادات الأحزاب، وحتى تدخل ''يد'' الإدارة، ممثلة في الوالي ورؤساء الدوائر، في التأثير على موازين القوى. فهل يتحمّل مسؤولية ذلك قوانين وزارة الداخلية التي باعت جلد الأسد قبل اصطياده؟ أم أن ضعف الثقافة الحزبية وطغيان المعيار المالي في الترشح وفي تقسيم المناصب، زاد من حجم الانسداد وحوّله إلى ظاهرة مزمنة تحتاج إلى عصا سحرية بعدما استعصى على القوانين، إلى حد الآن، معالجة الآثار التي ولّدتها عمليات بيع وشراء قوائم الترشيحات، وما صاحبها من فساد مالي وتجوال سياسي وغياب البرامج، الأمر الذي أنجب مئات المجالس البلدية وحتى الولائية المهدّدة دوما باللااستقرار؟ صراع التحالفات بصيغة ''البارحة معي.. اليوم ضدي'' منتخبون يلهثون وراء منصب المير ب''الشكارة'' والانقلابات صغرت اهتمامات أحزاب سياسية، هذه الأيام، وتخندقت في مضيق واحد، يكمن في دفع بما أمكن من أجل ضمان رئاسة مجالس بلدية، ولو ب''حق قانوني'' ضئيل''، أتاحه قانون الانتخابات ''نكاية'' في الحاصل على الأغلبية النسبية. لم تعد مبادئ الحزب، وطنيا كان أم ديمقراطيا، إسلاميا أم ليبراليا، عاملا متحكما في زمام تحالفات، عقدها هذه المرة قانون الانتخابات، وصار الجميع يبحث عن اجتهادات، قانونية، وإن لم يجدها يبحث عن الأقرب إلى المنطق، ابتغاء تحالف سياسي يسيطر على المنصب الأول في البلدية، بعيدا عن مراعاة الانسجام في المواقف الحزبية حيال القضايا الوطنية، وحتى الرؤى المتعلقة بالتنمية المحلية. وبين الاجتهاد القانوني وبين المنطق، يتداول أن ''العرف'' الذي بات مسيطرا على تصرّفات منتخبين، في كل استحقاق انتخابي، عاد من النافذة، وأضحت ''الشكارة'' أداة حاسمة في تأليب مواقف في بلديات، تعهد أصحابها، البارحة ليلا، بالتحالف مع الأرندي لتزكية ترؤسه للمجلس البلدي، فسمع مرشح الأرندي، اليوم صباحا، أن من طمأنه أنه ''معه''، وقّع صكا على بياض لغريمه المتقارب معه في عدد المقاعد، قد يكون الأفالان أو التكتل الأخضر. لم يكرّس أي استحقاق محلي نظم في الجزائر اختلالات في مساعي التوافق المحلي، كما كرّسته انتخابات 29 نوفمبر. وإذا كانت محليات 2007 أبقت على وضع الانسداد في العشرات من البلديات حتى نهايتها، رغم استنجاد وزارة الداخلية برؤساء الدوائر لتسيير البلديات التي تئن تحت وطء الانسداد، فإن ما تواتر عن الانتخابات الأخيرة، على مستوى البلديات، عزل الموقف الحزبي لفائدة النزوع الشخصي للمنتخبين، وفقا لحسابات كثيرا ما تكون ضيقة، تتداخل فيها ''سوابق'' علاقات شخصية محضة، وأخرى يتحكم فيها حجم ''الشكارة'' المقدّمة، بغرض التربع على كرسي البلدية، في وقت وجد منتخبو أحزاب صغيرة أنفسهم متساوين مع منتخبي الأحزاب الكبيرة، وصار مخاطبة ودهم يتطلب مسارا من مفاوضات، الفيصل فيها إما وعود سياسية بامتيازات لاحقة (دعم الترشح لانتخابات مجلس الأمة)، وإما المال، في حرب تحالفات سياسية جارية بين ممثلي الأحزاب، وجدوا في قرار قادتهم منحهم الحرية فيما يختارون من أحزاب للتحالف معها محليا، فرصة سانحة للمتاجرة بالذمة السياسية، بينما لازالت العديد من البلديات تترقب ما ستسفر عنه التحالفات، ومعها بقي المواطنون يتفرجون من بعيد على أصواتهم التي ذهبت هباء، وقد يلجأ الوزير ولد قابلية إلى ما سبقه إليه يزيد زرهوني، لما أقرّ، في تعليمة له، منح رؤساء الدوائر صلاحية تسيير البلديات التي عجز منتخبوها عن التوافق السياسي في مجالسهم، بينما صار هؤلاء المنتخبون موظفين، يصرفون رواتب العمال ويسيّرون شاحنات جمع القمامة، في وضع يشير إلى أنه حتى إن توافقت الأحزاب في تحالفات لتشكيل مجالس بلدية، إلا أنها ستكون مجالس بتركيبات ''هشة'' لا تستند إلى قوة المرجعية الانتخابية، خاصة إذا كان ''المير'' من حزب لم يحز على الأغلبية في الانتخابات. الانسداد في البلديات يؤكد ''الارتجال'' في الإصلاحات مؤسسات الدولة غير قادرة على إصدار فتوى وتترك الحلّ للصراعات لا تبشر الصراعات المستمرة بين القوائم الفائزة ''نسبيا'' بالمجالس البلدية، بإيجاد صيغة توافق في غضون أسبوعين، كما يحدّده قانون الانتخابات، ونأت وزارة الداخلية بنفسها عن الصراع القائم، واكتفت بإحالة ''المتحاربين'' إلى قانون الانتخابات الذي يحتوي على ''ثغرة'' يتحمّل مسؤوليتها، بشكل واضح، حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي، اللذين تصرفا في أغلب مواد القانون أثناء مروره على البرلمان. بعد أسبوع كامل من إعلان نتائج الانتخابات المحلية، لم تصدر أي فتوى قانونية عن مجلس الدولة في الصراعات القائمة على أساس ''ثغرة'' في قانون الانتخابات، الذي أغفل تماما حالة وجود قائمة واحدة فقط تمكنت من الحصول على نسبة 35 بالمائة التي تعتبر أغلبية نسبية. وأمام هذا الفراغ القانوني، جاء التفسير بأن تقدّم كل القوائم، بما فيها صاحبة الأقلية، مرشحها لرئاسة البلدية للتنافس مع قائمة الأغلبية النسبية، وبالتالي إمكانية تسيير البلدية من طرف المنتخب الذي تحصلت قائمته الانتخابية على أقل عدد من أصوات الناخبين. وتحيل وضعية الانسداد الحالية بغالبية المجالس البلدية، إلى إثارة مسؤولية حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي في صياغة نص المشروع القانوني، لكن المسؤولية ليست فقط على الحزبين، بحكم عدم انتباه المجلس الدستوري في مرحلة لاحقة للفراغ. ومن الواضح، اليوم، أن لا أحد من الهيئات الرسمية مستعد لتحمّل المسؤولية في إصدار فتوى تنهي الصراعات. وتقول مراجع موثوقة إن إحدى الهيئات الرسمية حاولت استفتاء رأي المجلس الدستوري، فاكتفى بالدعوة إلى تطبيق قانون الانتخابات بدل قانون البلدية، ومنه جاءت تعليمة وزارة الداخلية التي ''فسرت الماء بالماء''، ووجهت المجالس التي تقع تحت طائلة الانسداد لنفس المادة 80 من قانون الانتخابات التي يقف أصلا وراء الخلافات القائمة، والتي تجاوب على كل الحالات إلا حالة واحدة لم تعالجها، والتي تكون فيها قائمة واحدة فقط فائزة بنسبة 35 بالمائة من الأصوات، حيث تفرض عليه تزكية ب''50بالمائة +''1 من أعضاء المجلس، لكن الإشكال يبقى قائما في حال عدم حصول المترشح الوحيد لرئاسة المجلس البلدي على تزكية أغلبية الأعضاء. ولا يؤشر موقف الهيئات الرسمية بصدور فتوى في القريب العاجل تنهي واقع الانسداد، بما أن الفراغ القانوني أكبر من مجرد اجتهاد يصدره مجلس الدولة، ما يلغي وصف ''الإصلاح السياسي'' الذي أطلق على تعديلات قانون الانتخابات، ويكشف حجم ''الارتجال'' في صياغة القانون بعيدا عن الاستشارة الوطنية الموسعة. فالنتيجة في المجالس ذات الأغلبية النسبية، لم تخدم لا جبهة التحرير الوطني ولا التجمّع الوطني الديمقراطي ولا أحزاب المعارضة، لكنها بالتأكيد أضرّت بمصلحة المواطن وقضاياه المحلية المستعجلة. الجزائر: عاطف قدادرة حوار رئيس اللجنة القانونية الأسبق للبرلمان، حسين خلدون، ل''الخبر'' ''الانسداد سيترسخ في العهدة المقبلة'' يجزم رئيس اللجنة القانونية الأسبق بالمجلس الشعبي الوطني، حسين خلدون، أن المادة 80 من قانون الانتخابات لا تقدم حلولا للاختلالات المسجلة حاليا في انتخاب رؤساء المجالس البلدية، متوقعا شلل كثير من المجالس بعد إلغاء حق سحب الثقة من ''الأميار''. نشهد حالة تخبّط في فهم وتفسير أحكام إجراءات تعيين رؤساء المجالس الشعبية البلدية، مَنْ المسؤول عن هذا الوضع؟ المسؤول هو المشرّع، فما كان ليحدث هذا لو احترمنا إجراءات التشريع، لأن انتخاب رئيس البلدية يخضع لأحكام قانون البلدية، وليس لقانون انتخابات، كما فرضته الحكومة العام الماضي. هناك ما يعرف بالقوانين الخاصة، وأشرح هنا: مثلما يخضع انتخاب رئيسا المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة لأحكام النظامين الداخليين للمجلسين، يخضع انتخاب المجلس الشعبي البلدي لأحكام المادة 65 من قانون البلدية التي تنص على تعيين رئيس للمجلس الشعبي البلدي متصدّر القائمة التي تحصلت على أغلبية أصوات الناخبين، وفي حال تساوي الأصوات، يعلن رئيسا المرشحة أو المرشح الأصغر سنا. إن المادة 80 من قانون الانتخابات الحالي التي جرى الاعتماد عليها غير سليمة، ولم تعالج أصل المشكلة بل عقدته، حيث تنص على حق القائمة الفائزة بالأغلبية المطلقة الاستئثار بمنصب رئيس البلدية. نتساءل هنا: ماذا لو انقلب عليه زملاؤه يوم التصويت؟ هناك فراغ قانوني هنا. وينسحب هذا أيضا على نظام35 بالمائة، فالذين وضعوا هذا النظام كانوا يتوقعون اقتصار المنافسة على قائمتين فقط، لكن النتائج أفرزت واقعا غير ذلك. لقد كرّست أحكام المادة المذكورة ظاهرة الانقلاب على الشرعية الشعبية وإرادة الناخبين، كما وضعت المجالس المحلية رهينة لإرادة الأقلية، وفتحت الباب أمام كل أنواع الفساد، والرشوة، والمال السياسي. هناك مخاوف لأحزاب ولمتتبعين من حدوث انسداد في العهدة المقبلة؟ هذا متوقع، وأنتظر ترسخ الظاهرة، خصوصا بعد زوال أسباب التحالفات التي تمت، كما قلنا، لأسباب مصلحية ضيقة. وألفت هنا إلى أن إلغاء صلاحية سحب الثقة من المنتخبين، بحجة ضمان استقرار المجالس المحلية، سيزيد الوضع سوء، ويؤدي إلى عدم استقرار هذه المجالس. ما هي البدائل المطروحة للخروج من المأزق؟ إلغاء المادة 80 والعودة إلى أحكام قانون البلدية والولاية، وإدراج حق الأعضاء في سحب الثقة، مع وضع ضوابط في القانون الداخلي للمجلس المحلي، أي في حال الخطأ الجسيم كما هو معمول به في فرنسا. الجزائر: حاوره ف. جمال رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، ل''الخبر'' ''عدم محاسبة المنتخبين شجعهم على الانحراف'' يذكر المحامي والحقوقي، بوجمعة غشير، بأن الإفلات من العقاب ''شجع الكثير من المنحرفين على الرشوة''، في إشارة إلى تورط منتخبين محليين في قضايا فساد، والذين يعيب عليهم حرمان المواطن من حقه في الاطلاع على المداولات. ويفسَر غشير الصراع الحالي بالمجالس المحلية، بكون سلطة التحكم في المجالس يفتح الباب للانتفاع من امتيازات. ما سبب الصراع في المجالس المحلية القائم حاليا حول رئاسة البلديات؟ الصراع على مستوى المجالس المحلية حول رئاسة البلديات والمجالس الشعبية الولائية، أساسه الرغبة في تملك السلطة، السلطة التي تمكّن مالكها من الحصول على الكثير من الامتيازات، وتكون مفتاحا لحلّ الكثير من المشاكل الشخصية وغير الشخصية. هل تعتقد أن العيب يكمن في قانوني البلدية والانتخابات، أم أن المنتخبين عاجزون عن قراءتهما قراءة صحيحة؟ الأكيد أن الأغلبية الساحقة من الفائزين في الانتخابات، سواء على مستوى البلديات أو الولايات، لم يسبق لهم أن اطلعوا على محتوى القانون، ولا يعرفون بنوده. والقانون ليس به قصور في مجال كيفية انتخاب رئيس المجلس الشعبي البلدي أو رئيس المجلس الشعبي الولائي، وإنما الإشكال تطرحه دائما نتائج الانتخابات. النظام الانتخابي في الجزائر يتبنى النسبية، ونظام النسبية يسمح بتواجد أكبر عدد من الأحزاب على مستوى المجالس، ولكنه يصعب على الأحزاب الحصول على الأغلبية المطلقة، وبالتالي تبدأ التحالفات. والتحالفات تبنى على المصالح، خاصة أنه على مستوى البلدية رئيس المجلس الشعبي البلدي هو الذي يختار النواب وبعض ممثليه على بعض المستويات. وعليه، فإن التفاوض يتم مع من يريد أن يكون رئيسا للمجلس الشعبي البلدي، وما هي المناصب التي يمنحها لمن تحالفوا معه. إلى أي مدى فتحت هذه القوانين الباب لتغلغل الفساد بالمجالس المحلية؟ قانون البلدية الجديد لم يترك الشيء الكثير لرئيس المجلس الشعبي البلدي، ولا للمنتخبين، حيث كل الأعمال تتم تحت عين الوالي ورقابته، وتتم كذلك تحت أعين المجتمع المدني (طبعا إن تمكن من ذلك). والفساد الذي تعرفه المجالس الشعبية البلدية ليس سببه القوانين، وإنما الممارسات التي يقوم بها المنتخبون، وعدم الشفافية في التسيير، رغم أن قانون البلدية القديم أو الجديد يمنح المواطن حق الإطلاع على المداولات، كما أن عدم المحاسبة واللاعقاب شجع الكثير من المنحرفين على الرشوة والفساد. الجزائر: حاوره حميد يس